«لم يقم بتنظيف المشهد السياسي وتنقصه مقومات الاصلاح»
تضارب المواقف في الجزائر بشأن قانون الأحزاب الجديد
بودهان ياسين من الجزائر
تباينت المواقف في الجزائر من قانون الاحزاب الجديد، ففيما رأى البعض انه تحصيل حاصل بعدما وجد النظام السياسي نفسه مجبراً على تبني جملة من الإصلاحات بهدف امتصاص الضغط الذي يعاني منه، وجد آخرون أنه لا يمكن إدراجه في إطار الإصلاحات السياسية.
تتباين المواقف في الجزائر حول قانون الأحزاب الجديد الذي صادق عليه مؤخرا مجلس الوزراء
الجزائر: تضاربت مواقف شخصيات حزبية جزائرية، بشأن مشروع قانون الأحزاب الجديد، الذي صادق عليه مؤخرا مجلس الوزراء. ففي الوقت الذي تحفظ بشأنه كل من رئيس حركتي "النهضة والإصلاح" سابقاً عبد الله جاب الله ورئيس حزب "الحرية والعدالة" غير المعتمد محمد السعيد، ورفضا التعليق على نص المشروع إلى حين مناقشته في البرلمان.
واعتبره الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة " أنه لا يعكس طموحات الأسرة السياسية " في حين رأى الناطق الرسمي لحركة الوطنيين الأحرار عبد العزيز غرمول أن " الإصلاحات المعلنة ومنها قانون الأحزاب هي محاولة للقفز على معطيات المرحلة الراهنة لا غير".
هذا وكان وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية كشف في وقت سابق أن قانون الأحزاب الصادر سنة 1990 يتضمن جملة من النواقص يجب تداركها، وكشف بالمناسبة أن مصالح وزارته استقبلت نحو 42 طلب اعتماد حزب جديد.
وبالعودة إلى القانون العضوي للأحزاب الصادر سنة 97، فانه لم يشهد أي تعديل منذ 13 سنة، أي بعد إقرار مادة تمنع تسمية أحزاب على أساس عرقي أو ديني تطبيقا لبنود دستور 96، وتم حينها الاعتراف بالطابع الحزبي للجمعيات السياسية.
ويتيح مشروع قانون الأحزاب الجديد ضمان الحق في إنشاء الأحزاب، ويحدد المعايير والإجراءات المطلوبة، في حين أبقى على التنظيم الساري لمدة ستون يوما المتعلق بإقرار الاعتماد في حالة حكم تجاوز سكوت الإدارة للآجال، حيث في هذه الحالة يعتبر الحزب معتمدا، وأورد بيان المجلس أن "كل رفض من قبل السلطات العمومية في هذه المرحلة أو تلك من مراحل إنشاء حزب ما، يخول الحق في الطعن لدى مجلس الدولة الذي يبت في الأمر بتا نهائيا.
وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية
ومن أجل صون "حقوق المجموعة الوطنية"، يقترح نص القانون "أحكاما باتقاء تجدد المأساة الوطنية وبمنع أي تراجع عن الحريات الأساسية وعن الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة، وبصون الوحدة الوطنية والسلامة الترابية والاستقلال الوطني وكذلك مكونات الهوية الوطنية"، كما حدد نص القانون علاقة الأحزاب بالإدارة في مجال المنازعات، مشيرا إلى أنه "في مثل هذه الحالات، كل إجراء تحفظي منصوص عليه في القانون يسوغ الطعن لدى مجلس الدولة الذي يتعين عليه في كل الأحوال البت في المسألة في أجل أقصاه ستون يوما."
هذا وكانت عدة تشكيلات سياسية قد تقدمت بطلب حصول على اعتماد من وزارة الداخلية أهمها حزب جبهة التغيير الوطني للمنشقين عن حركة حمس برئاسة عبد المجيد مناصرة، وجيل جديد للقيادي في حزب التجديد سابقا جيلالي سفيان، وحزب العدالة والحرية لمحمد السعيد، وحزب الجبهة الديمقراطية لسيد أحمد غزالي، والاتحاد من أجل الجمهورية للمنشق عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لعمارة بن يونس، إضافة إلى حزب البديل للمنشقين عن جبهة القوى الاشتراكية بقيادة عبد السلام علي راشدي.
ومؤخرا أعلن الأمين الوطني السابق للتجمع الوطني الديمقراطي الطاهر بن بعيبش عن تأسيس حزب جديد إلى جانب عبد الله جاب الله الذي أعلن هو الآخر عن مشروع سياسي لم يكشف عن اسمه بعد، كما أعلن لخضر بن سعيد عن تأسيس حركة الوطنيين الأحرار، وقد تم انتخاب الكاتب والإعلامي عبد العزيز غرمول أمينا عاما للحزب .
