ضياء رشوان: نجاح الثورات العربية أكبر ضربة ضد فكر التنظيم المسلح
القاعدة لن تستمر طويلاً بعد بن لادن ومقتله هدية ثمينة لأوباما
صبري حسنين من القاهرة
قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ضياء رشوان إن تنظيم القاعدة دخل في مرحلة الأفول والزوال من الوجود، بعد مقتل مؤسسه وزعيمه أسامة بن لادن، وبفضل إنتصار الثورات العربية على الأنظمة الإستبدادية سلمياً.
أوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ضياء رشوان لـ "إيلاف" أن نجاح الثورات العربية السلمية في مصر وتونس في الإطاحة بإثنين من أكثر الأنظمة استبداداً، يشكل أكبر ضربة لـ "القاعدة" التي تتبنى فكر الجهاد المسلح لإسقاط الأنظمة.
وتوقع زوال ذلك التنظيم خلال سنوات قليلة، مؤكداً أنه يستمر طويلاً. كما توقع تولي أيمن الظواهري قيادة التنظيم خلفاً لبن لادن، لكنه لن يستطيع إنقاذه من الزوال من الوجود بعد ثبوت عدم صلاحية عقيدته في زمن الثورات السلمية.
ولفت رشوان إلى أن إغتيال بن لادن يشكل هدية ثمينة للرئيس الأميركي باراك أوباما في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، حيث ستكون ورقة رابحة ضد منافسيه، لاسيما أن أميركا أنفقت مليارات الدولارات في حربها ضد الإرهاب و تعقب بن لادن طوال العشر سنوات الماضية.
ـ كيف ترى مقتل أسامة بن لادن، ولماذا آثارت أميركا اغتياله وليس إعتقاله؟
منذ العام 2001، وأميركا تعتبر أن أسامة بن لادن عدوها الأول، وكان هدفاً للقوات والإستخبارات باستمرار، حيث أعلن الرئيس السابق جورج بوش الإبن أن "بن لادن مطلوب حياً أو ميتاً"، وبالتالي فعملية القتل كانت واردة أكثر من عملية الإعتقال، لأن الإحتمال الأخير له أخطار على القوة الخاصة التي نفذت الإغتيال. وقد يكون ما حدث نتيجة ظروف العملية، أي أن القوة لم تتمكن من إعتقاله ففضلت قتله. فهي فرصة تبحث عنها منذ نحو عشر سنوات، وأنفقت في سبيل الوصول تلك اللحظة مليارات الدولارات.
ـ في إعتقادك، لماذا فضلت أميركا القيام بالعملية منفردة بعيداً عن الإستخبارات الباكستانية؟
أميركا لم تقم بالعملية منفردة، فلولا الإستخبارات الباكستانية، ما تم لأميركا ما أرادت، إنها عملية تحمل الكثير من بصمات الإستخبارات الباكستانية، وقد اعترفت أميركا في البداية أنها عملية مشتركة مع باكستان، لكن مسؤولين نفوا ذلك فيما بعد، وقالوا إن باكستان لم تحاط علماً بالعملية إلا بعد وصول القوة المنفذة لها إلى أميركا، وهذا التضارب يؤكد أنها عملية مشتركة، لاسيما أن أميركا لا تستطيع التحرك وسط المجتمع الباكستاني المعقد في تركبيته من دون مساعدة الإستخبارات الباكستانية.
ـ ما تحليلك لتوقيت العملية، وهل له علاقة بقرب الإنتخابات الرئاسية الأميركية؟
في اعتقادي أن أميركا قتلت بن لادن قبل الإعلان عن ذلك بعدة أيام، وجاء التأخير في التصريح بذلك للإعلام لإعتبارات أمنية، لكن العملية لم يتم تنفيذها لدعم أوباما في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، فهناك معطيات أمنية هي ما تحكمت في توقيت العملية، إلا أنها رفعت من أسهم أوباما وزادت من شعبيته لدى الأميركيين، بعد أن كانت قد شهدت إنخفاضاً حداً خلال الشهور القليلة الماضية. وسوف تكون العملية نقطة إيجابية لصالحه ضد أي منافس له، لاسيما أن أميركا أنفقت مليارات الدولارات طوال العشر سنوات المنصرمة لإعتقال أو إغتيال بن لادن، أو تعقبه و أستنزاف قدرات تنظيم القاعدة. إنها هدية غالية لأوباما في الإنتخابات الرئاسية المقبلة.
ـ تباينت ردود فعل الشارع العربي حول قتل بن لادن، لكن الغالبية منه لم تهتم بالأمر كثيراً، ولم تخرج مظاهرات منددة بأميركا، لماذا برأيك؟
الشعوب العربية لم تعد مشغولة ببن لادن، لاسيما بعد إندلاع الثورات العربية، وإنتصار ثورة مصر وتونس على نظامي مبارك وبن علي، بل صارت مشغولة أكثر بالتغيير من خلال الثورات الشعبية، وهو نقيض للفكر أو العقيدة التي كان بن لادن يتبناها للوصول للهدف ذاته، وهو التغيير باستخدام العنف والإنقلابات على الأنظمة الحاكمة. وأفرزت تلك الثورات قيادات جديدة التفت حولها الشعوب، وبالتالي لم يعد هذا زمان القاعدة والجهاد المسلح، هذا لم يعد زمان أسامة بن لادن، إنه زمان تغيير الأنظمة الإستبدادية سلمياً من خلال الشعوب نفسها، وليس من خلال الجماعات المسلحة أو التدخل الخارجي. وأعتقد أنه لو تأخرت عملية إغتياله أو موته بشكل طبيعي أكثر من ذلك، ما كانت ستحظى بالتغطية الإعلامية التي نراها حالياً.
