[center][b]ظاهرة تزويج ارامل الشهداء في غزة بين التاييد والانتقاد
يغمرهنّ الشعور بالوحدة. أعباء جديدة ألقيت على عاتقهن، وأبناء لم يعد بإمكانهم الاعتماد على سواهن، فقد أصبحن الأب والأم في آن واحد بعدما غيّب الموت الزوج. هذه هي حال أرامل الشهداء في قطاع غزة. هن كثيرات نتيجة حرب خلّفت آلاف الشهداء على مدى سنوات من الصراع مع الاحتلال. وما بين آلام الفراق على زوج ورفيق درب رحل على حين غرّة وبين مطامع المحيطين، برزت مشاريع تزويج أرامل الشهداء. هدفها المعلن صون الأرملة، لكنها لا تخلو من سلبيات، وتلقى معارضة من ناشطات نسويات لجهة تحوّل الأرملة إلى سلعة، بينما تباينت مواقف صاحبات الشأن من هذه المشاريع التي تشجع على الارتباط بالأرامل، وتقدم التسهيلات والمساعدات لإتمام الزواج. أسماء دياب ورضا الصيفي، أرملتان أفقدتهما الحرب زوجيهما. لم تتوقع كلتاهما فقدان زوجها في ذلك الوقت، وحتى اليوم لا تزالان غير قادرتين على استيعاب ما حدث لهما في طرفة عين ومن دون مقدمات.ونشرت صحيفة "الاخبار" اللبنانية اليوم الجمعة تحقيقا حول هذه الظاهرة التي بدأت تبرز في المجتمع الغزي، في ظل حصار خانق. أسماء، احدى قصص هؤلاء الارامل، هي شابة في الثانية والعشرين من العمر، استمرت خطوبتها خمس سنوات، ولم يُدم زواجها أكثر من سنتين. جاءت ثمرته طفلة حُرمت أباها وهي في عمر الثمانية أشهر. يتكفّل أهل زوجها نفقاتها، وتساعدها بعض الجمعيات الخيرية في كفالتها. لا يزال الحزن واضحاً في ملامح وجهها. انفعلت بشدة بمجرد سؤالها عن فكرة الزواج بعد زوجها الشهيد. قالت: "لا أفكر حالياً في الزواج"، لكنها في الوقت نفسه لا تنكر على الأرملة أن تتزوج ثانية لحاجة المرأة إلى رجل إلى جانبها.ورغم تفهّم أسماء لزواج الأرملة، فإنها ترفض مشاريع الزواج التي تقف وراءها مؤسسات خيرية في غزة. قالت: "هذه المشاريع تظهر كأن الرجل يشتري المرأة بالمال. يعزّ على المرأة أن تتزوج مقابل المال، وألّا يطلبها الرجل لذاتها، ففي هذه المساعدات عملية إغراء وهذا يسبّب مشكلة في أن يكون المتقدم طامعاً، فيأخذ الأرملة وأولادها ويستولي على أموالهم، لكن هذا لا يمنع أن هناك أشخاصاً يريدون الستر على الأرامل".لكن رضا تشجع بقوة هذه المشاريع، على اعتبار أنها "فكرة جيدة لإعطاء الأرملة الصغيرة السن فرصة جديدة لبدء حياتها". وترى أن "ما يُقدم من مساعدات يعدّ وسيلة تشجيعية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة". وقالت إن "الزواج بالأرملة باب أجر لمن أراد كفالة الأرملة وأولادها الأيتام، فيقدم إليهم احتياجاتهم ويعوّض عنهم النقص الذي تركه الشهيد".وتقرّ رضا، وهي أم لستة أبناء أصغرهم أبصر النور بعد استشهاد والده بثلاثة أيام، بأن غياب زوجها ترك فجوة كبيرة من الاحتياجات لها ولأبنائها. كما أن تقمّص دور الأم في حنانها والأب في حزمه تجربة جديدة تزيد من صعوبة الأمر، لكنها تساءلت باكية: "ما الذي سأجنيه من زواج جديد. رزقني الله بالأولاد. وأمتلك مع زوجي الشهيد رصيداً من الذكريات يكفيني لسنين قادمة. كما أنني امرأة عاملة وعملي يوفر لنا احتياجاتنا المادية فلا حاجة لي إلى الزواج".بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، أصبحت معاناة الأرامل وهن بالآلاف مجال اهتمام جمعيات خيرية عديدة، ومنها "جمعية الفلاح الخيرية" التي تعتزم تزويج أرامل الشهداء ضمن المرحلة الثانية لمشروع التزويج الذي بدأته عام 2006. وكانت مرحلته الأولى تقتصر على تزويج العوانس. نائب رئيس الجمعية، ناصر معروف، قال إن "الأرامل يمثّلن شريحة لا يستهان بها. وبعد حرب غزة ازداد عددهن، فقررنا بدء المرحلة الثانية للمشروع، التي تتضمن تزويج أرامل الشهداء. درسنا الفكرة والآن نسوّقها للحصول على الدعم المادي لإتمامها".