لماذا تحولت حركته الى أكثر القوى تأثيرًا على مستقبل الإسلام في العالم؟
لديه حوالي 1000 مدرسة في حوالي 100 دولة ، من ملاوي إلى أمريكا
بيل بارك :"جولين نشر نوعًا من' الإسلام التعليمي 'بدلا من' الإسلام السياسي "
ترجمة وإعداد - كريم المالكي:
لابد من وضع السؤال الذي طرحته مجلة التايم الأمريكية كما هو :"كيف لرجل دين تركي يعيش في الولايات المتحدة وتحديدًا في بنسلفانيا ان يبني شبكة من المدارس التي تغطي العالم، وفي الوقت نفسه تمتلك واحدًا من أكبر القوى الكامنة في الإسلام الحديث، وتعمل على توسيع دور الإسلام في الحياة العامة؟" وفي تقريرها أجابت المجلة وبشيء من التفصيل عن هذا السؤال وسلطت الضوء على "فتح الله جولين" الذي يعتبره الكثير من الباحثين أبو الإسلام الاجتماعي. لقد أسس وتزعم "حركة جولين"، وهي حركة إسلامية تمتلك مئات المدارس في تركيا، ومئات المدارس الدينية خارج تركيا، بدءا من جمهوريات آسيا الوسطى، وروسيا وحتى المغرب وكينيا واوغندا، مرورا بالبلقان والقوقاز. وتملك الحركة أيضا صحفها ومجلاتها وتلفزيوناتها الخاصة، وشركات خاصة وأعمالا تجارية ومؤسسات خيرية.
ولكن على الطرف الآخر هناك من يذهب الى القول إن رجل الدين التركي المعتدل يثير حيرة الكثيرين ، كما يثير العديد من علامات الاستفهام عما إذا كان يمثل سماحة الإسلام واعتداله ودعوته للسلام العالمي أو عما إذا كان جولين وحركته مجرد محاولة لتمرير الشريعة الإسلامية إلى حكم تركيا العلمانية. وقد تجددت هذه الحيرة بعد أن حصل على المركز الأول في استفتاء أجرته كل من مجلة فورن بوليسى الأمريكية ومجلة بروسبكت البريطانية حول أهم مائة مفكر في العالم.
الانطلاقة الحقيقية كانت في أكتوبر 1992 عندما تفكك الاتحاد السوفييتي وسادت الفوضى أراضيه السابقة حيث كانت هناك ثلاث رحلات في الأسبوع ، لطائرة روسية متهالكة تكون مليئة بالمسلمين الشبان المتدينين تنطلق من اسطنبول الى عواصم آسيا الوسطى عبر السهول المنخفضة القاحلة. وكان هؤلاء الرجال على قدر من النظافة، ويرتدون بدلات سوداء وربطات عنق توحي أنها لأغراض مهمة. وهذه هي أول مرة يخرجون بها معظمهم من مسقط رأسهم ، ناهيك عن صعودهم على متن طائرة ، ولكن هذا هو ولاؤهم لجولين فتح الله ، الإمام المسلم التركي الذي يقدسونه . ويقول جولن "إنهم يطيرون بشوق نحو هذه البلدان التي هي تحررت حديثا ، تعبيرا عن الأخوة لدينا." الطيران والانطلاق نحو تلك البلدان هو ما فعلوه. لقد انتشر مئات من المدرسين المتطوعين في أنحاء جمهوريات آسيا الوسطى الخمس. وكانت هذه بداية الحركة العالمية التي هي الآن احد اكثر القوى في مستقبل الإسلام في جميع أنحاء العالم. هناك ما يقدر بـ 1000 مدرسة تابعة لجولين في حوالي 100 دولة -- من ملاوي إلى الولايات المتحدة -- وتقدم مزيجا من الإيمان الديني وإلى حد كبير المناهج الدراسية الغربية. وجميع هذه المدارس هي مستوحاة من فكرة جولين ، الداعية المتقاعد الذي يشرف على المدارس – وعلى امبراطورية تجارية ملكيتها تصل الى مليارات الدولارات – ومن كان غير متوقع ألا وهو ريف بنسلفانيا .
