شاهدا 14 بلدًا وسارا من أعلى أمريكا الشمالية إلى سفح الجنوبية
قضيا شهر العسل على متن الدراجة في المغرب حيث تجولا في معظم مدنه
ساندرا: يعتقد البعض أننا مجانين لكنهم لا يعرفون حجم المتعة عندما تطوف العالم بدراجة
ترجمة - كريم المالكي:
يتهمونهما البعض من الناس بالجنون لكنهما يسخران من ذلك ويصران على ان المتعة التي تحققت لهما لا يمكن ان توصفها الكلمات ولا يمكن لها ان تتحقق من دون ركوب التحدي . ومع ان القرار في ركوب هكذا نوع من المغامرة كان في غاية الصعوبة لانهما قد بلغا الخمسين من العمر لكن الزوجين " ساندرا روبنسون برايان" قررا اعتزال العمل الوظيفي والتفرغ التام من اجل ان ينطلقا في رحلة العمر او كما اسماها الزوج بأنها حلمه، وهي تلك الرحلة التي خطط لها من اجل ان يمرا عبر أمريكا الشمالية نزولا إلى أمريكا الجنوبية.
كان الزوج يعمل مستشارا في مجال الطيران والزوجة معلمة وممرضة لكنهما عندما بلغا عقد الخمسين اتخذا قرارهما النهائي بالاستقالة من وظائفهما – والتفرغ لعيش حياتهما كما يبغيان أي إنهما قررا أن يكونا بمستوى رغباتهما التي ربما قد اجلاها لأسباب عديدة. وقبل كل شيء، لأنهما من الأشخاص الذين يعشقون المغامرة، فقد باعا ممتلكاتهما وأجرا بيتهما وانطلقا في ركوب مغامرة التي ربما لا يقدم عليها إلا من هم في سن الشباب فقط .لقد ركبا دراجتهما النارية ليقطعا مسافة بلغت 28000 ميل ليشاهدا من خلالها 14 بلدا.
عند إلقاء نظرة عابرة من خلال الواجهة الأمامية للدراجة النارية إلى تلك الثلوج التي تتساقط عند المرور عبر الجبال ، او عندما ينظران إلى السماء الزرقاء الصافية ولا شيء من حولهما سوى الطبيعة ، كانت الزوجة ساندرا روبنسون تشعر بحجم الإثارة والمتعة التي تعتريها وهي تعيش تلك التجربة المليئة بالاستكشاف والترقب لما سيحدث بعد أول منعطف في الطريق.
قبل أشهر من الرحلة كانت كأي امرأة سعيدة ومستقرة تعيش في منطقة ريفية في مدينة هامبشاير ، وكانت هي وزوجها برايان يتطلعان إلى الاحتفال بعيد ميلاده الخمسين . لقد تزوج الاثنان في نوفمبر تشرين الثاني 2008 ، وكان كل من ساندرا وبرايان، ذلك الزوج المهووس بالدراجات النارية ،يبحثان عن طريقة للاحتفال بهذه المناسبة المهمة جدا. وفي حزيران / يونيو من العام الماضي(2009) تخلى الزوج والزوجة ساندرا التي تبلغ من العمر 51 عاما عن وظائفهما ، وتركا بيتهما وممتلكاتهما لركوب مغامرة العمر. وكانا قد تركا، وهما يغادران بريطانيا، وراءهما حياتهما المريحة لينطلقا في أطول رحلة على متن دراجة نارية في العالم، قطعا خلالها 28000 ميل ومرا خلالها في 14 بلدا وأخذتهما تلك الرحلة من أعلى أمريكا الشمالية إلى سفح أمريكا الجنوبية. وبالتأكيد ان الزوجين روبنسون ليسا الوحيدين اللذين يحققان الرغبة التي استحوذت على معظم حياتهما وهما في سن الخمسين.
الخمسينات أفضل عمر
لقد اظهرت البحوث مؤخرا ان بلوغ سن الخمسين ينبغي أن يبشر في بداية أفضل سنوات حياتك. في الخمسينات يصبح الشخص متحررا من ضغوط الوظيفة والعائلة بحيث ان من هم في الخمسين واكثر بسنوات قادرون على الاستمتاع بالحياة إلى أقصى ما فيها حسبما ذكرت مجموعة من الباحثين من جامعة ستوني بروك في ولاية نيويورك.