ويقدم المشروع الدعم المادي إلى المتقدمين للزواج بأي أرملة. ويرتفع المبلغ المالي المُقدم إلى ثلاثة أضعاف عند الاقتران بأرملة شهيد، ليصل إلى حدود 3 آلاف دولار نقداً، إضافة إلى تغطية تكاليف حفل الزفاف.وتمثّل أرملة الشهيد في غزة مطمعاً لأصحاب النفوس الضعيفة والعاطلين من العمل الذين لا مصدر دخل ثابتاً لهم، فينصبون شباكهم حولها، طمعاً في الأموال التي تحصل عليها من مؤسسات إغاثية وخيرية، وغالباً ما يتقدمون للزواج بالأرملة كزوجة ثانية أو ثالثة وربما رابعة، وكثيراً ما يؤول الزواج بالأرملة إلى الطلاق، نتيجة الخلاف على الأموال التي يستولي عليه الزوج وينفق منها على أسرته الأولى.وشجعت الناشطة النسوية، مديرة جمعية "المرأة المبدعة" في غزة دنيا الأمل إسماعيل، زواج الأرامل، وخصوصاً إذا "كنّ في مقتبل العمر، فلديهن حاجات نفسية وجسدية يسعين إلى إشباعها وفق زواج يكفله الشرع والقانون". إلا أنها تعارض تزويج الأرامل من خلال مشاريع تشجيعية تحفّز الشباب على الاقتران بالأرامل بواسطة المساعدات المالية، متهمةً المؤسسات التي تقف وراء هذه المشاريع بأنها "لا تستمع إلى احتياجات النساء، وتعتقد أنها وصية على المرأة، وتعطي نفسها الحق في أن تفكر عنها، ولا تنظر إليها إلّا عورة وجسد يجب ستره بأي طريقة كانت".وقالت إسماعيل: "إذا كانت هذه المؤسسات معنية بالأرملة، فمن الأولى أن تدعم تعليمها أو عملها ليصبح لها مصدر دخل تنفق منه على نفسها وأولادها. كثير من أرامل الشهداء تعرّضن لضغط أهاليهن بسلبهن أولادهن طمعاً في المال الذي تقدمه هذه المؤسسات الخيرية التي تكفل أسر الشهداء، وكأن المرأة سلعة في يد الأسرة أولاً، ثم يعمّم التوجه ليشمل المجتمع. وخطورة المسألة أن المرأة تخضع لشروط المجتمع وثقافته تجاهها وهي ثقافة تنتقص من إنسانيتها".ومع أن غالبية الجمعيات التي تقف وراء هذه المشاريع مقربة من حركة "حماس"، فإن النائبة عن الحركة في المجلس التشريعي، هدى نعيم، تنفي علاقة "حماس" بهذه المشاريع. وتقول "إذا ما استطاعت هذه المشاريع توفير مبلغ للزواج فهذا بيت جديد بحاجة إلى تكاليف الحياة الثانية، لا تكاليف الزواج فقط. وغير صحيح أن الحركة تدعم هذه المشاريع مادياً. قد تكون حماس مقرّبة من الجمعيات الخيرية التي تنفذها لكنها لا تدعمها". وأعربت عن عدم ارتياحها للتعامل مع هذه الشريحة بهذه الطريقة. وأوضحت "هذه المشاريع تعرض الأرملة كسلعة وتخلق حالاً من الاتجاه السلبي لدخول الأرامل بيوت الناس، حيث تتوجه المرأة بدلاً من الشفقة على الأرملة إلى اعتبارها خطراً يهدد عائلتها. أشجع زواج الأرملة إن رغبت في ذلك وكانت هي صاحبة القرار لا نتيجة ضغط عائلي".ويرى أستاذ الإعلام في الجامعة الإسلامية، الدكتور أيمن أبو نقيرة، أن "من المهم نشر ثقافة الارتباط بالأرامل في المجتمع الفلسطيني، لإيجاد أرضية من الرأي العام تتقبل الأمر". وقال إن "الزواج بالأرامل ظاهرة إيجابية، بشرط إحسان اختيار الزوج وعدم الإكراه عليه، لأن للأرملة الحق في الاختيار والموافقة، وخصوصاً في ما تعارف عليه مجتمعنا من تزويج الأرملة ذات الأبناء بأخ زوجها الشهيد، فالإجبار مرفوض قطعاً لكلا الطرفين". وأضاف إن "البدء بمثل هذه المشاريع لا بد أن يسبقه ترويج لثقافة تعدد الزوجات إذا كانت الأرملة الزوجة الثانية، فمجتمعنا لا يتقبل تعدد الزوجات، وهناك نقطة جوهرية في مشاريع تزويج الأرامل وهي دافع العريس للزواج بأرملة الشهيد؛ هل هو دافع مادي للحصول على المساعدة في الزواج؟ أم ضغط الأهل؟ أم ناتج من قناعته بأن هذه الأرملة تصلح له ويصلح لها لبناء حياة أسرية جديدة؟".[/b]
[/center]