قصة مدرس
وكمثال حي تقدم التايم قصة المدرس عبد الرحمن سيل الذي انخرط في العمل مع مدارس جولين .كان طويل القامة ، نحيفا ، ويتحدث بلهجة أمريكية سلسة ، عندما تقدم عبد الرحمن سيل ،مدرس الكيمياء، الى حركة جولين عندما كان طالبا في المدرسة الثانوية في اسطنبول. وكان والده يعتقد ان طبيعته الثرثارة من شأنها أن تجعل منه محاميا جيدا ، ولكن سيل أُلهمَ ليصبح مدرسا لان جولين يرى أن التعليم أعلى شكل من أشكال الخدمة. ويعتقد جولين ان السبيل الوحيد من أجل بقاء الإسلام واستعادة مكانته في الحياة العامة ، من خلال "الجيل الذهبي" الجديد الذي يمكنه الجمع بين التفكير العلمي الغربي والمعتقدات الدينية. ومن هنا كانت المدارس التي تبنى فكرتها. وقع سيل على عقد العمل في آسيا الوسطى في عام 1993 ، وتوجه الى شيمكنت ، وهي مدينة في جنوب كازاخستان. ويستذكر سيل :"لم تكن حتى على الخريطة أو في الموسوعة ، لم يكن هناك إنترنت في ذلك الوقت ، وكنت متخرجا للتو من الجامعة ، وكنت عزبا،ومغامرا كبيرا، إلى جانب اننا مدينون الى شعوب آسيا الوسطى بدين أخلاقي ، كونهم اخواننا.ان العديد من الأتراك ينظرون الى آسيا الوسطى على اساس انها أرض آبائهم وأجدادهم فضلا عن المشتركات الاخرى مع شعبها كالدين والعرق واللغة.
ومن "ألماتي" عاصمة كازاخستان سافر سيل بواسطة الحافلة ومن ثم ركب سيارة مشتركة الى مدينة مناجم كئيبة ولا يوجد فيها سوى مبنى لمدرسة تبرعت به السلطات الكازاخستانية.
ويقول سيل : "لم يكن هناك تدفئة ،وبقيت لمدة شهور أقوم بالتدريس وانا ارتدي قبعة من الفرو وقفازات تقياني من البرد . كنا نقضي عطلة نهاية الأسبوع بخلط الاسمنت ، ووضع الطابوق . في البداية كان السكان المحليين حذرين منا نحن الغرباء الذين لا نتحدث بلغتهم ، والذين نرتدي ربطة العنق ، وفي عطلة نهاية الأسبوع يرفضون شرب الفودكا كما تشرب في كل مكان المياه. كان الجميع يتوقعون منا الرحيل بعد بضعة أشهر ولكن عندما اعتنقت يقينا احتضنونا". ويعمل سيل حاليا مديرا لـ28 مدرسة ثانوية في كازاخستان ،علما انها لم تكن سوى ثلاث مدارس عندما وصل أول مرة . والدخول يحتاج الى امتحان تنافسي. وفي هذا العام تقدم 30000 طالب بطلب للحصول على 1400 مقعد، وكان قد تحدث الى الجميع في العاصمة "ألماتي " من مصمم الأزياء الى الثري الذي يعمل في البناء ،يرغبون في تسجيل أطفالهم، وحتى أبناء اخت رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف من بين الطلاب الذين يدرسهم سيل. واللافت ان جولين ( 68 عاما) الإمام متقاعد الذي يقف وراء هذا المشروع الضخم لم يزر آسيا الوسطى.. لقد كانت مهمته في الحياة خلق نخبة مسلمة جديدة في تركيا ، لها خبرة واسعة في مجال العلم والتكنولوجيا ، وناجحة في اقتصاد السوق الحر على مستوى العالم ، والذي ما زال حتى الان مكرسا نفسه لها . اما المدارس - فهي مستقلة – لذلك فإنها من الناحية الفنية تقوم بتدريس منهج اللغة الإنجليزية الغربية من خلال التأكيد على العلوم والرياضيات في الصفوف وعلى معايير قيم العائلة المسلمة المحافظة في خارج المدرسة . وفي عصر كانت فيه معظم المدارس الدينية تصارع المدارس التركية، المعروفة، بازدهارها.