ـ هل معنى ذلك إنتهاء العمر الإفتراضي لفكر "القاعدة"، وإنتهاء العنف المسلح؟
لا يوجد تنظيم جامع لـ"القاعدة"، على مستوى العالم، بل توجد عدة تنظيمات تحمل اسم القاعدة في عدة بلدان، منها العراق واليمن وبلاد المغرب، وكلها تنظيمات لم تسع القاعدة لتجنيدها، بل تشكلت بفعل التجنيد الذاتي، أي أنها مؤمنة بفكر القاعدة، فأطلقت على نفسها هذا الإسم، وبعضها طلب من أسامة بن لادن ذلك، والبعض الآخر لم يطلب.
وهذه التنظيمات تعمل وفق معطيات أو ظروف داخلية تخص البلد الموجودة فيه. لكن الثورات العربية قضت تماماً فكر إسقاط الأنظمة بالعنف المسلح، الذي كانت تتبناه القاعدة وغيرها من التنظمات صاحبة الفكر المتشدد، وهذا شكل أكبر هزيمة للقاعدة في تاريخها. ورغم أن خبر مقتل بن لادن مفاجأة غير متوقعة، إلا أنها لم تحظ بإهتمام واسع من الشعوب العربية، لأنه مات منذ أن نجحت ثوراتها في إسقاط الأنظمة القمعية.
ـ رغم مرور أيام على مقتل زعيم القاعدة، إلا أن التنظيم لم يرد، فهل يرجع ذلك إلى أنه صار ضعيفاً جداً؟
لم يعد تنظيم القاعدة قوياً، فهو في مرحلة الأفول والزوال من التاريخ، لاسيما أنه تنظيم عارض في تاريخ الإسلام أو الجماعات الإسلامية، فلم يحدث أن تبنت جماعة العنف عالمياً، والتاريخ يقول إن الجماعات التي كانت تتبنى العنف تلاشت مع مرور الأيام، ومنها "الجهاد" و"التكفير والهجرة"، فضلاً على أن الثورات سوف تشكل عاملاً مهماً في القضاء على أفكارها نهائياً. ويعتبر مقتل بن لادن ضربة قاصمة لظهر "القاعدة"، لأنه زعيم التنظيم والممول الأساسي له، وهذا يعني أن أعضاء التنظيم لن يسكتوا، بل سوف يقومون بأعمال إنتقامية، لكنها ليست بالسرعة التي يتصورها البعض، فالرد الفوري ينطوي على مخاطر متعددة بالنسبة لهم.
ـ برأيك هل تنسحب أميركا من أفغانستان والعراق بعد نجاحها في قتل بن لادن، وعدم حاجة الشعوب العربية لتبني فكر العنف؟
أميركا لن تنسحب من العراق أو افغانستان حالياً، لأن لديها أهداف إستيراتيجية أخرى، بالإضافة إلى محاربة الإرهاب، فهي لديها مصالح ضخمة في الخليج العربي، وأهمها الحفاظ أو السيطرة على منابع النفط، وكبح جماح إيران، وعدم ترك الساحة خالية أمامها. فضلاً على أنها لم تقض على حركة طالبان الحليف الإستيراتجي ل"القاعدة"، ومازال هناك قيادات في التنظيم تعتبرها تمثل خطراً على أمنها القومي ومصالحها حول العالم، وعلى رأس تلك القيادات الدكتور أيمن الظواهري.
ـ على ذكر الظواهري، هل تتوقع أن يتولى قيادة "القاعدة" في المرحلة المقبلة؟ وهل تتوقع أن يعيد لها بعضاً من قوتها؟
كان أيمن الظواهري القائد الفعلي لتنظيم "القاعدة" منذ عدة سنوات، بسبب المتاعب الصحية لأسامة بن لادن، ومن المتوقع أن يتولى هو مقاليد الأمور فيها خلال المرحلة المقبلة، بما يتمتع به من خبرة في الجهاد المسلح، ولكنه لن يستطيع إنقاذها من الأفول والإنتهاء، لاسيما أن عقيدتها في الفكر الجهادي المسلح، ثبت فشلها في تحقيق أهدافها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، فقد أثبتت الثورات الشعبية السلمية فعالية أكثر وأسرع في القضاء على الإستبداد والقمع في البلدان العربية، وهي عقيدة جديدة للتغيير سوف تنتقل بطريقة العدوى إلى شتى الدول، من ثم فإن القاعدة تمر بمرحلة الإحتضار، و سوف يتم الإعلان عن وفاتها خلال سنوات قليلة.
ـ وكيف ترى مستقبل باقي التنظيمات التي كانت تتبنى الفكر الجهادي المسلح؟
غالبية تلك الجماعات نبذت هذه الأفكار، وحسناً فعلت ذلك، لأنها بذلك أنقذت نفسها من الموت المادي، وبقيت موجودة على الساحة، ومنها الجماعة الإسلامية والجهاد في مصر وجماعات أخرى في الجزائر، وصارت الآن تتبنى الفكر الإسلامي المعتدل، وابتعدت عن إسلام الغلو، وها هي تلك الجماعات تسعى حالياً للإنخراط في العمل السياسي، حيث تأكدت من خطأ موقفها السابق، بعد نجاح الثورة المصرية في الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، من دون إراقة الدماء.