تجمعات شبابية عراقية تدعو لتظاهرات الجمعة من أجل التغيير
تحذير من ثورة فقراء وجياع ضد الفساد وسرقة أموال الدولة
أسامة مهدي من لندن
في وقت دعت تجمعات شبابية عراقية إلى تظاهرات الجمعة المقبل للمطالبة بالتغيير ومواجهة محاولات جر البلاد إلى الفتن والإحتراب الطائفي فقد حذرت الكتلة العراقية من إندلاع ثورة شعبية ضد النهب والفساد وقالت إن العراق يعيش الان غلياناً شعبياً لا يريد المسؤولون سماع شيء عنه او تقصيه ولذلك يمكن ان تتفجر ثورة جياع وفقراء في اية لحظة لن يستطيع احد الوقوف بوجهها بعد ان بلغ حجم الفساد معدلات تتجاوز نصف موازنة الدولة مع عدم وجود آليات لمنعه وحيث يجري اطلاق يد المفسد في اموال الدولة دون محاسبة.
أكد هاني عاشور مستشار القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي ان "استمرار النهب والفساد المالي والاداري مع تزايد البطالة ومعدلات الفقر وقلة فرص العمل سيؤدي الى ثورة فقراء مفاجئة مزلزلة لايستطيع احد الوقوف بوجهها".
وأضاف في تصريح لـ"أيلاف" ان الكشف عن ملفات النهب والفساد ومحاربة المنتقدين والمنادين والعاملين على منع هذا الفساد وتحجيمه قد جعل المواطن العراقي في حالة يأس واحباط "تنذر بتفجر ثورة قفراء عراقية مفاجئة وغير محسوبة النهايات بعد ان بلغ حجم الفساد معدلات تتجاوز نصف الميزانية العراقية مع عدم وجود آليات لمنعه وانما على العكس من ذلك حيث يجري حمايته الى حد اصبح فيه منقد الفساد تحت طائلة القانون واطلاق يد المفسد في اموال الدولة دون محاسبة".
وأشار إلى أن وضع العراق في موقع الدولة الرابعة الاكثر فسادا في العالم لم يلق بالمقابل خطة حكومية لمنع الفساد تتفق عليها الاطراف السياسية "بل ان كشف ملفات الفساد دفع الى حماية المفسدين بدل معاقبتهم".. وقال ان الموقف من رئيس هيئة النزاهة السابق رحيم العكيلي الذي اضطر الى الاستقالة وردة الفعل تجاه النائب صباح الساعدي الذي انتقد ارغام العكيلي على هذه الاستقالة واتهامه لرئيس الوزراء نوري المالكي بالوقوف بوجه محاسبة المفسدين جعل هؤلاء يشعرون بأمان كبير من ان يد العدالة قاصرة على النيل منهم.
وأوضح عاشور ان حجم الفساد في العراق والذي وصل الى سرقة اموال اليتامى والارامل وحقوق الناس في الحصول على الخدمات والصحة والعيش الكريم باقل مستوياته مع نشوء طبقة ثرية على حساب الفقراء يشير الى خروج وتحد للمباديء الاسلامية والقانونية والاخلاقية ما يمكن ان يدفع الناس الى الثورة والغضب والثأر من السراق واللصوص الذين خطفوا لقمة عيشهم في بلد بلغت اموال ثرواته مستوى لم تبلغه طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة.
وقال "ان المتقصي للهاجس الوطني الشعبي يشعر تماما ان جمرا يتقد تحت رماد الصمت واليأس الحالي وان المواطن العراقي لم يعد يتحدث في مجالسه سوى عن تعداد حالات الفساد فيما تغفل طبقة السياسيين والمسؤولين سماع غضب الشعب مما سيؤدي الى ثورة مفاجئة على غرار ما حدث في تونس مثلا مشيرا الى ان المفسدين رتبوا اوضاعهم ويستعدون لمغادرة العراق في اية لحظة بعد ان نقلوا اموالهم الى الخارج وتحولت الى عقارات وشركات.