ويقول بيل بارك ، وهو محاضر في كلية الملك للدراسات الدفاعية ، في لندن ، التي تغطي تركيا "ان جولين نشر نوعا من' الإسلام التعليمي 'بدلا من' الإسلام السياسي ". ومن خلال المدارس ،لقد أعرب جولين عن أمله في التأثير ليصوغ الحداثة في الاسلام". وهنا لابد من الوقوف على هذا الرجل الذي يعيش حياة التقشف في ولاية بنسلفانيا ، حيث يقيم منذ عام 1999 لأسباب طبية ، وليتجنب مواجهة تهمة السعي لقلب نظام الحكم العلماني في تركيا
حياته
والده (رامز أفندي) شخص مشهود لـه بالعلم والأدب والدين، وكانت والدته (رفيعة خانم) سيدة معروفة بتدينها وبإيمانها العميق بالله، وقامت بتعليم القرآن لابنها محمد ولما يتجاوز بعد الرابعة من عمره، حيث ختم القرآن في شهر واحد. وكانت أمه توقظ ابنها وسط الليل وتعلمه القرآن.
كان بيت والده مضيفًا لجميع العلماء والمتصوفين المعروفين في تلك المنطقة لذا تعود محمد فتح الله مجالسة الكبار والاستماع إلى أحاديثهم. وقام والده بتعليمه اللغة العربية والفارسية.
درس في المدرسة الدينية في طفولته وصباه، وكان يتردد إلى (التكية) أيضًا، أي تلقى تربية روحية إلى جانب العلوم الدينية التي بدأ يتلقاها أيضًا من علماء معروفين من أبرزهم عثمان بكتاش الذي كان من أبرز فقهاء عهده، حيث درس عليه النحو والبلاغة والفقه وأصول الفقه والعقائد. ولم يهمل دراسة العلوم الوضعية والفلسفة أيضاً. في أثناء أعوام دراسته تعرف برسائل النور وتأثر بها كثيراً، فقد كانت حركة تجديدية وإحيائية شاملة بدأها وقادها العلامة بديع الزمان سعيد النورسي مؤلف (رسائل النور).ومع تقدمه في العمر ازدادت مطالعاته وتنوعت ثقافته وتوسعت فاطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها وعلى الفلسفة الشرقية أيضاً وتابع قراءة العلوم الوضعية كالفيزياء والكيمياء وعلم الفلك وعلم الأحياء.
وعندما بلغ محمد فتح الله العشرين من عمره عيّن إماماً في جامع (أُوجْ شرفلي) في مدينة أدرنة حيث قضى فيها مدة سنتين ونصف سنة في جو من الزهد ورياضة النفس. وقرر المبيت في الجامع وعدم الخروج إلى الشارع إلا لضرورة. لقد بدأ عمله الدعوي في أزمير في جامع (كستانه بازاري) في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع. ثم عمل واعظاً متجولاً، فطاف في جميع أنحاء غربي الأناضول. وفي خطبه ومواعظه كان يربي النفوس ويطهرها من أدرانها، ويذكرها بخالقها وربها ويرجعها إليه. كانت النفوس عطشى، والأرواح ظمآى إلى مثل هذا المرشد الذي ينير أمامها الطريق إلى الله تعالى وإلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وكان يجوب البلاد طولاً وعرضاً كواعظ متجول يلقي خطبه ومواعظه على الناس في الجوامع. كما كان يرتب المحاضرات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية.
