.. من يحاكم أسماء محفوظ …؟!
…بقلم: علاء الأسواني
المصريون الذين يتابعون الانترنت فقط هم الذين عرفوا أسماء محفوظ قبل الثورة .
كانت تسجل فيديوهات تدعو فيها المصريين الى الخروج للتظاهر من أجل خلع مبارك ..
كان شكلها جميلا وحديثها مؤثرا نابعا من القلب .
فتاة مصرية جميلة سمراء محجبة ، تشبه بناتنا وأخواتنا
لكن شيئا نبيلا يميزها : بدلا من أن تهتم باصطياد عريس جاهز وتتمتع بحياتها كما تفعل كثيرات انشغلت بمصير الوطن وقررت أن تدفع ثمن الحرية .
قامت الثورة واشتركت أسماء فيها ، استأنفت التعبير عن آرائها بصراحة فانتقدت أداء المجلس العسكري أكثر من مرة ثم سجلت شهادتها في مظاهرة العباسية فقالت ان البلطجية كانوا يهاجمون المتظاهرين بالسيوف وقنابل المولوتوف بينما أفراد الشرطة العسكرية يتفرجون ولايفعلون شيئا لمنع المذبحة . ..
منذ يومين تلقت أسماء استدعاء من النيابة العسكرية للتحقيق معها ..
ذهبت أسماء مع محاميها في الصباح الى النيابة العسكرية فوجدت مجموعة كبيرة من الشباب واقفين للتضامن معها فحيتهم وشكرتهم بحرارة ..
أحست بالامتنان نحوهم لأنهم تكبدوا عناء المجيء في الحر وهم صائمون .
بعد قليل ظهر ضابط من الشرطة العسكرية ، نفس الضابط الذى أدى تحية اجلال لوزير الداخلية السفاح حبيب العادلى وهو خارج من قاعة المحاكمة ..
اقترب الضابط وسألها بنبرة اسنخفاف :
ــ أنت أسماء محفوظ
ــ نعم
ــ انت عاملة زعيمة ..؟ـ تعالى معى للتحقيق
تبعته أسماء ومعها المحامى حتى وصلوا الى باب حجرة التحقيق لكن الضابط توقف واستدار وقال :
ــ ستدخلين وحدك
اعترض المحامي وأصر على الدخول معها لكن الضابط قال بحزم :
ــ السيد المحقق يريدها وحدها ..
أدرك المحامي انه لافائدة من الاعتراض فانتحى جانبا بينما تقدم الضابط ونقر على الباب وانتظر الأذن بالدخول ثم دخل ومن خلفه أسماء فأدى التحية العسكرية للمحقق الجالس خلف المكتب ثم استدار وانصرف .
كانت أسماء مطرقة ومرهقة من الحر والصيام .قال لها المحقق:
ــ تفضلى
كان صوته مألوفا ،سمعته كثيرا من قبل . رفعت رأسها فأذهلتها المفاجأة .
راحت تلهث من الانفعال .لم تصدق عيناها . خطر لها انها تحلم ..
كان حسني مبارك جالسا خلف المكتب ،
مرتديا زيه العسكري وقد علق على صدره النياشين . عاد بظهره في المقعد وابتسم وقال :
ــ اقعدى يا أسماء
صاحت بفزع :
ــ انت حسني مبارك …؟!
ابتسم المحقق واستمرت هي في الصياح :
ــــ أنت تخدعنا … كيف هربت من السجن ..؟
ضحك مبارك وقال :
ــ أنا موجود هنا من سنوات
ــ كيف تكون هنا وهناك في نفس الوقت
ــ هذا موضوع معقد وشرحه يطول
ــ اذا كنت هنا فمن الذى يظهر في قفص الاتهام اثناء المحاكمة ..؟!
ــ اسمعى .. أنا هنا حتى أحقق معك وليس لأجيب على أسئلتك ..
ــ لازم أعرف كيف هربت
ارتفع صوت مبارك بلهجة منذرة :
ــ ان لم تكفى عن اثارة الضجة سألقى بك في السجن الحربي بتهمة اهانة المحقق
ساد الصمت وبدأت أسماء تتأمله من جديد ..
هو حسني مبارك بلا أدنى شك. انه يبدو مرتاح البال هادئا يتمتع بصحة جيدة ..
فكرت أن تخرج بسرعة لتخبر زملاءها في الخارج وليكن ما يكون .. كأنما قرأ مبارك أفكارها فقال بصوت خافت :
ــ اعقلى وتصرفي بحكمة ..لا تقدمى على فعل تندمين عليه واعلمي ان مصيرك في يدى.. الآن سأبدأ التحقيق معك ..