وطالب عاشور بتفعيل العمل البرلماني والحكومي لكشف الفساد ووضع خطة عراقية لمكافحته وسماع المواطن "لان هناك حالة من الغليان الشعبي لا يريد المسؤولون سماع شيء عنها او معرفتها او تقصيها وبسبب ذلك يمكن ان تتفجر ثورة جياع وفقراء في اية لحظة لن يستطيع احد الوقوف بوجهها" كما قال.
معروف ان نسبة الفقر في العراق التي اعلنت تقارير حكومية من وزارة التخطيط والتعاون الانمائي عنها تشكل ظاهرة خطيرة حيث يترنح تحت خط الفقر اكثر من 7 ملايين عراقي.. فيما قال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هادي العربي إن نسبة الفقر في العراق وصلت الى 23% من مجموع السكان البالغ عددهم 32 مليون نسمة وهي نسبة مرتفعة.
وتشير تقارير لهيئة النزاهة العراقية الى خسارة العراق 250 مليار دولار منذ عام 2003 بسبب الفساد المالي والاداري. يذكر ان منظمة الشفافية العالمية قد صنفت العراق العام الماضي في المرتبة الرابعة ضمن الدول الاكثر فسادا اداريا وماليا في العالم.
إستقالة العكيلي تفجر خلافات حول الفساد وعدم مكافحته
وتحتدم نقاشات في العراق منذ اسبوعين حول الفساد المستشري في البلاد وذلك اثر تقديم رئيس هيئة النزاهة القاضي رحيم العقيلي لاستقالته في الثامن من الشهر الحالي وقبول المالكي لها فورا. فقد أكد العكيلي أن سبب استقالته جاءت اثر التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتها معتبرا أن ذلك يعد الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في العراق. واشار الى فقدانه الدعم السياسي الذي كان يحظى به قبل أن يتحول ذلك الدعم الى حالة من التذمر ازاء الرقابة التي تمارسها الهيئة.
وقال العكيلي خلال رسالة استقالته التي وجهها الى لجنة النزاهة البرلمانية إن "التكالب على نهب اموال الدولة وعقاراتها هو الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في العراق اليوم في ظل ارادة سياسية تدعي الوعي بحجم الفساد المستشري".
وأضاف أن تلك الإرادة السياسية "اضحت في الفترة الأخيرة متذمرة بقوة من الرقابة ومن القواعد والقيود القانونية وتسعى جاهدة لمقاومة ادوات واليات المساءلة والشفافية، فكانها مشغولة بمحاربة الرقابيين اكثر من انشغالها بمكافحة المفسدين". وأشار العكيلي الى أنه "لا يمكن لأي هيئة لمكافحة الفساد أن تعمل بفاعلية وكفاءة بلا دعم سياسي كاف".
وشدد العكيلي على انه أنه اضطر لتقديم استقالته "من رئاسة الهيئة بسبب فقدان الدعم السياسي الذي كنت قد اكتسبته قبل عام 2011". وأوضح ان تقديم استقالته جاء تلبية لرغبة رئيس الوزراء نوري المالكي وتعرضه لضغوطات سياسية من جهات تحاول توجيه ملفات الفساد بالطريقة التي تراها.
وأشار إلى أن "التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتها هو الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في العراق اليوم في ظل ارادة سياسية تدعي الوعي بحجم الفساد المستشري".. حيث ان تلك الإرادة السياسية اضحت في الفترة الأخيرة متذمرة بقوة من الرقابة ومن القواعد والقيود القانونية وتسعى جاهدة لمقاومة ادوات واليات المساءلة والشفافية، فكأنها مشغولة بمحاربة الرقابيين اكثر من انشغالها بمكافحة المفسدين".
وأمس أعتبر نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي تعليقا على الاستقالة أن "هذه هي مشكلة الدولة عندما تنفرد جهة معينة بالملف الأمني والملف الإعلامي وجزء كبير من موارد الدولة وهو ما نبهنا عليه لكننا في نهاية المطاف مازلنا نعاني حتى هذه اللحظة من اخفاقات عديدة في ملفات هامة ربما في مقدمتها ملف حقوق الإنسان".