ويعقد الندوات والمجالس واللقاءات الخاصة يجيب فيها عن الأسئلة الحائرة التي تجول في أذهان الناس والشباب خاصة ولا يعرفون لها أي جواب مما كان يلقي بهم في مهالك الشبهة والإلحاد. فكانت أجوبته هذه بلسماً شافياً لعقول وقلوب هؤلاء الشباب والناس ما جعلهم يلتفون حوله ويطلبون إرشاداته. كما حثّ أهل الهمة والغيرة على الاهتمام بمجال التعليم. ونتيجة لذلك قام هؤلاء الذين استفادوا من أفكاره - دون انتظار أي نفع مادي أو دنيوي - وضمن إطار القوانين المرعية في تركيا بإنشاء العديد من المدارس والأقسام الداخلية، وبإصدار الجرائد والمجلات وإنشاء المطابع وتأليف الكتب ومحطة إذاعة وقناة تلفزيونية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي انتشرت هذه المدارس في العالم بأسره، خاصة في دول آسيا الوسطى التي عانت من الاحتلال الروسي ومن الإلحاد الشيوعي سبعين عاماً تقريباً.
التسامح والحوار
بعد عام 1990 بدأ الأستاذ فتح الله بحركة رائدة في الحوار والتفاهم بين الأديان وبين الأفكار الأخرى متسمة بالمرونة والبعد عن التعصب والتشنج، ووجدت هذه الحركة صداها في تركيا ثم في خارجها. ووصلت هذه الحركة إلى ذروتها في الاجتماع الذي تم عقده في الفاتيكان بين الشيخ فتح الله وبين البابا إثر دعوة البابا لـه. لقد آمن بان العالم أصبح - بعد تقدم وسائل الاتصالات- قرية عالمية لذا فان أي حركة قائمة على الخصومة والعداء لن تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية، وأنه يجب الانفتاح على العالم بأسره، وابلاغ العالم كله بان الإسلام ليس قائماً على الإرهاب - كما يصوره أعداؤه- وان هناك مجالات واسعة للتعاون بين الإسلام وبين الأديان الأخرى.
أبو الإسلام الاجتماعي
كان فتح الله جولين هو أبو الإسلام الاجتماعي وهو توجه يقف على العكس من نجم الدين أربكان الذي يعد أبو الإسلام السياسي في تركيا . فهو مؤسس وزعيم "حركة جولين"، وهى حركة دينية تمتلك مئات المدارس في تركيا، ومئات المدارس الدينية خارج تركيا، بدءا من جمهوريات آسيا الوسطى، وروسيا وحتى المغرب وكينيا واوغندا، مرورا بالبلقان والقوقاز. كما تملك الحركة صحفها ومجلاتها وتلفزيوناتها الخاصة، وشركات خاصة وأعمالا تجارية ومؤسسات خيرية. ولا يقتصر نشاط الحركة على ذلك بل يمتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دول العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي وامريكا، بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية من اجل دراسة الحركة وتأثيرها وجذورها الثقافية والاجتماعية.