وتوضح ساندرا ان برايان من النوع المهووس بشكل كامل بالدراجة وسرعان ما جعلني ايضا ان ادمن بما فيه الكفاية على هذه الهواية ،لقد قضينا شهر العسل ونحن على متن دراجة حيث تجولنا في المغرب.أنا أحب الحرية وتلك المتعة المتحققة من قيادة الدراجة النارية."
وبسبب الحماس الذي كان يطغى على ساندرا تجاه هوايته المفضلة أفصح برايان لها عن حلمه ، والرحلة التي يخطط لها لاستكشاف الأمريكتين.
وأضافت ساندرا "اعتقد انه كان يتوقع مني أن أكون حذرة من خطته لكنها بدت لي وكأنها تجربة العمر التي تحدث لمرة واحدة ". ومع ذلك كانت هناك أمامنا عقبات.
وكان كل من برايان، الذي يعمل مستشارا في مجال الطيران وساندرا التي تعمل ممرضة ومعلمة يدركان أن فرص تأمين ثمانية أشهر من التفرغ لتحقيق حلمهما كانت أشبه بالمعدومة وهو الأمر الذي جعلهما ينتهزان الفرصة ومن ثم تركا وظائفهما. وللمساعدة في تمويل الرحلة بواسطة الدراجة النارية باعا ممتلكاتهما. والأهم في ذلك ان الاموال التي تم الحصول عليها من بيع الأثاث والملابس والالكترونيات - وحتى البيت الذي عرض للإيجار – قد ذهبت كلها لصالح القيام بالمغامرة.
مجانين بحب المتعة
وتقول ساندرا: يعتقد بعض الناس أننا مجانين، وبالطبع نحن قلقون من هكذا رحلة فضلا عن انه كان قرارا كبيرا عندما اتخذناه، كما أنه كان من الأسهل بكثير بالنسبة لنا البقاء كما كنا، لكن في اللحظة التي وصلنا بها إلى الطريق وجدنا أن الأمر كان يستحق كل ذلك بسبب حجم المتعة المتحققة ".
انطلقا من برودو باي في ألاسكا الشمالية ، في حزيران / يونيو 2009 ، وسافرا من خلال الأنهار الجليدية المذهلة ومرا عبر أخاديد الثلوج المتناثرة ،وواجها الدببة في بعض الأماكن. وتقول ساندرا "كنا على طول الطريق نشعر بذلك البرد القارص الذي يجعلنا نتجمد لكننا كنا نهادن أنفسنا في التفاعل مع جمال ما كنا نرى . وذات مرة سرعان ما أوقف برايان الدراجة ،وحينما نظرت في الاتجاه الآخر شاهدت دبا عملاقا كان يصوب نظراته الينا . وأضافت "كنا غير متأكدين مما يجب القيام به لكننا توقفنا الى الحد الذي انقطعت فيه انفاسنا ، وبقينا في جمود تام وكأننا فارقنا الحياة ، وتشبثنا ببعضنا البعض لأننا نعرف ان الدببة يمكن ان تكون قاتلة لكن لحسن الحظ ان الدب نقل خطاه بتثاقل نحو الغابة."
واستمرا برحلتهما نحو الجنوب حيث قاما بجولة الحدائق الوطنية في أمريكا ومن ثم قاما بزيارة لجراند كانيون. وبعد أن مرا في طريقهما عبر المكسيك قضى الزوجان شهرين عبر طرق غواتيمالا المحفوفة بالمخاطر، ومرا من عند ضباط الحدود الذين يتعاملون بالرشوة في هندوراس ، ومن ثم عبرا الى بيرو في نوفمبر تشرين الثاني. وبعد أيام من وصولهما تم ايقافهما من قبل شرطي بدعوى التجاوز الخاطئ لشاحنة ، وقام الضابط الفاسد بفصل بريان وساندرا عن بعضهما ، وأراها شرطي آخر صورا غريبة من حوادث المرور التي تقع على الطرق في حين قام الأول بإقناع برايان بدفع الرشوة. وتقول ساندرا كنا نتوقع مثل هذه الحوادث ولكن الى ان حدثت تلك الواقعة لم نكن نقدر كم هي مخيفة. كنا خائفين جدا بحيث انه في تلك اللحظات لا تريد ان تفكر الا في ان تكون في وطنك".