عبد العزيز غرمول الذي انتخب أميناً عاماً لحركة الوطنيين الأحرار
و حول موقف هؤلاء من القانون الجديد، يعتقد محمد السعيد رئيس حزب الحرية والعدالة غير المعتمد في حديثه لـ"إيلاف" أن " قانون الأحزاب الجديد هو تحصيل حاصل، بمعنى أن النظام السياسي في الجزائر وجد نفسه مجبراً على تبني جملة من الإصلاحات، بهدف امتصاص الضغط الذي يعاني منه، تحت تأثير المتغيرات الجديدة التي تعرفها العديد من الدول العربية، في ظل ما أصبح يطلق عليه بالربيع العربي". وعبّر عن الموقف نفسه عبد الله جاب الله رئيس حركة الإصلاح وحركة النهضة سابقا الذي رفض هو الآخر التعليق على نص مشروع القانون خلال اتصال "إيلاف" به، قبل المصادقة عليه من طرف نواب المجلس الشعبي الوطني لأنه "حينها سيصبح قانون ويمكنني التعليق عليه ومناقشته " يقول جاب الله .
أما عبد العزيز غرمول الناطق الرسمي لحركة الوطنيين الأحرار، وصف في حديث خصّ به "إيلاف" كل مبادرة من هذا النوع أنها مبادرة "ايجابية"، والجزائر ــ حسب رأيه ــ في حاجة إلى تجديد كل ترسانة القوانين والمواثيق التي بنت عليها تجربتها الديمقراطية خاصة منذ نهاية الثمانيات حتى الآن، لكن فيما يتعلق بهذا القانون يقول غرمول "اعتقد انه لا يتضمن شيء جديد، هناك بعض الإضافات فقط لقانون قديم، مازال ينظر إلى الحزب السياسي كجمعية لم يساهم في ترقية العمل السياسي، ولم يقم بما يجب أن يقوم به لتنظيف المشهد السياسي الجزائري، الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، فأصبح كل من هب ودب يؤسس حزب سياسي، ويخطب في الناس بما يعرف وبما لا يعرف ".
و يعتقد غرمول أن السلطة السياسية في الجزائر ليست لديها النية الحقيقية لفتح المجال السياسي، ولا حتى المجالات الأخرى .
من جانبه يرى الوزير الأسبق، وعضو البرلمان الجزائري الحالي عبد المجيد مناصرة رئيس حركة الدعوة والتغيير، والتي تقدمت بطلب الحصول على اعتماد لإنشاء حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم جبهة التغيير الوطني في حديثه لـ"إيلاف" أنه لا يمكن وصف تعديل مجموعة من القوانين بالإصلاحات.
الوزير الأسبق وعضو البرلمان الجزائري الحالي عبد المجيد مناصرة رئيس حركة الدعوة والتغيير
واعتبر مناصرة أن قانون الأحزاب الجديد لا يمكن إدراجه في إطار الإصلاحات السياسية، واعتبر أن مشروع قانون الأحزاب الجديد "لا يخدم مسألة الحريات بشكل كبير، بدليل أن هناك الكثير من البيروقراطية والتقييد في إجراءات تأسيس الأحزاب. والدستور يكرس حق تأسيس الأحزاب للجزائريين والقانون يؤكد على ذلك، ولكنه لا يخدمه في التفاصيل".
وحسب مناصرة "فمن المفروض ان يعني حق تأسيس الأحزاب مكفول ومضمون في الدستور، أن أي جزائري يمكنه تأسيس حزب سياسي، لكن القانون يعطي صلاحيات كبيرة لوزير الداخلية لقبول أو رفض تسجيل الأحزاب، والمفروض أن ذلك يحتاج إلى إخطار وليس إلى ترخيص لأن في القانون الجزائر الترخيص قبل الاعتماد، لــذلك هناك بيروقراطية كبيرة ".
و يكشف مناصرة أنه " اقترح تأسيس لجنة قضائية تكون هي التي تودع لديها ملفات تأسيس الأحزاب، وليس وزارة الداخلية، لأن هذه الأخيرة تعتبر طرف، فكيف نتحدث عن ممارسة ديمقراطية ووزير الداخلية ينتمي إلى حزب معين، لذلك ليس من المنطقي أن يكون وزير ينتمي إلى حزب معين هو الذي يمنح تراخيص لإنشاء أحزاب سياسية جديدة، أو تعطى له صلاحيات إيقاف أحزاب سياسية عن ممارسة نشاطها، هذا الأمر منافٍ للحريات السياسية ومناف للممارسة الديمقراطية. لذلك اقترحنا لجنة قضائية واللذين يريدون تأسيس حزب سياسي جديد يكتفون بالإخطار، وهذه اللجنة ليس لديها سلطة تقدير، وإنما هي تنظر فقط في مطابقة الملف للشروط المنصوص عليها قانونا، أما أن تعطى صلاحيات لوزارة الداخلية بأن تقدر أن حزب سياسي يصلح للجزائر، وآخر لا يصلح للجزائر فهذا أمر لا يخدم الحريات السياسية بالجزائر، ولا يخدم مسار الإصلاحات المعلن عنها من طرف الرئيس بوتفليقة " .