منهجه
ما تتميز به حركة جولين عن باقي الحركات الإسلامية في المنطقة والعالم هي أنها غالبا تلقى ترحيبا كبيرا من الغرب. إذ تعتبر هي "النموذج" الذي ينبغي ان يحتذى به بسبب "انفتاحها" على العالم، وخطابها الفكري. فمثلا إذا كان أربكان يرى أمريكا عدوا للعالم الإسلامي بسبب تحكم "الصهيونية العالمية" في صنع القرار فيها، فإن جولين يرى ان امريكا والغرب عموما قوى عالمية لابد من التعاون معها. وإذا كان أربكان يرى ضرورة الوحدة بين العالم الإسلامي، وهي الافكار التي بلورها عمليا في تأسيسه مجموعة الثماني الإسلامية، فإن جولين لا ينظر إلى العالم العربي وإيران بوصفهما المجال الحيوي لتركيا، بل يعتبر القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان هي المجال الحيوي لتركيا، فهذه البلدان تضم أقليات تركية مهمة، وهو يرى انه إذا كان لتركيا يوما ما ان تعود لمكانتها بوصفها واحدة من أهم دول العالم، كما كانت خلال الدولة العثمانية، فلابد من نفوذ قوي لها وسط الاتراك في كل مكان في العالم. لكن جولين من البراغماتية والذكاء بحيث لا يستخدم تعبير "القيادة التركية" في المنطقة، كما لا يدعو إلى استقلال الأقليات التركية في وسط آسيا، ولا تمارس جماعته أنشطة تعليمية في البلاد التي يمكن ان تتعرض فيها الأقلية التركية لمشاكل من قبل النظم الحاكمة مثل الصين وروسيا واليونان.
وأول ما يلفت النظر في جولين هو أنه لا يفضل تطبيق الشريعة في تركيا، ويقول في هذا الصدد ان الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، فيما الاقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وانه لا داعي لتطبيق احكام الشريعة في الشأن العام. ووفقا لهذا يعتقد جولين ان الديمقراطية هي أفضل حل، ولهذا يكن عداء للأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي. ازدهرت حركة فتح الله جولين في إطار انتعاش الحركات والطرق الدينية في تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي. فبعد الانقلاب العسكري بقيادة كنعان افرين عام 1980، والقرارات التي اتخذتها الحكومة العسكرية والمتعلقة بتحرير الاقتصاد وخصخصة الإعلام وإتاحة حرية عمل أكبر، للمنظمات المدنية بما في ذلك الجماعات الدينية، بدأت الطرق الدينية في الازدهار ومنها "طريقة النور" التي أسسها الصوفي التركي سعيد النورسي (1873- 1960) والتي خرجت منها وتأثرت بها لاحقا حركة جولين. وجوهر فلسفتها ايجاد مجتمع إسلامي ملتزم، لكن في الوقت نفسه متلهف للمعرفة والتكنولوجيا الحديثة والتقدم لإنهاء تقدم العالم الغربي على العالم الإسلامي. واليوم يقترن اسم فتح الله جولين بمصطلح الإسلام التركي المتنور أو المعتدل، إذ حاول فتح الله جولين مع مؤيديه تأسيس حركة دينية سياسية اجتماعية حديثة تمزج الحداثة، بالتدين بالقومية بالتسامح بالديمقراطية. ووضع الإسلام والقومية والليبرالية في بوتقة واحدة. وكتبت الكثير من الدوريات الغربية عن جولين تصوره كزعيم حركة اجتماعية إسلامية قومية غير معاد للغرب، ووجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط، لكن معارضيه يقولون عنه انه الخطر الحقيقي على العلمانية التركية، ويتهمونه بمحاولة تقويض العلمانية التركية عبر أسلمة الممارسات الاجتماعية للأتراك.
