اصيبت الادارة الامريكية بصدمة غير مسبوقة جراء استخدام كل من روسيا والصين حق النقض 'الفيتو' ضد مشروع قرار فرنسي ـ بريطاني يطالب بفرض عقوبات على سورية، حتى ان مندوبتها السيدة سوزان رايس انسحبت من مجلس الامن احتجاجاً بطريقة غير حضارية، ولكن هذه الادارة، وفي تناقض مخجل هددت وتهدد باستخدام 'الفيتو' نفسه ضد طلب فلسطيني باعتراف بدولة فلسطينية 'وهمية' وحصولها على عضوية مراقبة في المنظمة الدولية.
والاخطر من ذلك ان هذا العداء الامريكي الحاقد لهذه الدولة الفلسطينية الوهمية والشعب الذي يقف خلفها، ويتطلع اليها، لرمزيتها، لم يتوقف داخل اروقة الامم المتحدة فقط، بل امتدت الذراع الامريكية الطويلة الى منظمة اليونيسكو لمنع قبول المنظمة عضوية فلسطين فيها.
لا نعرف ماذا فعل الشعب الفلسطيني لامريكا لكي تتخذ مثل هذه المواقف المغرقة في عدائها له، فهو لم يحتل امريكا، ولم ينفذ عملية 'ارهابية' واحدة على ارضها، وقبلت سلطته بكل مقترحاتها بل واملاءاتها للانخراط في مفاوضات عبثية مهينة مع اسرائيل.
هذه القوة الاكبر في العالم غزت كلا من العراق وافغانستان وارسلت طائراتها للتدخل في اطار حلف الناتو لتغيير النظام في ليبيا، كل ذلك تم تحت عناوين حقوق الانسان والعدالة والديمقراطية، ودفعت الادارة الامريكية ودافع الضرائب الامريكي اكثر من تريليون دولار خسائر مادية وخمسة آلاف قتيل واربعين الف جريح. ولكن عندما يتعلق الامر بحقوق الانسان الفلسطيني وحقه في قيام دولته، بل ونيل اعتراف رمزي بها يؤهلها الى الانضمام الى المنظمة الدولية تتنمر الادارة الامريكية وتستأسد، وتفرض عضلاتها المالية والعسكرية لمنع هذا الاعتراف.
كان مخجلا ان تقود الادارة الامريكية عملية تحريض في منظمة اليونيسكو
لرفض طلب عضوية فلسطين، وكان معيباً وغير اخلاقي ان يقوم المندوب الامريكي في المنظمة بالاتصال بمندوبي الدول واحداً واحداً في المنظمة لحثهم على رفض توصية المجلس التنفيذي لهذه الوكالة الدولية بمنح فلسطين عضوية كاملة فيها، وفق ما اعلن هذا المندوب امس على رؤوس الاشهاد وكأنه يفتخر بهذا الانجاز العظيم.
منظمة اليونيسكو ليست محكمة جرائم الحرب الدولية، ولا هي منظمة التجارة العالمية، ولا حتى مجلس حقوق الانسان، وانما منظمة حضارية تهتم بالثقافة وموروثاتها، فماذا يضر الولايات المتحدة اذا ما انضمت الى عضويتها دولة فلسطين؟
انها اسرائيل الدولة العنصرية التي توظف القوة الاعظم في التاريخ في خدمة سياساتها وأهدافها العدوانية والعنصرية لطمس هوية شعب وحضارته، وحرمانه من ابسط حقوقه المشروعة، ومن المؤسف ان الادارة الامريكية ترضخ لمثل هذا الابتزاز وتستسلم له بطريقة مهينة ومذلة.
فلسطين كانت مركز اشعاع حضاري وموطن الاديان السماوية قبل ان تظهر الولايات المتحدة الى الوجود بآلاف السنين، وستظل كذلك بعد انهيار القوة الامريكية وأفول امبراطوريتها مثلما انهارت كل الامبراطوريات السابقة، وستنهار اسرائيل ايضاً مثلما انهارت كل الانظمة العنصرية المماثلة، وستعود فلسطين ارضاً وموطناً للتسامح بين الاديان والحضارات دون اي تفرقة او تمييز.