فيلم "عين النساء" لا يبارك الله إضراب النساء في المضاجع
محمد بنعزيز
2011-09-21 18:10
جرى مساء الاثنين افتتاح الدورة الخامسة من مهرجان فيلم المرأة في سلا، وقد تميز الافتتاح بتقديم بالعرض الأول بالمغرب لفيلم "عين النساء" للمخرج الفرنسي رادو ميهايلينو. فيلم صور جنوب المغرب وعمل فيه عدد كبير من الممثلين المغاربة مثل محمد مجد ومحمد خيي وعمر لطفي ومحمد الشوبي وفضيلة بنموسى وآمال الأطرش وبلعيد اكريديس...
هذا تحليل للفيلم
دام الوضع سنوات طويلة، فيها الشقاء والخضوع، وفي هذه الأيام التي تخرج فيها الشبيبة غاضبة إلى الشوارع تردد "الشعب يريد إسقاط النظام"، أو "الشعب يريد إسقاط الفساد". تستخدم السلطة العنف لتفريق المتظاهرين... في الفيلم أيضا دام الوضع طويلا، وضع نرى فيه النساء المكلفات "بالشقاء" في المنازل يجلبن الماء والرجال في المقهى يشربون الشاي ويتحدثون... وفي الليل يلتحقون بفراش الزوجية مستريحين... بينما النساء مرهقات... أنهكهن الصعود والهبوط ... فجأة تولد اقتراح...
بدأ مزحة، أضحكت الرجال الواثقين... ثم اتخذ صورة فضيحة حين عرف الأطفال بثورة أمهاتهم... راج العنف في الميادين كما في فراش الزوجية... بهدف كسر الإضراب ووقف الاحتجاج... وهنا يستخدم الرجل قوته الجسدية لتحقيق رغبته... لكن الرجال الآخرون صابرون وسينفجرون... صارت سمعة القبيلة مهددة، تدخل الفقيه ليصلح الوضع حبيا... يتضح أن نساء أخريات يرفضن الإضراب لأن الجنس ممتع، يفصلن العبودية واللذة على الحرمان والحرية. يفترضن أن زيادة الطاعة النسوية سيضمن لهن المزيد من حب الأزواج.
في القرآن الكريم، الإضراب الجنسي حق ذكوري فقط. إذ تعبيرا عن الغضب من الزوجات، أمر الله المسلم بهجر زوجته في المضجع وضربها قليلا. في الفيلم، النساء هن اللواتي هجرن الرجال في المضاجع...
وهذا يذكرني بقصيدة "خطاب الديكتاتور العربي" لمحمود درويش، وفيها طرح الدكتاتور على شعبه خيارين لا ثالث لهما:
سأعلن إضراب زوجاتكم في المضاجع
إما الصيام عن النوم ما بين أفخاذهنّ
وإما السلام.
هذا الخيار موجود في "عين النساء"، وهنا الطرافة في حبكة الفيلم، حبكة تقدم خلطة سينمائية من الجنس والدين والسياسة. تقدم إضرابا ببعدين جنسي وسياسي، ويستخدم الدين كوسيلة لإنهائه. فالزوجة يجب أن تطبع زوجها في الفراش كي لا تبيت تحت لعنة الملائكة... لكن الملائكة لم تتدخل في الفيلم، لذا انشق صف الرجال، كما في الحقل السياسي إلى شبان وشيوخ، وبذلك صار وضع النساء المضربات أقوى...
للفيلم محتوى سوسيو سياسي، وهذا محتوى لا يمكن ان يعالجه إلى سيناريست مثقف... وهو يتناول موضوعا حساسا، يقترح لاهوت تحرير إسلامي يحارب التشدد من داخل النسق الديني، بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المناسبة... هذا فيلم سيغضب كل منتقد يرفع تفسيرا وحيد القرن...
في الفيلم لمسة كوميدية، فيها تنازل أحيانا لكن أبهجت الجمهور الجالس في الطابق العلوي، فيه موسيقى تصويرية تعبيرية بالكمان، خاصة في الجزء الأخير عندما ظهر تركيب الأطروحة التي يقدمها الفيلم... وقد عمق المونتاج التركيبي النتيجة التي يريدها المخرج... وقد نجح الممثلون المغاربة في تقديم أداء قوي، ينم عم وجود تحضير مسبق وكثيف قبل التصوير... لن أنسى طلاقة محمد مجد عن موهبته الكبيرة، حضور آمال الأطرش في دور يتطور، على حافة التراجيديا، بخلاف الصورة الكوميدية المبالغة التي سجنت فيها... وطبعا نظرات فضيلة بنموسى المقهورة...
هنا أبان الممثلون المغاربة في صورة مغايرة. لأن لديهم سيناريو كامل، ناقشوه مع المخرج، غيروا الكلمات التي لا تناسبهم... تحدثوا طويلا للمخرج حسب ما صرح لي به بلعيد أكرديس.
للفيلم رمزية سياسية خاصة في هذه المرحلة التاريخية، مرحلة ربيع الشعوب، وهو يفسرها بشكل ساخر ولماح... مع مرور الدقائق تتضح أطروحته، رغم أنه فيلم بدأ بلمسة فولكلورية فقيرة دراميا:
نساء في حمام تقليدي، ولادة بالقابلة، قصعة كسكس كبيرة ورقص فردي على (القعدة) وجماعي وزغاريد... حكايات عروس لم تر عريسها إلا صبيحة الدخلة التي تمت في الظلام... رحلات في حافلة منقرضة...
افترضتُ أن المخرج يحدد سبعينيات القرن العشرين كزمن تاريخي مرجعي لفيلمه... ثم فجأة يظهر الحديث في الهاتف النقال... التفسير المتعجل لذلك هو أن لدى المخرج صورة مغرب قروي آخذ في الانقراض... وهذا يشعر المتفرج المغربي بأنه موضوع نظرة فولكلورية متجاوزة...
التفسير الثاني هو أن المغرب العميق تتقاطع فيه أزمنة مختلفة، يستخدم أحدث منتجات التكنولوجيا بينما تسوده عقلية ونمط عيش قديم...
هذا على صعيد الزمن، أما على صعيد المكان فقد اختار المخرج في الروبيراج قرية "أريال" التي تقع في السفح، وبالتالي جعل عين الماء تقع في المرتفع، والأصل أن الماء يجري في المنخفضات... وهو يريد تصوير محنة النساء في صعود الجبل فصورهم يصعدن بأواني فارغة... موقع العين في الفيلم خطأ في قوانين الجغرافيا... يسهل على متفرج عاش في الجنوب اكتشافه، وهو خطأ يطرح الصلة بين قوانين الفن وقوانين الطبيعة. المتفرج يتوقع احترام الثانية في الإبداع. هذا ما أوصى به منظرو الفن الكبار.
هذا فيلم قوي سيخرج للقاعات في نونبر 2011، سيحقق جدلا إعلاميا ونجاحا تجاريا، يناقش الثورة من زاوية مسلية، حقق ربيع النساء مبكرا... في انتظار ربيع الشعوب.