لميس فرحات من بيروت
متظاهرون ضد بشار الأسد أمام السفارة السورية في لندن
يبدو أن العراق يتجه إلى التنسيق مع القوى المناهضة للولايات المتحدة، حيث يرى بعض الخبراء الأميركيين أن موقف حكومة نوري المالكي في الفترة الأخيرة بات أقرب إلى موقف إيران حيال سوريا، وأن العراق قدم مفتاح الدعم المعنوي والمالي لنظام الأسد.
يرى خبراء استراتيجيون أميركيون أن العراق بات منسجماً مع إيران لجهة الموقف من سوريا، وأنه ويرسل المساعدات الضرورية لإنقاذ الأسد.
ونقلت صحيفة الـ "واشنطن بوست" أن العراق، ومنذ أكثر من ستة أشهر بعد بدء الانتفاضة السورية، يقدم مفتاح الدعم المعنوي والمالي للرئيس السوري الذي يحارب شعبه، مما يقوّض سياسة الولايات المتحدة، وسط مخاوف من أن يتجه العراق إلى مزيد من التنسيق مع القوى المناهضة للولايات المتحدة وتحديداً إيران.
الموقف العراقي حيال سوريا يشكّل حرجاً لإدارة أوباما، التي سعت إلى كسب حلفاء مسلمين وعرب في حملتها لعزل السوري بشار الأسد.
وفي حين أن عدداً من الدول العربية الأخرى قد حدّ من علاقاته مع الأسد، انتقل العراق إلى الإتجاه المعاكس، فاستضاف المسؤولين السوريين، ووقع اتفاقيات لتوسيع العلاقات التجارية وتقديم الدعم السياسي لدمشق.
وترى تلك الأصوات الأميركية أن موقف حكومة المالكي في الشهور الأخيرة بات أقرب إلى موقف إيران، فالحكومة العراقية دعمت حق الجمهورية الإسلامية في الحصول على التكنولوجيا النووية، وضغطت لإنهاء أي وجود عسكري أميركي، وهو ما كانت شددت عليه إيران بقوة.
تعتبر الأهداف السياسة أكثر أهمية لإيران من الحفاظ على نظام موال لطهران في سوريا، وهذه سياسة تتبعها إيران منذ فترة طويلة في الشرق الاوسط، حسبما يقول المراقبون.
ويعتبر ديفيد بولوك، مستشار سابق لسياسة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية في عهد إدارة جورج دبليو بوش، ان "إيران تحتاج مساعدة العراق في محاولة لإنقاذ حليفها في دمشق".
واعترف مسؤولون أميركيون بخيبة أملهم من العراق، بسبب انفتاحه وتعاونه مع الأسد. ويتوقع مسؤولون في المخابرات الأميركية ان تؤدي انتفاضة سوريا إلى إسقاط الأسد في نهاية المطاف، وعلى الأرجح بعد أن ترتفع تكلفة العقوبات على نخبة رجال الأعمال المؤيدين للأسد حالياً، وتجبرهم على الإنقلاب عليه. غير أن الجدول الزمني للتغيير لا يبدو واضحاً.
ورأى الخبير الاميركي في الشؤون السورية أندرو تابلر، ومؤلف كتاب "في عرين الأسد"، أن العراق هو بمثابة شريان الحياة للأسد.
ويقول خبراء آخرون إن دعم العراق لسوريا يؤكد على نفوذ إيران في رسم السياسة العراقية التي تحددها حكومة المالكي. فإيران راهنت على بقاء الأسد في سدة الحكم، ودعمته بالمليارات من الدولارات التي تضمن استمراره.
وقال بولوك، المستشار السابق في وزارة الخارجية، إن القادة العراقيين يخافون من إيران وتداعياتها بشأن سوريا، كما إنهم يطمعون إلى زيادة ثرواتهم من التجارة. وأضاف: "إيران دولة مهمة وقوية، كما إن العراق يعرف أن إيران تراقبهم عن كثب".
على الرغم من ذلك، يعبّر مسؤولون أميركيون سراً عن خيبة أملهم بسبب رفض بغداد لاتخاذ موقف أكثر حزماً ضد الوحشية التي يمارسها النظام السوري، والتي يشاهدها الملايين من العراقيين يومياً باللغة العربية على شاشات التلفزيون.
ويتشارك العراق وسوريا، إلى جانب الروابط التاريخية والثقافية والتجارية، عمليات التهريب المزدهرة في المدن الحدودية للدولتين، والتي تحقق أرباحاً هائلة حتى في أوقات الحرب، حيث يقوم العشرات من تجار القطاع الخاص بالعبور بانتظام بين الحدود لتهريب أطنان من وقود الديزل وغيرها من السلع في شاحنات صغيرة.
واليوم يقوم المسؤولون في كلا البلدين بتضييق الخناق على السوق السوداء لمصلحة مشاريع قانونية ومشروعة. ففي أوائل آب/أغسطس نظم العراق جولة غير عادية لـ 100 من شخصيات الحكومة السورية المهمة وكبار رجال الأعمال، وأخذتهم في جولة بقيادة وزير التجارة في سوريا على المصانع والمصافي، ونالت الزيارة استحسان وترحيب العراقيين الحريصين على عقد صفقات مع جيرانهم في سوريا.
وأثمرت الزيارة التي استغرقت أسبوعاً الى وضع اتفاق جديد يهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية، التي تبلغ حالياً نحو 2 مليار دولار سنوياً، وسوف تعزز وضع العراق كشريك سوريا التجاري الأكبر. وأعلن وزير الصناعة العراقي خيرالله بابكر عن الاتفاق، مشيراً إلى أهمية "تمكين القطاع الخاص في كلا البلدين"، من دون أي ذكر للعقوبات الاقتصادية أو الثورة والاحتجاجات في سوريا.