ــ ليس من حقك أن تحيل المدنيين الى المحاكم
ــ ليس من حقى ولكن بامكاني .
صمتت أسماء وقال مبارك بلهجة رسمية :
ــ لماذا تسيئين الى القوات المسلحة ..؟
ــ أنا مثل المصريين جميعا أعتز بالجيش المصري
نظر مبارك أمامه في الأوراق وقال :
ــ لكنك كتبت على فيس بوك الفاظا غير لائقة في حق المجلس العسكري
ــ لقد كنت أوجه نقدا لسياسة المجلس العسكري
ـــ هذه اساءة للجيش
ــ الاساءة أن نسكت على الخطأ ..المجلس العسكري يقوم بمهام رئيس الجمهورية أثناء الفترة الانتقالية وبالتالي من حقي ان أوجه انتقادات لادائه
ــ من أنت حتى توجهى نقدا للمجلس العسكري ..؟!
ــ أنا مواطنة مصرية
ـ أنت طفلة تعيش في الوهم وأنا سأعلمك الأدب
ـ هل هذه طريقتك في اجراء تحقيق قانوني..؟!
نظر مبارك الى الاوراق مرة أخرى وقال :
ــ لقد كتبت على تويتر تحرضين المصريين على الاغتيالات
ــ هذا اتهام سخيف وكاذب ..لقد قلت بالحرف " لو لم يتحقق العدل سيأخذ أهالى الشهداء حقهم من القتلة بأياديهم "
ساد الصمت من جديد ثم اندفعت أسماء تقول :
ــ من فضلك .. هذا التحقيق غير قانوني . أولا لأنه يتم اجراؤه في غياب المحامي وثانيا لأنك نفسك متهم أمام محكمة الجنايات . كيف تحقق معى ..؟!
بان الغضب على وجه مبارك وتقلصت عضلات وجهه وضرب المكتب بيده وصاح بصوت كالرعد :
ــ قلت لك أنا موجود هنا من زمان .. فهمت .. ؟
ـــ أنت تقول ما تريد لكنى لن أجيب على أسئلتك
ــ ستؤذين نفسك
ــ. لايمكن أن أقبل أن تحقق معى مهما يكن الثمن .
ــ .. سأصدر قرارا بحبسك .. سأجعلك عبرة .
ــ أنا مستعدة للحبس
تطلعت اليه أسماء بنظرة متحدية .. ضحك مبارك فجأة وقال :
ــ لا يا بنت بطلة .. طيب خلاص . سيبك من التحقيق .. ممكن نتكلم..؟!
ــ عاوز ايه..؟! ..
نهض مبارك من مكانه ثم توجه الى الثلاجة وفتحها وأخرج علبة مياة غازية وفتحها فأصدرت فرقعة . اندفعت اسماء تقول :
ــ انت فاطر في رمضان ..؟!
ــ انا مريض .. من حقى أفطر
شرب مبارك جرعة ثم تجشأ وقال :
ــ بصى يا اسماء .. عاوز اقولك كلمة لك و لزملائك ..كل واحد فيكم يشوف شغله وينتبه لمستقبله لأن الموضوع خلص ..
ــ أى موضوع
ــ الهوجة خلصت على خير الحمدلله
ــ احنا عملنا ثورة عظيمة
ـــ انتم خربتم البلد ..
ــ انت الذى خربت مصر ونهبتها وأذللت المصريين وقتلتهم
ـــ الشعب المصري لازال يحبني .. شفت مظاهرات التأييد في ميدان مصطفى محمود وميدان روكسي
ــ هؤلاء مأجورون أو منتفعون بنظامك الفاسد
ابتسم مبارك وتنهد كأنه يصبر على حماقة طفل وقال :
ـــ طيب يا أسماء .. أنتم طالبتم باستقالتى ومحاكمتي ..
ماذا كسبتم .؟!
ــ كسبنا الحرية
أطلق مبارك ضحكة عالية وقال :
ــ الحرية أم الفوضى ..
ــ مادمنا تخلصنا من ظلمك فكل شيء يهون
ــ أنا لازلت موجودا .. صحيح أنكم ترونني في قفص الاتهام لكننى موجود في كل مكان .. لا زال كل شيء في مصر يتم كما أريد ،
بل لقد صرت في الواقع أقوى من قبل .. أبنائي وتلاميذى منتشرون في كل مجال
ــ سنطهر مصر من أتباعك جميعا
ــ ليس من حقكم .. ألم تعترضوا على الانتخابات المزورة . ستكون الانتخابات القادمة نزيهة لكنها ستأتي برجالى الى الحكم.
