قال أن التعذيب ليس سياسة ينهجها المغرب ، تقرير أمريكا : نعلم بتجاوزات المملكة لكن لا نستطيع معاقبتها .
قراءة في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية
حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب
الصادر في أبريل 2011
بوجعبوط المصطفى (*)
تصدر وزارة الخارجية الأمريكية سنويا تقريرا مفصلا حول وضعية حقوق الإنسان على دول العالم، حيث يرصد التقرير شتى مجالات حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا ،وبالتالي فالوقوف على وضعية حقوق الإنسان في المغرب من خلال تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، ننطلق من التساؤلات التالية:
- ماهي البنية التنظيمية لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية؟
- ماهو مضمون تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب؟
هذه التساؤلات تقودنا إلى ملاحظتين أساسيتين:
الملاحظة الأولى: أن جل تقارير وزارة الخارجية الأمريكية ابتداء من 1999 لها بنية تنظيمية لا تختلف من تقرير إلى آخر من حيث الهيكلة والتقسيمات التي تعتمدها لبناء تقريرها السنوي. حيث يعتمد على على التقسيم التالي:
فالخارجية الأمريكية تعتمد على مسطرة معقدة وطويلة في إعداد التقرير والفاعلين فيه، وبالتالي فتقرير الخارجية الأمريكية الذي يقدم تشخيص وتقييم أداء الحكومة المغربية في مجال حقوق الإنسان، ما هو إلا تنبيه الحكومة على سياستها الحقوقية.
إن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية يستند إلى معطيات من مختلف التقارير المحلية (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان...) وتقارير دولية (منظمة العفو الدولية، منظمة هيومن رايتس، منظمة مراسلون بلا حدود....) تقارير صحفية، مراسلات لمختلف الفاعلين الرسميين وغير الرسميين ،ندوات ،زيارات ميدانية شكاوى الأفراد عبر البريد الالكتروني، والفايسبوك... وغيرها.
حيث تسهر السفارة الأمريكية بإعداد مسودة التقرير وإحاطته بالنصوص القانونية ومدى التزام المغرب بتطبيقها وقياس درجة تقدم تقرير سنوي على آخر ومدى تقديم المغرب بحل بعض الإشكالات العالقة في التقارير السابقة التي لم تجد لها إجابة صريحة من الجهات المسؤولة عن الفعل الاإنساني.
وتعمل السفارة الأمريكية بعد انتهاء من مسودة التقرير بإرسالها إلى مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل المتواجد بوزارة الخارجية الأمريكية قصد تحيينه والاستناد إلى باقي الفاعلين على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا:think thank وغيرها، وعند الانتهاء إحالته إلى الكونغرس امتثالا إلى المادة 116 (د) و 502 (ب) من قانون المساعدات الخارجية لعام 1961حيث ينص القانون على أن وزيرة الخارجية تحيله إلى رئيس مجلس النواب
ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قبل 25 فبراير "تقريرا شاملا وكاملا حول وضع المعترف بها دوليا لحقوق الإنسان ، بالمعنى الوارد في الفقرة الفرعية (أ) للبلدان التي تتلقى مساعدات بموجب هذا الجزء ، و (ب) لسائر الدول الأجنبية التي هي أعضاء في الأمم المتحدة، وشملت هذه التقارير أيضا العديد من الدول التي لا تندرج ضمن الفئات التي وضعتها هذه القوانين وبالتالي لا تشملها متطلبات الكونغرس.
ونتيجة لهذا المسلسل الذي يتخذ وقتا طويلا في الإعداد من حيث البحث والاستناد إلى معطيات وأدلة لبناء تقريرا مفصلا على جل دول العالم بمنهجية تكاد أن تكون علمية بين مختلف الأقسام وفروع التقرير وإصداره في تاريخ محدد باستثناء هذا التقرير 2011 الذي أُصدر في 8 أبريل ، ويعقبه تصريحا لمضمون التقرير من لدن السفير الأمريكي .