البقاء على قيد الحياة
وكان الأسوأ هو ما يخبئه المستقبل لهما . وتوقع ساندرا وبرايان ان الانطلاق من بونو ، التي تقع جنوب شرق بيرو الى قرية موكويجوا ،سيكون رحلة سهلة جدا . وتقول ساندرا :ان طول الطريق كان 160 ميلا ، وكانت أول 90 دقيقة في الرحلة رائعة . الطريق لم يكن جيدا ، وكنا نشعر بالتعب لأننا قد صعدنا الى 4000 قدم فوق مستوى سطح البحر ثم وبدون سابق إنذار ، انتهى الطريق المبلط بالإسفلت وتحول الى مسار رملي ، وواصلنا الصعود نحو الأعلى لكن الدراجة اصبحت لا تستطيع التحرك في الرمال ، وأخذنا بالتباطؤ إلى أن توقفنا تماما ومن ثم هوت الدراجة ، وسقطت على ساقي . حاولنا الضغط على مكان الاصابة لكني كنت اشعر بألم شديد ".
ويضيف برايان: "كنت أعلم أننا في ورطة، لان الارتفاع كان فظيعا ، ودرجة الحرارة أخذت بالانخفاض كما ان وقودنا بدأ بالتسرب في الرمال. وهنا نصب الزوجان الخيمة التي يحملانها لحالات الطوارئ ، وقررا قضاء الليل في المكان نفسه ، وليرا ما اذا كان يشعران على نحو أفضل في الصباح. ويقول برايان : لقد بدأنا بالاستقرار في ذلك المكان لكن سرعان ما انخفضت درجة حرارة جسمنا. كنا نشعر ان الوطن بعيد جدا ، وكل ما كنا نخشى هو كيفية المحافظة على أرواحنا ". ولحسن الحظ ان اثنين من راكبي الدراجات النارية في بيرو تصادف ان مرا بالزوجين روبنسون واخبراهما من إنهما إذا خيما هناك الليلة فإنهما لن يبقيا على قيد الحياة. ولم يكن هناك أي خيار أمام الزوجين سوى ان يقفلا راجعين عبر نفس الطريق الذي جاءا منه توخيا للسلامة.ولولا نصيحة راكبي الدراجة النارية لكانا في عداد المفقودين.
ويقول برايان " فقط عندما كنا نجلس ونتحدث عن كل شيء عندها كنا ندرك حقا كيف لنا ان نبقى على قيد الحياة وقد مررنا بكل هذه المطبات والمفاجآت " ولكن على الرغم من أن التجارب في بيرو كانت رهيبة لكن كان يمكننا أن نرى دائما الصورة الأكبر وهي كم كانت هذه الرحلة مدهشة ،كما كنا نركب الخيول البرية خلال مرورنا بالريف التشيلي ، وحلقنا في طائرة هليكوبتر فوق جبال الأنديز ، وزرنا المناطق الاثرية في ماتشو بيتشو ، وأكلنا بعض الانواع من الاعشاب البرية".
ثمانية أشهر طول الرحلة
وبعد ثمانية أشهر من انطلاق رحلتهما حيث وصل الزوجان الى أوشوايا في جنوب الأرجنتين. وكان على تلك الرحلة ان تضع نهاية لها ،حيث حان وقت العودة الى الوطن. والآن وبعد أن عادا الى تراب الوطن انطلقا الزوجان للبحث عن فرص عمل جديدة لكنهما لا يستطيعان إخفاء الإثارة التي كان يعيشانها لاسيما عندما يتحدثان عن الحياة التي كانا يشاهدنها على الطريق اثناء مسيرهما على متن الدراجة.
وتقول ساندرا: هذه الرحلة قد غيرت وجهة نظرنا في كل شيء ، وفتحت أعيننا ونحن في سن الخمسين على ان الحياة والمتعة والمغامرة لا يمكن لها ان تركن عند عمر معين .وتضيف ساندرا: نحن من الأشخاص الذين ينظرون الى المسائل المادية نظرة ثانوية هي أنها لا تدخل في حساباتنا الرئيسية ونحن لا ندع الأشياء الصغيرة تؤثر علينا ، ونحن لا نعرف ما الذي يخبئه المستقبل لنا ولكننا نريد من الناحية المثالية ان نواصل الترحال والسفر لأننا جئنا الى الحياة لكي نعيش، لكي نغامر، لنخرج اليها ونستكشفها و نعيشها ".
عن الديلي اكسبريس البريطانية