مناقشات ماوراء الكواليس تثير تساؤلات عن تقديم العطاءات وانعدام الشفافية
وثائق سريّة تكشف محاولة إنكلترا لإقناع قطر بالتصويت لملف 2018
روميو روفائيل من لندن
احتوت رسائل البريد الالكتروني السرية في محاولة انكلترا لإستضافة نهائيات كأس العالم 2018 التي حصلت عليها هيئة الإذاعة البريطانية أخيراً في إطار حرية طلب المعلومات، على نظرة ثاقبة لأنواع العروض والمناقشات التي كانت تجري في الفترة التي سبقت التصويت في نهاية العام الماضي في زيوريخ.
بينما لا يوجد شيء يثير الدهشة أو أسلوب غير مشروع، وربما أيضًا الكشف عن أن فريق عرض انكلترا 2018 كان يحاول استخدام دوق مقاطعة يورك الأمير أندرو للاستفادة من اتصالاته الملكية مع أمير دولة قطر لمساعدته على كسب الأصوات، فإنه من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت انكلترا قد حاولت التوصل إلى تحالف للتصويت مع الفائز في نهاية المطاف في سباق استضافة نهائيات كأس العالم 2022.
وهذا من المفترض، بطبيعة الحال، أن يكون ضد قواعد الفيفا، الذي أجرى تحقيقاً مع أسبانيا والبرتغال، وسمح لهما بعد ذلك بصياغة اتفاقهما الخاص مع قطر.
وعلى رغم أنه كان أكبر سرّ اكتشف في التصويت لنهائيات كأس العالم لعامي 2018 و2022، التي تزامنت في يوم واحد، إلا أن سيب بلاتر، رئيس الفيفا، كان عاجزاً عن منع أعضاء اللجنة التنفيذية من القيام بتبادل التصويت على العروض. وفي النهاية جاء في مصلحة العرض المشترك لأسبانيا والبرتغال، لكن النتيجة كانت أن الفيفا قرر عدم إجراء التصويت مستقبلاً على بطولتي نهائيات كأس العالم في يوم واحد.
لكن ما تكشفه هذه الرسائل يظهر أنه في حين أن فريق عرض انكلترا يُتهم بالسذاجة والإفتقار إلى عقل سياسي بعد الذل من الخروج من الدور الأول في كانون الأول/ديسمبر الماضي، كان المسؤولون عنه في الواقع يحاولون العمل من وراء الكواليس للحصول على التصويت لأكثر من عضو واحد، خصوصاً من قطر.
إذن، ماذا كانت الاستراتيجية التي خطط لها الفريق الانكليزي؟
أظهرت رسائل البريد الالكتروني كيف تحدث فريق انكلترا مع محمد بن همام، رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ونائب رئيس الفيفا، حول أفضل السبل لتأمين صوته. وكان لهذا الحديث مغزى، لأنه سيجلب معه صوتين على الأقل، وهما للتايلاندي وراوي ماكودي والمصري هاني أبو ريدة. لكن ابن همام أوضح أنه سيصوّت حسب الأوامر التي سيتلقاها من أمير قطر.
تأكد هذا من عدد من الرسائل الالكترونية التي حصلت عليها هيئة الإذاعة البريطنية، لاسيما واحدة بعث بها السفير البريطاني في قطر جون هوكنز في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 للمسؤول حكومي إدي سكانلون، والتي تم تعميمها على نطاق واسع بين موظفي الخدمة المدنية.
وبالتالي، ما هو الدور الذي قام به فريق عرض انكلترا ووزاتا الخارجية والصناعة والتجارة في محاولة لكسب صوت أمير قطر؟.
القناة الأكثر وضوحاً كانت من خلال الأمير وليام، رئيس اتحاد كرة القدم عضو في الأسرة المالكة المكلف التعامل مع الشؤون المتعلقة باللعبة الوطنية. وطبقاً للبروتوكول، فإنه كان في وضع يسمح له بالتحدث مباشرة مع أمير قطر وولديه، وأحدهم الشيخ محمد، الذي كان يقود المساعي الناجحة لإستضافة قطر لنهائيات كأس العالم.
