بين أوراق اليانصيب والبيوت السرية...
شرعنة القمار تواجه بالرفض من قبل المجتمع العراقي
إيلاف
تعددت أشكال المقامرة وأنواعها لكن النتيجة هي في أغلب الاحيان واحدة، خسارة المقامر ثروته المادية وتخلي أقرباءه وأصدقاءه عنه بسبب إدمانه. ومع تحسن الاوضاع الاقتصادية في العراق إنتشرت بيوت المقامرة، التي تجمع فقراء العراق وأغنياءه على حد سواء، وذلك رغم رفض ومعارضة المجتمع لتلك الظاهرة.
القلق المستمر يرافق المقامرين
وسيم باسم من بغداد : تفيد إستطلاعات الرأي العام في العراق ان هناك إقبالا متزايدا على المقامرة في البلاد، مع تحسن الوضع الاقتصادي، وبلوغ دخل الفرد العراقي مستويات جيدة تتيح له نوعا من الإسراف في حدود معينة.
ولعبة القمار في العراق عادة يمقتها المجتمع بسبب القيم الدينية والاجتماعية، لكن هناك من يمارسها بصورة سرية، عبر أجندة يمولها أصحاب الأموال بغية الربح السريع . لكن " أوراق اليانصيب" وسباق الخيول كانت عملية منظمة تديرها مؤسسات رسمية وشبه رسمية منذ أربعينيات القرن الماضي.
وعلى رغم ان الأضواء مسلطة عبر وسائل الإعلام على المقامرة في سباقات الخيل عبر المراهنة على الجياد في نادي الفروسية في غرب بغداد، الا ان الكهوف المظلمة للمقامرة لا يعرفها الا من يمارس القمار عبر وسطاء وشبكات صغيرة بين المدن تنظمها وتمولها في البيوت.
وما يميز بيوت المقامرة في العراق انها تجمع فقراء العراق وأغنياءه على حد سواء، وبين المقامرين من كان غنيا بدد ثروته في المقامرة، وبينهم أيضا الفقير الذي صار بين ليلة وضحاها غنيا، لكنه غنى سرعان ما يأفل بحسب فوزي القرشي الذي يلعب القمار منذ عقدين. يقول القرشي وهو من زبائن سباق الخيول في نادي الصيد انه لا يستطيع أن يقضي يومه سوى بالمراهنات، وبعدما غيبت الظروف الأمنية سباقات الخيل فانه يتجمع وزملاء له في البيوت للمقمارة.
ويتابع صديقه يوسف "لا يوجد وقت محدد أو بيت محدد، فالأمر يعتمد على توفر المال والمزاج ومتى توفر ذلك يتم الاتفاق على المكان والموعد".
أما ابو جورج فيعيش وحيدا بعدما طلق زوجته وابتعد عنه أولاده بسبب إدمانه على القمار . ويتذكر أبو مايكل مراهنات سباق الخيل والتي كانت تبدأ بـ 1000 دينار أي دولارا واحدا وقتها وقد تصل الى خمسمائة ألف دينار.
ونادي الفروسية الذي تأسس في بغداد عام 1920 لم يعد كما كان، مكانا لاستراحة النخب، اذ عصفت به التغيرات السياسية والاقتصادية، كما ان تزايد النفوذ الديني في العراق حط من مكانته، وعلى رغم أنه باشر أعماله من جديد في العام 2006 الا انه لم يرق الى مستواه من ناحية الاهتمام والخدمات مثلما كان أواخر السبعينيات.
ويذكر الباحث الاجتماعي قيس المفتي من جامعة بغداد ان بعض العراقيين يمارسون القمار عن رضا، لكنه ظاهرة فردية وغير منتشرة .
وعلى رغم ممارسة البعض ذلك، لكنه لا يصل بهم الى درجة فقدان كل شيء كما هو الحال في دول أخرى مثلا، وهناك معقولية مجتمعية في هذا المضمار .
وتقول ام احمد التي ابتلت بزوج مدمن على القمار .. ان زوجها كان يلعب الورق مع أصدقائه في ساعات الليل المتأخرة في بيته او بيوت الندماء ويصاحب ذلك تناول المشروبات الروحية، وفي اغلب الأحيان يصل البيت في ساعة متأخرة مفلسا، وسكرانا، حتى بلغ الأمر ذروته فطلبت منه الطلاق .
وفي الأمثال الشعبية العراقية يتداول العراقيون مثلا ظريفا " لا تزوج القمرجي أبنتك " في دلالة واضحة على ان هناك بغضا جمعيا لسلوك المقامرة . وكلمة "قمرجي " مصطلح سيء بين العراقيين.