واضاف إن "العراق خسر بغياب العكيلي عن هذه المسؤولية التي نحن بأمس الحاجة اليها وبالتالي على مجلس النواب ولجنة النزاهة وحقوق الإنسان واللجنة القانونية أن تتدارك هذا الأمر بحيث لا ينبغي أن تؤول هذه الهيئة الى شخصية بالإمكان تسييسها وبالامكان ان ترضخ الى أي ضغوط سياسية مستقبلا".
ومن جهته كشف النائب المستقل صباح الساعدي خلال مؤتمر صحافي في بغداد أن أسباب استقالة العكيلي جاءت بعد أن طلب الحزب الحاكم منه فتح ملفات فساد ملفقة بحق أحمد الجلبي وجواد البولاني متهما المالكي بانتهاج السلوك نفسه الذي كان ينتهجه رئيس النظام السابق صدام حسين نفسه من خلال التهديد بالقتل واكبر دليل على ذلك ما حدث للصحافي هادي المهدي" الذي اغتيل مؤخرا بسبب قيادته للمظاهرات التي تندد بالفساد مضيفا أن "مصيرنا سيكون مصير المهدي نفسه".
وأكد أن "أدبيات حزب الدعوة (بقيادة المالكي) أفضل الأدبيات إلا أن المالكي انتهج أدبيات تخالف تلك الأدبيات وهو ينتهج دكتاتورية الشخص وسيعمل على حل حزب الدعوة والاستيلاء على هيئة النزاهة". واثر ذلك اصدرت السلطات القضائية العراقية اصدرت أمس مذكرة اعتقال ضد النائب الساعدي بتهمة القذف والسب بحق المالكي وأهانة الحكومة على خلفية اتهامات وجهها لهما النائب بحماية الفساد والمفسدين وتصفية الخصوم.
واشار مصدر قضائي الى ان مذكرة الاعتقال قد صدرت ضد النائب الذي كان استقال من التحالف الوطني "الشيعي" قبل اشهر صباح الساعدي اثر هجومه على المالكي واتهامه بحماية كبار المسؤولين الفاسدين وعرقلة محاكمتهم واستهدافه للشخصيات التي تعمل على كشف المفسدين وفضح ملفات الفساد.
يذكر أن هيئة النزاهة مؤسسة حكومية رسمية مستقلة معنية بالنزاهة العامة ومكافحة الفساد أنشئت في العراق باسم مفوضيـة النزاهة العامة بموجب القانون الصادر عن مجلس الحكم العراقي السابق واعتبرها الدستور العراقي الدائم لعام 2005 إحدى الهيئات المستقلة وجعلها خاضعة لرقابة مجلس النواب وبدل اسمها إلى هيئة النزاهة.
وتهدف الهيئة الى منع الفساد ومكافحته ولها وسائلها القانونية في تحقيقه وتأدية وظيفتها وهي تقسم إلى جانبين الأول قانوني والثاني تربوي إعلامي تثقيفي ويرأس الهيئة موظف بدرجة وزير يعينه رئيس الوزراء ولا تجوز إقالته إلا من مجلس النواب بالطريقة نفسها التي يقال بها الوزراء وللهيئة نائب واحد وتقوم بإصدار استبيان شهري يوضح مؤشر تعاطي الرشوة في العراق.
وكان التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011 قد ضم ثلاثة بلدان عربية بين البلدان العشرة "الأكثر فساداً" في العالم وهي الصومال والعراق والسودان كما أظهر أن الصومال احتلت المركز الأول في الدول الأكثر فساداً تلته أفغانستان وميانمار ثم العراق والسودان وتركمانيا وأوزبكستان وتشاد وبوروندي وأنغولا.