خروجه من تركيا
في الحقيقة ليس هناك سبب علني رسمي لأسباب مغادرة جولين تركيا إلى امريكا. لكن متاعب جولين مع السلطات التركية بدأت في 18 يونيو(حزيران) عام 1999 عندما تحدث في التلفزيون التركي، وقال كلاما اعتبره البعض انتقادا ضمنيا لمؤسسات الدولة التركية. وبعد ذلك بدأ المدعي العام للدولة تحقيقا في تصريحات جولين، وساعتها تدخل رئيس الوزراء التركي انذاك بولنت اجاويد ودعا الدولة إلى معالجة الأمر بهدوء، بدلا من فتح الموضوع للنقاش على المحطات التلفزيونية التركية، كما دافع عن جولين وعن مؤسساته التعليمية وقال: "مدارسه تنشر الثقافة التركية حول العالم، وتعرف تركيا بالعالم. مدارسه تخضع لإشراف متواصل من السلطات". بعد ذلك اعتذر جولين علانية عن تصريحاته، إلا أن بعض العلمانيين ظلوا متشككين في أهدافه، ولاحقا وجهت له اتهامات بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش. بعد تلك الأزمة حدثت أزمة لقطة الفيديو الشهيرة التي بثت على اليوتيوب وظهر فيها جولين وهو يقول لعدد من أنصاره أنه سيتحرك ببطء من اجل تغيير طبيعة النظام التركي من نظام علماني إلى نظام إسلامي، كما تحدث عن نشر الثقافة التركية في أوزبكستان، ما اثار موجة غضب في الجيش التركي وباقي المؤسسات العلمانية في البلاد. كما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين تركيا وأوزبكستان دفعت بولند اجاويد للتدخل مجددا في محاولة لحلها. وقال أجاويد:الرئيس الاوزبكستاني لديه مخاوف غير مبررة تتعلق بتركيا. تركيا لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأوزبكستان. لا يمكن أن نسمح بالإساءة إلى العلاقات بين البلدين بسبب مخاوف غير ضرورية". لكن أوزبكستان قررت إغلاق عدد من المدارس التابعة لجولين. ويبدو انه خلال هذا الوقت كانت المؤسسة العلمانية في تركيا بدأت هي أيضا تستشعر قلقا متزايدا من جولين ومؤسساته التعليمية، فأصدرت هيئة التعليم العالي في تركيا قرارا يقضي بعدم الاعتراف بالشهادات العلمية التي تعطيها مدارس جولين، لكن هذا القرار كان مؤقتا.لكن جولين يقول إنه مقيم في أمريكا بسبب العلاج.
للحركة وجهان
إن حركة جولين لها وجهان. اولهما الاندفاع في الخارج ، إلى حد كبير في ظل أنظمة علمانية ،لتتجه نحو النضج والتسامح. ومما لا شك فيه ان الرجال الشباب الذين يديرونها يلتزمون بمعان صارمة. كما ان صناع القرار فيها جميعهم من الرجال ، ونادرا ما تعمل زوجاتهم. وهم يؤمنون بحقيقة ورؤية واحدة ان أي شخص آخر في حاجة إلى إنقاذ. لكنهم يعلمون أيضا الأطفال من جميع الأديان ، ويشاهدون لعبة الكونغ فو مع طلابهم ، وغالبا ما يتحدثون الروسية بطلاقة ويقفزون فوق النيران في اعياد نوروز وهو من التقاليد المرفوضة حسب تعاليم الدين الاسلامي، ويقول سيل "إذا كانت الشعوب خائفة منا فهذا يعني اننا لا نستطيع ان نقدم أنفسنا. ان الحكم على أسلوب حياة شخص ما يرجع الى الله ، وليس لي". اما في تركيا فإن الحركة معزولة ،وتتزايد من حولها شكوك من أنها تحوي أجندة سياسية غامضة.، ويقول كوليدج بارك المحاضر بكلية الملك "على احد المستويات لديك أنشطة كتلك التي في المدرسة والتي من الصعب عدم الإعجاب بها". "ثم هناك العنصر السياسي، الذي يثير الشكوك لأنه حافل وسري ولا أحد يعرف حقا الى اين يصل الأمر". ويقول جولين انه يعارض الثيوقراطية ، ولكن مؤيديه يشيرون إلى أنهم يرغبون في مساحة إضافية للإسلام في الحياة العامة. ولكن كيف يتحقق ذلك؟ إن شكل مستقبل العلمانية في تركيا -- والعالم الإسلامي – يمكن ان يقف عليه الجواب.
عن مجلة التايم الأمريكية