يقول ابو حاتم "هذه لعبة تعتمد على الحظ والصدفة، وما يزيد من متعتها تناول المشروبات وصحبة النساء أثناء الجلسات. وفي العراق فانها في الغالب تمارس مع المشروبات".
وبين آراء ممارسي اللعبة والجمهور العادي الذي يمقت من يمارسها، يقف رجال الدين ضد ممارسة القمار حتى وان كانت لغرض التسلية فحسب.
يقول الشيخ سعيد الياسري.. قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . ويتابع الياسري .. المقامرة أداة لهدم المجتمعات، وافتقار الناس .
الجدير ذكره ان لعبة اليانصيب في العراق ظهرت في بداية الخمسينيات وكانت هناك دكاكين مشهورة تمارسها.
ويقول الحاج أمين وهو تاجر في سوق الشورجة، ان اغلب تجار المقامرة من غير المسلمين بسبب القيم الدينية. والحاج أمين مارس اللعبة على مدى ثلاث عقود لكنه توقف منذ سنين، ولم يعد يبتاع حتى بطاقات اليانصيب التي كان مدمنا على شرائها. ويتذكر الحاج أمين أنواعا مختلفة من أوراق اليانصيب كانت متداولة في العراق منها .. (يانصيب الإغاثة، الموحد الوطني، ويانصيب الرافدين الذي كان يقدم ريع البطاقات إلى المكفوفين بدعم من وزارة المالية حينذاك).
بدوره، حليم . م،وهو شخص معروف في الصالحية في بغداد بانه سمسار ينظم جلسات القمار في البيوت، وبحسب مقربين له فانه يجني أرباحا جيدة من أدارته للجلسات . ويقول عنه المحيطين انه رجل يبحث عن الربح السريع بمختلف الوسائل، وهو المستفيد الأول وله قدرة خاصة على فض النزاعات واقناع الخصوم والمتنافسين بنتائج اللعب. والمقامر لا يقتنع بالخسارة ولا بالفوز، ويصر على الاستمرار وسط ذهوله المستمر من الربح او الخسارة، ليظل يدور مع الأرقام، وسط دخان السجائر وكؤوس الكحول، ليستفيق بعدها على وقع صدمة الإفلاس.
وتشير الحوارات مع مدمني قمار رفضوا ذكر أسمائهم الى أن الكثير من العوائل شردت، بسبب ان معيلها يلعب القمار .
وترتبط المشاكل الاجتماعية بصورة جدلية مع القمار. ولا يوجد مقامر واحد في العالم لا يعاني من أمراض نفسية وقلق مستمر. وينتمي اغلب المقامرين في العراق وفق الباحث المفتي إلى طبقة التجار وأصحاب الأعمال الحرة وسائقي السيارات، فيم يقل عدد الموظفين.
لكن الظاهرة الجديدة في العراق بحسب المفتي وهي ظاهرة سلبية قابلة للتطور، "المقامرة الرياضية"، فثمة شباب عراقيون يقيمون مراهنات حول فرق دوري أوروبا و فرق الدوري العراقي .
وعلى رغم ان هذه المراهنات تعد صغيرة ويتداول فيها المراهنون مبالغ صغيرة، لكنها قابلة لان تتسع بشكل أفقي لتشمل شريحة اكبر إضافة الى احتمال تحولها الى مقامرة حقيقية يستثمر فيها المقامرون مبالغ طائلة . لكن ثمة من يصنف المقامر على انه فاسد أخلاقيا أو مريض نفسيا يتوجب معالجته.
وبحسب المفتي فان العراق لا يتوفر على برنامج لمعالجة مدمني القمار، إضافة إلى افتقاره إلى المؤسسات العلمية والاجتماعية التي يمكن ان تكون مرجعا لمعالجة هذه الحالات .
وفي مدن العراق المختلفة ثمة من يشير إلى شخص ما على انه "قمرجي"، ذلك ان المجتمع يعزله تلقائيا، و لايرغب في التعامل معه . ففي مدينة الحلة يتذكر أهالي المنطقة حادثة عايشها أهالي المدينة العام 2007 حين اضطر رجل إلى التنازل عن بيته لأنه خسره في القمار . وهذا الشخص الذي يكنيه الناس ابو عاصم اختفى من المدينة ويعتقد البعض انه رحل إلى بغداد بعدما فقد بيته، ثم تخلى عنه اقرب الناس إليه، زوجته وأولاده .
ويذكر الخبير المفتي ان محاولات "شرعنة القمار" من قبل مؤسسات معينة، سيكون مصيرها الفشل مثلما فشلت في السابق حيث حاولت الدولة العراقية منتصف السبعينيات توفير وسائل المقامرة في فنادق الدرجة الأولى وبعض أماكن الترفيه لكن ذلك قوبل بالرفض التام من قبل المجتمع.