الملاحظة الثانية: أن مضمون تقرير 2010 الصادر في 8 أبريل 2011، الذي يحتوي على 39 صفحة وتقرير آخر حول الصحراء يحتوي على 14 صفحة ، لا يختلفا كثيرا عن مضامين تقارير من 1999 إلى2009 حيث رصد بعض خروقات حقوق الإنسان في سنة موضوع التقرير والبعض الآخر يعود خارج زمنيته (موضوع نقاش)، فتقرير وزارة الخارجية الأمريكية بنك للمعلومات لمختلف الفاعلين ومرجعا أساسيا لتقييم أداء الحكومة في مجال السياسة الحقوقية وعلاقتها بالمجالات الأخرى، حيث سجل التقرير على وجود تقارير أخرى تؤكد التعذيب وغيره من الانتهاكات على أيدي مختلف فروع قوات الأمن، وتردي وضعية السجون دون المعايير الدولية واستمرار الاعتقالات التعسفية والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، وبالتالي يمكن الوقوف على محتوى التقرير انطلاقا من المداخل التالي:
المدخل الأول: عدم احترام كرامة الأفراد
رصد التقرير وفاة بعض الأشخاص إثر المعاملة القاسية واللانسانية بفعل تدخلات قوات الأمن ووفاة عدد المهاجرين أثناء عبورهم بطرق غير شرعية إلى أوروبا، كما استند التقرير إلى وسائل الإعلام المستقلة وجماعات حقوق الإنسان المحلية، بما في ذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية مخاوف كبير بشأن تزايد التقارير عن مشاركة قوات الأمن في الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون ومراكز الشرطة، وسجل التقرير عن فشل المحكمة إحالة بعض القضايا إلى خبير في الطب الشرعي كما هو مطلوب بموجب القانون ضد التعذيب ،الذي ادعى بعض المتهمين أن اعترافاتهم كانت مزورة أو تم الحصول عليها نتيجة التعذيب.
أما في ما يتعلق بالاختفاء القسري Disappearance فإن التقرير لم يخرج مضمونه عن تقارير السنوات الآفلة إلا في بعض الحالات، حيث أن قانون العقوبات يتطلب من قوات الأمن إبلاغ المعتقلين من المتهم الموجهة إليهم إلى عائلة المعتقل بمكان وجوده في غضون 48 ساعة، غير أن قانون مكافحة الإرهاب 2003 يتيح استثناء هذه القاعدة من خلال السماح للسلطات باحتجاز المشتبه بهم دون إبلاغ أسرهم لمدة تصل إلى 96 ساعة ويجوز تجديدها مرتين.
كما ذكر التقرير على أن الحكومة ادعت أنها تتبع القانون في جميع الحالات ولا توجد أي حالة من حالات الاختفاء، غير أن بعض المنظمات المحلية و الدولية ادعت على وجود ما لا يقل عن 13 حالة اختفاء وأن السلطات لم تتبع أحكام قانون العقوبات أو قانون مكافحة الإرهاب، وأن حالات الاختفاء المتبقية 56 من تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة حلها من لدن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث بؤرة هذا الأخير حول تركيزه نحو تنفيذ مشاريع جبر الضرر وتوفير التأمين الطبي لعائلات الضحايا وصرف 979 من بطاقات التأمين الطبي للأفراد الذي يعيشون في كل أنحاء المغرب غير أن التقرير أشار أن هذه التعويضات غير متكافئة وعدم وجود معايير موضوعية لمنحها.
المدخل الثاني: الحرمان من المحاكمة العلنية والعادلة
جاء في تقرير على أن الدستور ينص على استقلال القضاء ،غير أن الممارسة الفعلية للمحاكم في كثير من الأحيان لم تتصرف بشكل مستقل بسبب الفساد والنفوذ خارج نطاق القضاء وأن القضاء في كثير من المحاكمات لم يكن يستند على قواعد قانونية جديدة،كما حققت وزارة العدل 65 شكاوى جنائية ضد القضاة و55 في عام 2009 والتي أسفرت فيه عن إحالة 16 قاضيا على المجلس الأعلى للقضاء لاتخاذ تدابير تأديبية.
وعليه، فإن القانون ينص صراحة على الحق في محاكمة علنية عادلة لجميع المواطنين، غير أن الممارسة الفعلية بعيدة على النصوص القانونية كإبقاء المتهم قيد الاعتقال لمدة سنة واحدة قبل المحاكمة وعدم تعين محاميين في جميع الحالات، والاعتراف تحت الإكراه،في ما ذهب التقرير إلى الاستناد إلى بعض منظمات حقوق الإنسان التي اتهمت القضاة في كثير من الأحيان حالات قررت بناء اعترافات بالقوة وخاصة في حالات الصحراويين وأفراد المتهمين بالإرهاب.