سوف يكسب أبنائي وتلاميذى الاغلبية ويشكلون الحكومة القادمة ..
ــ ماذا تقصد ..؟!
ــ يوما ما سوف تكتشفين اننى لست شخصا .. أنا طريقة تفكير .رؤية معينة للحياة . نظام كامل متكامل ..
صمت مبارك قليلا ثم ابتسم وقال :
ــ بعض الذين كانوا اعدائي بالأمس صاروا اليوم حلفائي وسيصوتون في الانتخابات كما اطلب منهم ..
ـــ سوف نستأنف الضغط حتى يكتمل التغيير
ــ لم يعد ذلك ممكنا ..
ـــ كما أسقطناك سوف نسقط نظامك
ــ المصريون اصبحوا يكرهون الثورة
ــ غير صحيح .. افتح هذا الباب لترى عشرات الشبان متضامنين معي
ــ المصري بطبيعته لايحب الثورة وهو يطمئن مادام خاضعا الى حاكم قوى حتى لو ظلمه .. لقد عرضت عليكم أن أستمر في منصبي حتى شهر سبتمبر لكنكم رفضتم فماذا كانت النتيجة ..المصريون أصبحوا منهكين ومحبطين..
السياحة انقطعت والاستثمارات تلاشت ولم يعد المصري يأمن على أولاده من البلطجية .. حوادث قتل واطلاق نار في كل مكان
ــ أنت السبب . البلطجية أطلقهم أتباعك ورجالك هم الذين يتآمرون من اجل افقار المصريين وترويعهم جتى يندموا على الثورة .
ــ في الحرب كل شيء مباح .
ــ سوف ننتصر وسوف ترى
ــ أوهام . الناس اصبحوا يكرهون الثورة بل ان كثيرين منهم يعتبرونكم خونة
ــ أنا لا أسمح لك
-ابتسم مبارك بغيظ وقال
ــ هل يجوز أن تحدثى من هو في سن جدك بهذه الطريقة
ــ أنا أتكلم مع سفاح تسبب في موت آلاف المصريين ..
ــ وأنت متهمة مع زملائك بتلقى أموال من جهات أجنبية
ــ أنتم تطلقون الأكاذيب من أجل تشويه الثورة. ـ الاتهامات التى قالها اللواء حسن الرويني بلادليل وقد تقدمنا ضده ببلاغ الى النيابة العسكرية
ابتسم مبارك وقال :
ــ تقدمتم ببلاغ ضد الرويني
ــ طبعا
ـــ انا الذى سأحقق فيه
ــ اذا كنت انت الذى ستحقق في البلاغ ضد اللواء الرويني فأستطيع أن أتوقع النتيجة .
ساد الصمت ونظر اليها مبارك باستخفاف .. نهضت أسماء وقالت :
ــ سأنصرف .
ــ أنا أحذرك
ــ افعل ما تشاء
ــ اذن انتظري قرار النيابة في الخارج
حملت أسماء حقيبتها واستدارت لتنصرف وكأنما استفز ثباتها مبارك فقال :
ــ هل تعلمين أن التهم الموجهة لك قد تلقى بك عشر سنوات في السجن الحربي .
تطلعت اليه أسماء وقالت بهدوء :
ــ أثناء الثورة .. كنت أنزل كل يوم من بيتى وأنا أدرك اننى قد أموت في أى لحظة . القناصة التابعون لك كانوا يقتلون زملائي أمامي . لم نعد نخاف من الموت . ..
افعل ما تشاء لكن مصر سوف تنتصر عليك وعلى أتباعك .
خرجت أسماء وأغلقت الباب بعنف .. أمام الحجرة كان عشرات الزملاء واقفين ينتظرون مع المحامي ….اجتمعوا حولها و الحوا عليها ليعرفوا ماذا حدث في التحقيق ..
ترددت قليلا ثم زفرت بغضب وقالت :
ــ هل تعرفون من الذى حقق معي
تطلعوا اليها متساءلين فقالت ..
ــ حسني مبارك ..
لم تبد عليهم الدهشة وقال أحدهم بصوت عال :
ـــ مهما فعلوا فان الثورة ستنتصر
وأيده الحاضرون جميعا .
"الديمقراطية هي الحل"