عباس رافعاً، خلال خطابه أمام الجمعية العامة، نسخة من الطلب الذي قدمه لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
لندن ـ زكي شهاب
كشفت أوساط قطرية مطلعة لـ"العرب اليوم" تفاصيل مثيرة عن أسباب رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس التوجه بطلب العضوية لدولة فلسطين في الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة للمنظمة الدولية، ثم مجلس الأمن الدولي، رغم الدعم العربي الكبير للقيام بالخطوتين لحصد انتصار معنوي نتيجة الإجماع المتوقع في الجمعية العامة. إذ تبين ، وفق محاضر سرّية، إطلع عليها "العرب اليوم"، لاجتماع بين عباس ومسؤولين أميركيين، أنه أصرّ في اللقاء على خطوته، لكنه شاور ومحاوريه، إلى أيهما يذهب: الجمعية العامة، أم مجلس الأمن، فحذره أحد المسؤولين، وهو مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دينيس روس، من أن الخيار الأول "خط أحمر"، فرضخ "أبومازن"، وذهب إلى الخيار الثاني.
وقالت المصادر إن اجتماعات لجنة المتابعة العربية، التي انعقدت في القاهرة والدوحة في أيلول/سبتمبر الماضي لهذه الغاية، تخللها نقاشات حادة بين الرئيس محمود عباس وكبار مستشاريه، ومسؤولين عربًا بشأن جدوى التوجه إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن، وكان هناك استغراب واضح لتمسك "أبو مازن" بالذهاب إلى مجلس الأمن دون غيره، وقال اكثر من وزير خارجية للرئيس محمود عباس "لنذهب أولا إلى الجمعية العامة، ونحظى بانتصار معنوي، قبل أن نذهب إلى مجلس الأمن الدولي، لتقديم طلب العضوية الفلسطينية".
وكشفت المصادر عن أن عباس أبلغ المسؤولين العرب، بأنه شخصيًا لا يضمن أكثر من دعم تسع دول لطلبه، الامر الذي حدا بأحد الوزاراء الخليجين للتساؤل أمام الحاضرين "لماذا تُصِّر على الذهاب ما دمت تتحدث عن فيتو أميركي مضمون، وأن الخطوة تنتهي هناك. فلنذهب إلى الجمعية العامة، ونحقق انتصارًا مضمونًا هناك ثم نتوجه بعدها إلى مجلس الأمن".
لكن أبو مازن تمسّك بموقفه. وفي الاجتماع التالي، تمت إثارة التساؤلات نفسها رغم اقتراح لجنة المتابعة العربية الذهاب إلى الجبهتين وليس واحدة دون الأخرى.
وفي الاجتماع الثاني. تم الاتفاق على التالي:
أولاً: إعلان التوجه إلى مجلس الأمن كورقة ضغط على الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، وخلال ذلك يتم التوجه أيضا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتغيير الوضع القانوني والسياسي لدولة فلسطين حتى يتسنى لها المشاركة في عضوية المنظمات الدولية، وفي مقدمها المحكمة الجنائية الدولية، ما يعطي دفعة معنوية للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.
وربطت مصادر مطلعة لـ"العرب اليوم" سر تمسّك أبو مازن بالذهاب إلى الجمعية العامية للأمم المتحدة، بلقاء عقده مع القائم بأعمال مبعوث السلام الأميركي الخاص ديفيد هيل، ومسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دينيس روس، الذي وصفته المصادر بأنه كان لقاءً عاصفًا، وتخطى قواعد اللياقة الدبلوماسية ووفقا لمحضر الاجتماع الذي اطلعت عليه "العرب اليوم". فقد استهل ديفيد هيك اللقاء بقوله:" هذه هي المرة الثانية التي نضطر فيها للمجيء إلى هنا للاجتماع بسعادتكم. (هناك) فرصة جديدة للعودة إلى طاولة المفاوضات وفق جدول زمني".
فرد "أبو مازن" قائلاً: لا يوجد مفاوضات مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو. حاولت كثيرًا معه، لكنه لم يعطني إلا الكلام والاستمرار بمواصلة الاستيطان".
هيل: ولكن ليس لكم أو للإسرائيلين أي خيار آخر غير التفاوض، لأن غير ذلك يعني الفوضى.