تجمعات شبابية تدعو لتظاهرات الجمعة من أجل التغيير
ودعت تجمعات شبابية عراقية الى تظاهرات في انحاء البلاد الجمعة المقبل تحت شعار "الثورة مستمرة" للمطالبة بالتغيير وقالت هذه التجمعات وهي "الثورة العراقية الكبرى" و "ائتلاف ثورة 25 شباط" وتجمع شباب الأنبار" و"ائتلاف ارحلوا" في نداء الى العراقيين تسلمت "ايلاف" نسخة منه اليوم الاربعاء ان "المتآمرين على هذا البلد والمتاجرين بدماء أبنائه قد دابوا على طرق كلّ باب يظنون أنهم قادرون من خلاله على إثارة مشاكل جانبية علّهم يصلون بواسطتها إلى هدفهم في تقسيم العراق وتجذير الطائفية فيه ليتسلّط المحتلون على عرش العراق وليتبؤوا مكانة المخلّص ولكي يهنأ الذين جاءوا به وتعاونوا معه".
واضافت ان هؤلاء يفتعلون الان "فاجعة النخيب الأليمة التي اختلط فيها الدم العراقي على اختلاف المسميات والأوصاف ويتبعونها بتصرفات مريبة لجهات حكومية تجاه بعض أهالي الأنبار في محاولة يائسة لإعطاء الجريمة بعدا طائفيا" في اشارة الى قتل 22 عراقيا في منطقة النخيب بمحافظة الانبار السنية كانوا متوجهين الى سوريا مؤخرا ومعظمهم من مواطني محافظة كربلاء الشيعية.
واضافت هذه التجمعات قائلة ان هذه الأفعال لم تأتي في هذا الوقت وبهذه الطريقة "إلا لإشغال الرأي العام عن حالة الفشل التي تعيشها الحكومة المنصبة من قبل المحتل على سدة الحكم في العراق وها هي المائة يوم الثانية قد انقضت ولم يلمس الشعب أي تغير فالأمن من سيء إلى أسوأ والفساد كذلك فضلاً عن الخدمات.. ناهيك عن الجوانب الصحية والبيئية والاقتصادية والبنى التحتية واوضاع المرأة والطفل وظروف المعتقلين والسجناء ومصادرة الحريات العامة والخاصة". وشددت على انه قد "بات من المسلم به عند الجميع ولاسيما عند من كان يظن في هذه الحكومة شيئا من الخير أنه لا حل لهذا الشعب إلا بالتخلص من زمر الفساد والدكتاتورية عبر ثورة عارمة تهز عروش الطغاة".
ودعت هذه التجمعات الشبابية العراقيين "من الشمال الى الجنوب إلى مواصلة التظاهرات والاستمرار في المشروع الوحدوي الذي سرنا فيه ليكون أفضل رد على من يحاول جر البلاد الى الفتن والاحتراب والتظاهر في الجمعة المقبلة تحت شعار (الثورة مستمرة) للمطالبة بحقوقنا المشروعة وخيراتنا المسلوبة فلم يعد ثمة عذر للمتخلفين عن هذه المسيرة ولم يعد من سبيل أمامنا للخلاص من هذا الجحيم سوى مواصلة الثورة الشعبية العارمة التي تتخذ من السلم سلاحا للإطاحة بالفاسدين ووسيلة لإحداث التغيير المأمول" على حد قولها.
يذكر ان محافظات العراق تشهد منذ 25 شباط (فبراير) الماضي تظاهرات أحتجاج تطالب بتغيير الحكومة واتخاذ اجراءات حاسمة لمكافحة الفساد والبطالة والمحاصصة في ادارة الدولة وللمطالبة بالخدمات والأمن ومعاقبة المزورين وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء ينظمها ناشطون وشباب من طلبة الجامعات ومثقفون مستقلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت.
واثر ذلك اعلن المالكي في السابع والعشرين من الشهر نفسه مهلة مائة يوم لتقييم عمل الوزراء في محاولة لامتصاص غضب الجماهير وتقديم وعود باصلاح الاوضاع العامة في البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تم بعدها وعبر شاشات التلفزيون عقد جلسات علنية لمجلس الوزراء قدم خلالها الوزراء عروضا عن الانجازات والاخفاقات التي شهدتها وزاراتهم خلال هذه الفترة لكن هذه العروض لم تقنع الناشطين المستمرين في تظاهرات احتجاج في ايام الجمعة من كل اسبوع داعية الى التغيير.