لكن بدلاً من ذلك تقرر استخدام دوق مقاطعة يورك (الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم)، ما يوحي أن انكلترا كانت تحاول تأمين صوت حليف من خلال دور الأمير أندرو، بإعتباره الممثل الخاص لقطاع التجارة والاستثمار، الذي أكدته الرسائل الالكترونية من آلان كولينز المسؤول في وزارة الخارجية إلى أندرو كاهن الرئيس التنفيذي لهيئة التجارة والاستثمار، والتي ذكر فيها أن فريق عرض انكلترا طلب منه التحدث مع الأمير أندرو بأسرع وقت لمعرفة ما إذا كان مستعداً للسفر إلى قطر قبل 23 نيسان للتحدث مع أمير قطر.
وأضافت الرسالة "لم نستطع إقناع الدوق من السفر إلى الدوحة قبل 23 نيسان/أبريل، لكنه سيكون في منطقة الخليج للفترة من 4 إلى 10 أيار/مايو، وعلى رغم من أن برنامجه لا يشمل في الوقت الحاضر زيارة قطر، إلا أن الدوق مستعد لزيارتها ومقابلة أميرها إذا وافقت الخارجية البريطانية على ذلك.... يبدو أن هذا اقتراح معقول، وهو سيجتمع مع الشيخة موزة زوجة أمير قطر في الأسبوع المقبل أثناء وجودها في لندن، وهي على استعداد لمناقشة الموضوع مع أمير قطر وطلب دعمه".
وربما هنا جوهو الموضوع، حيث تؤكد الرسالة "في المحادثة مع عرض انكلترا قالوا لي أن الروس يوقعون الكثير من الصفقات التجارية مع قطر التي قد تؤثر على العائلة المالكة. وهذا يعني أن علينا أن نفعل الشيء نفسه".
والآن، ورغم أن كاهن يمضي إلى القول إن على أن المملكة المتحدة لا تستطيع، على الأرجح، عقد صفقات تجارية على نطاق واسع مع قطر لتأمين استضافة نهائيات كأس العالم (رغم أنه يضيف أنه سيأخذ المشورة بشأن الاقتراح)، إلا أن هذه المسألة جذابة لسببين:
أولاً، لأنها تدل على أن فريق عرض انكلترا كان يحاول تشجيع المسؤولين في محاولة لتأمين الدعم بطرق ما وراء الحجج التقنية الصرفة الواردة في عرضه.
وثانياً، فإنه يظهر – صواباً أم خطأ – أن هناك رأياً مفاده أن الروس كانوا يجرون صفقات تجارية مع البلدان الأعضاء والمؤثرين في الفيفا للفوز بإستضافة نهائيات 2018.
هذا ما لمحت إليه الوثائق في أماكن أخرى، على رغم أن كلاً المسؤولين في هيئة التجارة والاستثمار البريطانية والسفارة القطرية رفضا تماماً فكرة أن روسيا في وضع أفضل بأي حال من الأحوال لتأمين دعم أمير قطر عبر الاتفاقات التجارية. مشيرين إلى الروابط وثيقة بالفعل بين قطر وبريطانيا عن طريق عدد من الشركات العاملة في قطر.
بعد ذلك بوقت قصير، أوضحت رسالة بتاريخ 13 نيسان من مسؤولة في عرض انكلترا إلى آلن كولينز من وزارة الخارجية وأماندا ثيرسك من مكتب دوق يورك "نحن نتفق أن مكالمة هاتفية من الدوق لأمير قطر قبل 23 نيسان ستكون مفيدة جداً، حول ما دار في لقائه مع الشيخة موزة الأسبوع الماضي. ومع ذلك، فإننا نرى أن عقد اجتماع بين الدوق وأمير قطر (ومع فريق عرض مصغر رفيع المستوى) سترسل إشارة قوية عن مدى جديتنا حول الموضوع.... ونتيجة لذلك سنكون ممتنين لو أن الدوق يطلب أثناء مكالته الهاتفية عقد اجتماع مع أمير قطر مطلع أيار".
وأوضح مكتب الأمير أندرو لهيئة الإذاعة البريطانية قبل أيام عدة أن اتحاد كرة القدم طلب فعلاً من الدوق عقد اجتماع مع أمير قطر، لكن في النهاية لم يقم بأي محاولة لكسب التأييد.