هنا تدخل مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات قائلا:سيتحمل نتنياهو مسؤولية ذلك. نحن لا نريد فوضى ومواجهات، نحن نريد العودة إلى المفاوضات، وسبق وأبلغتكم قبل ذلك بموقف الرئيس بأنه يجب أن يتوقف الاستيطان قبل العودة إلى المفاوضات".
دينيس روس: "هذا منطقي، ولكنه ليس عمليًا، لأن حكومة نتنياهو ستسقط بذلك، لا سيما وأن (وزير خارجية إسرائيل أفيغدور) ليبرمان يُهدد بالخروج من الحكومة. ويا صائب، فاوضت خمسة عشر سنة من دون وقف الاستيطان ولم تكن تحث أن تتوقف المفاوضات. فما الذي تغير الان؟
صائب عريقات: "هذا غير دقيق. كنت دائما أطالب بوقف الاستيطان وهو أمر مسجل بالمحاضر.
روس: "بصراحة لم نقرأ ذلك في الوثائق التي نشرتها الجزيرة".
هنا تدخل عباس ليوقف الجدل بالقول "نطلب مرجعيات واضحة، ووقف الاستيطان، أو سنذهب إلى مجلس الأمن".
روس متسائلا: "مجلس الأمن أم الجمعية العامة ..؟ لأننا في مجلس الأمن سنقدم حق النقد الفيتو لأن قناعتنا (هي):المفاوضات هي أفضل من الذهاب إلى مجلس الأمن".
فتساءل أبو مازن: أنا سأذهب سأذهب، لكن من أفضل لكم مجلس الأمن، أم الجمعية العامة؟".
روس مجيبًا: التوجه إلى الجمعية العامة هو قنبلة موقوته، وذهابكم يعني أنكم ستذهبون إلى محكمة الجناية الدولية، وهذا أكثر من خط أحمر. أما مجلس الأمن فننصح بعدم الذهاب إليه وإذا أصريتم فسنستخدم حق النقد "الفيتو"".
ويبدو أن الرئيس عباس، إلى حدٍ كبير، والدكتور عريقات، بدا أنهما فهما أن الذهاب إلى المجلس الأمن أقل خطرًا من الذهاب الجمعية العامة، لأن الأمر سيتخطى عند ذلك الحد. أما إلى الجمعية العامة، فهذا يعني ان الامر سيخرج من يد الولايات المتحدة ونفوذها.
ولم تمر فترة وجيزة على زيارة هيل وروس إلى رام الله، حتى أعلن عباس، في خطاب ألقاه في رام الله، أنه مصر على الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، من دون ان يمر على ذكر الجمعية العامة، الأمر الذي فاجئ لجنة المتابعة العربية.
كما حاول أمير دولة قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي دعا الرئيس عباس إلى الدوحة، قبيل اجتماع لجنة المتابعة العربية في 14 أيلول/سبتمبر، إثارة موضوع الجمعية العامة، وقال له حرفيا " لديك فرصة لا تخسرها، ولا تفقدها بالذهاب إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن في آن معا".
لكن أبو مازن أصر على موقفه. وهنا طلب منه أحد الحاضرين إعطاء تفسير لذلك، فقال أبو مازن:"إن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قررت الذهاب إلى مجلس الأمن فقط".
فقال له الشيخ حمد بن خليفة: "إتصل بهم مثلما كان ليفعل (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرافات) أبو عمار ويأخذ موافقتهم"، فرفض عباس، وخاطبه أمير قطر قائلا "أنا ساقنع الجامعة العربية بالذهاب إلى الجمعية العامة إضافة إلى مجلس الأمن".
وفي المحصلة، تغلب إصرار الرئيس عباس، فذهب إلى مجلس الأمن حصرًا، واكتفى بالخطاب الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي اعتُبر بأنه كان تاريخيًا.
يذكر أن مجلس الأمن الدولي حدد موعدًا لاجتماع مندوبي الدول الأعضاء الـ 15 بعد أسبوعين من أجل التصويت على طلب العضوية الكاملة لفلسطين في مجلس الأمن، والذي يتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض الفيتو لإفشال المسعى الفلسطيني.