المدخل الثالث:تقييد حرية التعبير والصحافة
ينص القانون حسب تقرير الخارجية الأمريكية عموما على حرية التعبير وحرية الصحافة،ومع ذلك،استمرت الحكومة في تقييد حرية الصحافة من خلال النظام القانوني،حيث أقدمت الحكومة هذه السنة في توجيه اتهامات جنائية أو مدنية لـ 6 صحفيين أو وسائل الإعلام،بانخفاض 56 من هذه الحالات لسنة 2009 و42 في 2008 ،كما انتقد العديد من جماعات حقوق الإنسان دفق مستمر من المحاكمات الجنائية،وإغلاق الصحف ودعاوى التشهير كما سجل التقرير على أن قانون مكافحة الإرهاب وقانون الصحافة بفعله تفرض السلطات عقوبات مالية على الصحفيين والناشرين الذين ينتهكون القيود المتعلقة بالقذف والتشهير والشتائم، بما في ذلك المناقشات التي تنتقد النظام الملكي ومؤسسات الدولة وسلامتها الإقليمية والإسلام.
كما أكد التقرير في عدة محطات أساسية على كون أن مضامين قانون الصحافة يدرج التهديدات ضد النظام العام كأحد المعايير للرقابة، كما يحق للحكومة سحب التراخيص وفق المنشورات وفرض غرامات مالية التي تكون في الغالب مصممة لإفلاس الناشر وإجبارها على الإغلاق.
ونتيجة لهذه المداخل فإن قراءة محتوى تقرير وزارة الخارجية الأمريكية وربطها بمضامين تقارير السنوات الآفلة تؤكد على أن المغرب عرف تطورات على مستوى حقوق الإنسان وإخفاقات في البعض منها،وذلك ما نوضحه وفق الخلاصات التالية:
الخلاصة الأولى: أن تقارير وزارة الخارجية الأمريكية لها هيكلة تنظيمية التي تتجسد في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل الذي يتولى مهمة إعداد النهائي للتقرير الذي له مسطرة خاصة في إعدادها، وبالتالي فإن هذا التقرير يتسم بالصدق والجدية ولا تستطيع الدولة المغربية الطعن بمصداقيتها لأن التقرير يجد طريقه إلى كل الأفراد والمنظمات، فضلا عن ذلك الصحف العالمية وبتعبير مختصر يعيش المغرب محل انتقاد في مجال حقوق الإنسان، فتقوم الدولة المغربية بالتخفيف قدر الإمكان من حدة هذه الفضيحة ولا مجال لها سوى تعديل ممارستها وسلوكها اتجاه حقوق الإنسان كما أصبح عليها واجب أو مهمة تحسين صورتها في التقرير القادم.
الخلاصة الثانية: عند مقارنة تقارير وزارة الخارجية الأمريكية من سنة 1999إلى 2010 نجد نسبة كبيرة من فقراته حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب تؤكد جملة من الانجازات التي حققتها المملكة المغربية في عهد حكم الملك محمد السادس،الذي كان من أبرزها القول بعدم إقدام السلطات المغربية على أي أعمال وانتهاكات تعسفية أو غير قانونية وأن التعذيب ليس سياسة تنهجها الدولة وإنما حالات فردية تتم بمعزل عن توجهات الدولة.
الخلاصة الثالثة: إن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم بكل التجاوزات والانتهاكات لحقوق الإنسان داخل الدولة المغربية، لكن لا تملك الآلية اللازمة لمعاقبتها التي تقوم بهذه الانتهاكات ذلك أن المغرب يحتج بمبادئ السيادة الوطنية التي نص ميثاق الأمم المتحدة على احترامها،لذلك كان الحل يتمثل في وضع المغرب تحت الأضواء العالمية لتراها الأمم وكتابة التقارير عنها، والهدف من ذلك خلق الضغوطات الدولية والنفسية على المغرب لتصحيح مسار تعاملها مع مسألة حقوق الإنسان.
.
باحث في العلوم السياسية(سلك الدكتوراه)
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.الرباط –أكدال.