وزيارة الدولة لأمير قطر إلى المملكة المتحدة في 26-28 تشرين الأول/أكتوبر، ولقاؤه مع الأمير تشارلز كانت تتطابق مع طموحات اتحاد كرة القدم، باعتبارها فرصة ممكنة للتوصل إلى اتفاق. وفي حين أكد ناطق باسم أمير ويلز أن اللقاء قد تم فعلاً، إلا أنه ادعى أنه لم تتم مناقشة عطاءات نهائيات كأس العالم.
وفي الوقت الذي كان اتحاد الكرة الانكليزي بحاجة إلى استخدام العائلة المالكة في محاولة لكسب تأييد قطر، إلا أنه لم يكن قادراً على اقناع الأمراء تشارلز وأندرو أو حتى وليام للاقتراب من التوصل إلى اتفاق.
في هذه الأثناء كانت المخاوف من تزايد ضغوط روسيا. إذ جاء في رسالة الكترونية أخرى من السفير البريطاني جون هوكينز هذه المرة إلى مسؤول آخر يدعى ستيفن تاونسند في 23 آب/أغسطس ما يلي "من وجهة نظر تجارية، فإن الروس هم الأكثر نشاطاً، وأنهم كانوا التهديد الرئيسي لانكلترا، كما أشار إلينا القطريون باستمرار، حيث كانت هذه رسالة من الشيخ محمد إليّ. وقد كان رئيس الوزراء القطري واضحاً مع رئيس الوزراء البريطاني عندما أكد أنه ينبغي مراقبة بوتين عن كثب".
وبالطبع، إدعى فلاديمير بوتين، رئيس وزراء روسيا، أن التصويت كان صحيحاً، حيث بقي بعيداً عن زيوريخ، ولعب على مخاوف الفيفا من الصحافة البريطانية، ثم جاء إلى مقر الفيفا بعد ساعات قليلة من انتصار بلاده للتشمس في المجد، وترك ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني محرجاً بحصول بلاده على صوتين فقط.
وقبل ذلك بشهرين، وفي رسالة الكترونية مؤرخة في 27 حزيران/يونيو، يشرح هوكينز لآلن كولينز: "..لكن في نهاية المطاف من المرجح أن يكون لكل هذا أهمية عرضية فقط، بما أن القطريين سيدعمون أفضل الخيار لإستضافة نهائيات 2018 الذي سيساعدهم على الفوز بإستضافة نهائيات 2022. كما تعلمون نصحت اتحاد الكرة لمناقشة الموضوع مباشرة مع نظيره القطري، ومن الناحية المثالية التوصل إلى اتفاق لتقديم الدعم لمساعي قطر لإستضافة 2022 مقابل دعمهم لعرض انكلترا 2018".
وهل هذه المسألة مهمة الآن؟ لقد مرت ثلاثة أشهر على عملية التصويت. حصلت انكلترا على صوت واحد، إضافة إلى صوت العضو الخاص بها، وخسرت أمام روسيا، وصدمت قطر عالم كرة القدم بالفوز بحق إستضافة نهائيات 2022.
لكن كل ما يدل من هذه المراسلات وغيرها أنه كانت انكلترا تستعد منذ فترة طويلة قبل الذهاب إلى زيوريخ والفوز بإستضافة نهائيات كأس العالم، وكشفت عن مناقشات رفيعة المستوى التي كانت تجري وراء الكواليس. كما إنها أثارت تساؤلات جديدة بشأن عملية تقديم العطاءات للفيفا وانعدام الشفافية.
أهم من كل ذلك – وربما إلى حد مربك – بينت الوثائق أنه مهما كان رأي المراقب في التكتيكات المشاركة في العروض الرياضية الكبرى، فإن انكلترا لم تكن قادرة في نهاية المطاف على الفوز بالصفقات المطلوبة حتى من وراء الكواليس.
وخلاصة القول، هذا ما قاله عضو بارز سابق في عرض انكلترا قبل أيام، "كنا نعرف بالضبط ما كان ينبغي علينا القيام به. لم نكن أغبياء، وكنا نرى ما يحدث في أماكن أخرى.... ولكن هذا يدل فقط على دبلوماسية العسل الأسود. يجب عليك أن تفعل أي شيء في محاولة الحصول على الشيء الذي تريده، ولكن في النهاية لقد فشلنا في تحقيق الفوز".