حين تم الدفع به لتعلم عادات سيئة ، الحسن الثاني : حقيقة تأثير الجنرال دوغول على شخصيتي .
سيرة جديدة للحسن الثاني، بقلم الكاتب والصحفي الفرنسي إينياس دال.
الكتاب صدر حديثا تحت عنوان"الحسن الثاني بين التقاليد والحكم المطلق" و يتضمن تفاصيل تذكر لأول مرة خاصة بالملك الراحل.
وستعمل كود على تقديم مقتطفات وفصول وافية من هذه السيرة في حلقات،
بتصرف وتغيير في العناوين تفرضه سرعة العمل الصحفي وضروراته، لكنها تلتزم مع قرائها على أن تكون الحلقات شاملة لأهم ما توصل إليه إينياس دال أثناء رحلة بحثه في شخصية ملك راحل مازال حضوره طاغيا لحد الساعة
لم تمنع التوترات، التي ظهرت بين الأب والابن، السلطان من إشراك الأمير في كل تنقلاته ومحادثاته، بما في ذلك خارج المغرب. في الثامن من ماي 1945 وفي الوقت الذي كان فيه"كيتل" يوقع استسلام ألمانيا في برلين، كان الرجلان يثيران وبشكل مطول مع شارل دوغول مستقبل العلاقات الفرنسية المغربية.
شارك مولاي الحسن ذلك اليوم إلى جانب دوغول ووالده في استعراض النصر، حيث كان يعتمر طربوشا أحمر ويضع نظارات شمسية، وهو لم يبلغ بعد عامه السادس عشر.
كان التفاهم بين رئيس فرنسا الحرة والسلطان يتقدم من حسن إلى أحسن، فقبل ذلك، وأثناء زيارة حديثة للجنرال إلى المغرب قام السلطان بتوشيحه بالوسام العلوي الأكبر، وباختيار السلطان لمنحه وسام رفيق التحرير في 18 يونيو 1945 بمناسبة الذكرى الخامسة للنداء الشهير، فإن دوغول لم يقم بشكل من الأشكال إلا برد الجميل إلى رجل ساهم رعاياه "ببطولة" في هزيمة النازية.
إلا أنه ليس من المعروف كثيرا، أن دوغول وأثناء ذلك الحفل المهيب قام شخصيا بتوشيح مولاي الحسن ب"حمالة جوقة الشرف"، وهو ما ترك فيه أثرا كبيرا: "تخيلوا شابا في الخامسة عشر يحظى بهذا الامتياز"، كما سيقول ذات يوما مكرما الجنرال.
إلى جانب الفاعلين الأساسيين في لقاء أنفا، كان الجنرال دوغول، دون شك، وبفعل قربه من والده، الرجل الذي ترك أكبر أثر على من سيصبح الحسن الثاني، ففي 26 يونيو 1963 وخلال حفل عشاء نظمه الرئيس الفرنسي على شرفه، سيذكره الملك الشاب بنوع من المهابة "لن أنسى، وأنا ما زلت مراهقا، الجدية الكبيرة والرغبة العميقة اللتين عبرت عليهما باختيار والدي ليكون رفيقا للتحرير، وأعرف أيضا مدى بخل فرنسا، المبرر، في منح هذا الوسام، وخاصة في الخارج. لقد اعتبرت إشارتكم من طرف الجميع بمثابة تكريم لمن فضل البقاء صادقا حتى اللحظات العصيبة التي كان يجتازها بلد صديق".
في السادسة عشر، وهو يتابع تعليمه في المدرسة المولوية، كان الحسن، وذلك حسب أحد مقربيه، أحمد رضا كديرة، مازال ذلك الولد الذي يمكن معايشته والذي لم تفسده التشريفات بعد ولا السلطة: " كان قد بلغ عامه السادس عشر...حيث انتبهت أولا إلى حيويته في أثناء اللعب... كانت مشاركته في هذه الألعاب شاملة، وكان اندماجه في المجموعة الصغيرة التي شكلناها مؤثرا وجذابا. لم يعط الانطباع في أي لحظة وفي كل الحالات أنه كان ينتمي إلى طبقة أو شريحة مختلفة، ولم يترك أي إحساس يتولد لدينا بأن صفته كولي للعهد يمكن أن تمنحه أي امتياز خاص. لقد كان واحدا منا بالمعنى الحرفي للكلمة، وكان ذلك دون أدنى شك واحدا من جوانبه الأكثر جاذبية".
ولو أن السي أحد رضى كديرة، الخصم اللدود للمعارضة التاريخية المغربية، يقدم نفسه على أنه أحد المقربين من الحسن الذين كانوا يجرؤون بين الحين والآخر على الحديث إليه دون مواربة، إلا أنه لا يجب تصديق هذا الإطراء بسهولة ، فأن تقول الحقيقة للحسن الثاني رأسا لرأس شيء، وأن تكتبها هو شيء آخر، ودون أن نكون مغفلين، فالحسن الثاني لم يعرف عمليا من محيطه إلا التملق والتزلف".
يستند شكنا بالفعل على عدد من الشهادات والملاحظات التي جمعها الموظفون الفرنسيون المكلفون في تلك المرحلة بحراسة الأمير أو ببساطة بتسيير تنقلاته أو أنشطته، والحال أن أقل ما يمكننا قوله هو أن الحسن الشاب كان يمتلك وفي وقت مبكر وعيا حادا بأهميته والمصير الذي ينتظره، ويقول لنا مدير سابق للمدرسة المولوية طارحا السؤال: كيف كان بمقدوره أن يكون غير ذلك؟ وأنت تسمع، في سن الثالثة عشر، الجلساء والمؤنسين ينشدون قصائد في نصرتك، حيث ينافس اللا معنى السخرية.
الأكيد أن مولاي الحسن كان يتوفر على معرفة متينة، ومع ذلك كان يحدث أن يتحدث دون أن يقول أي شيء، ففي سنة 1946 تنقل إلى منطقة تالوين، حوالي مائة كيلومتر جنوب ورزازات، وذلك برفقة حوالي عشرة من زملائه في المدرسة المولوية وبعض الشخصيات، من بينهم القائد السي ابراهيم. وقد سجل الجنرال "ألبوي" الذي كان يراقب هذا التنقل لفائدة الإقامة العامة أن " سموه بدا ودودا، إلا أنه أظهر جهلا تاما بالجنوب المغربي، وهو يناقش مثل ولد غر مسائل تتعلق بالهيدروليك". كانت من بين أهداف هذه الرحلة أن يقوم كل أعضاء هذه المجموعة الصغيرة بممارسة القنص بتبحارت التي تبعد بضعة كيلومترات عن تالوين، وبمطالعة ما كتبه"ألبوي" نكتشف أن الأمير قد بدأ يتعلم بعض العادات السيئة، أو أنه بالأولى دفع لتعلمها.
و بالفعل، وبما أن المطاردة الأولى لم تفض إلى أي نتيجة "تم القبض على غزالة أخيرا باليد قبل أن يتم إطلاقها ثم إسقاطها بطلقات رصاص من البنادق وسط جالبي الطرائد المستسلمين لخطر وتبعات ذلك".
جولات الصيد هذه، والتي كانت تتحول إلى مجازر صغيرة ، ستصبح بعد ذلك عملة رائجة وستسمح لمداحي النظام بإضافة بعض عناوين المجد إلى لائحة "مفاخر" قائدهم الطويلة: عازف بيانو ماهر وبطل في السباحة والغولف والرماية...
لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل كان الأمير يصدم النخبة المحلية، ودائما حسب "ألبوي" وذلك لطابعه المستهتر ولعشقه للمرح والاحتفال.
و بفضل "سمالتو" مصممه الإيطالي الكبير أصبح في نظر المعجبين به أحد الرجال"الأكثر أناقة في عالمنا"، رغم أن الحسن الثاني لم يكن دائما مثالا للأناقة، فقد كان"هندام مولاي الحسن يصدم كثيرا" وقال عنه السكان المحليون إنه كان يرتدي"لباس عمال التشحيم"، ويدقق الضابط الفرنسي أنه لم يكن يتميز بتسريحة شعر وكان يرتدي سروالا من الكتان وقميصا مفتوحا وبذلة خفيفة من القماش، كل ذلك مجعد ومرتب بشكل سيء، قبل أن يضيف، أنه وفي كل مرة تتاح له الفرصة، لم يكن يتردد في الرقص والغناء، وقد أكد الحسن الثاني هذا المعطى، بتأكيده أن الفضل يعود إلى بنبركة في تغييره لطريقته في اللباس.
في تيبحارت و"أمام ساكنة أيت أزيلال المتأخرين قليلا، كان يلعب كل أنواع الألعاب مع زملائه، ومن بينها لعبة القفز فوق الكبش، التي كان ينظر إليها الجمهور بفرح كبير، إلا أنه وهو يتصرف على هذا المنوال، كان هناك انطباع لدى أعيان المنطقة بأنه يتصرف "كصبي وليس كابن السلطان.
في تلك المرحلة كان السلطان منزعجا بشكل واضح من سلوك ابنه البكر، إلى درجة أنه قام بتحقيق حول علاقاته وطلب من المكتب الشريف للبريد أن يمده باللائحة المفصلة لكل اتصالات الأمير داخل المجال الحضري خلال شهر غشت، وكما كان مراقبا من طرف المصالح الفرنسية، فقد تعرض أيضا لنفس المراقبة من رجال أبيه. وفي يناير 1948، وحين اكتشف أن هناك من "يتجسس" عليه، تملكته نوبة غضب كبيرة ونقاش عاصف مع جلالته.
بعد بضعة أشهر، سجلت مذكرة استعلامات تتعلق ب"أقرباء السلطان" من جديد، ودون أن تبدي أي تساهل مع الحسن، غطرسته وخفته"، ف"رغم تدخل القادة الوطنيين مازالت درجة تقدير الأمير في تراجع واضح منذ رمضان، ومن بين الأشياء التي يلام عليها وثوقه من نفسه وتكبره، في حين يحكم على ذكائه بأنه لا يتعدى المتوسط، كما وضع سلوكه العام في حياته الخاصة موضع انتقاد واعتبر معيبا لوريث العرش". وانتهت هذه المذكرة بمقارنة غير متملقة إلى حد ما لابن السلطان البكر: "وعلى عكس ذلك تقدر الأميرة للا عائشة باعتبارها امرأة ذكية وذات إرادة قوية وعليها إجماع في الأوساط الوطنية...".