مدريد ـ القدس العربي ـ من حسين مجدوبي ـ لم تستطع قرارات ملكية وفشل الفاتيكان على مر قرون عديدة في القضاء على "لكوريدا" مصارعة الثيران في اسبانيا، لكن برلمان منطقة كاتالونيا شمال شرق اسبانيا انتصر في آخر المطاف للمدافعين عن حقوق الحيوان،. وهكذا، فقد شهدت مدينة برشلونة عاصمة كاتالونيا ليلة الأحد آخر احتفال لمصارعة الثيران. والآن هناك تخوف من انتقال العدوى لمناطق اسبانية أخرى.
وتعتبر لعبة مصارعة الثيران قديمة في اسبانيا، لكن شكلها الحديث والقوانين المنظمة لها تعود لمنتصف القرن الثامن عشر عندما انتشرت بشكل واسع في مختلف مدن اسبانيا وجنوب فرنسا وفي عدد من دول أمريكا اللاتينية مثل المكسيك وبوليفيا والإكوادور وكولومبيا، وكانت قد انتقلت الى مدينة طنجة شمال المغرب إبان الاحتلال الإسباني لهذا البلد العربي (1912-1956)، حيث مازال مبنى حلبة مصارعة الثيران قائما حتى يومنا هذا.
ويعتبر رودنيو فرانسيسكو روميرو واضع التصور الحالي لمصارعة الثيران في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وقاما ولداه خوان وبيدرو بتطوير هذه القوانين والمعتمدة حتى اليوم سواء من حيث الطقوس أو عدد المشاركين في مصارعة الثور، حيث يكون لكل مصارع ستة من المساعدين.
وأصبحت مصارعة الثيران اللعبة المفضلة لغالبية الإسبان منذ بداية القرن التاسع عشر ولم ينقص من بريقها ظهور كرة القدم حتى يومنا هذا. فملاعب مصارعة الثيران المنتشرة في مجموع البلاد أصبحت من معالم المدن بهندستها الجميلة، ويعد بعض مصارعي الثيران نجوما بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كما غذت جزءا من الثقافة الإسبانية، وخصص لها كبار الرسامين مثل غويا وسالفادور دالي وبيكاسو لوحات خالدة، وتوجد روايات مشوقة أبطالها مصارعي الثيران علاوة على أفلام سينمائية، كما أضحت حلبات الصراع محج عدد من كبار النجوم في الخمسينات والستينات مثل أورسن ويلز وآفا غاردنر. والأهم أنها أصبحت صناعة تدر مئات الملايين من اليورو، فقد شهدت اسبانيا السنة الماضية قرابة 1800 من لعبة مصارعة الثيران.
لكن لعبة مصارعة الثيران لقيت عبر التاريخ رفضا سياسيا ودينيا، فملوك اسبانيا في البدء كانوا يعتبرون هذه اللعبة خاصة بالطبقات المسحوقة التي لا ثقافة رفيعة لديها. وقال الملك فيليبي الخامس بمنعها سنة 1723، وتراجع الملك فيرناندو السادس عن القرار شريطة تخصيص مداخيل مصارعة الثيران للأعمال الخيرية. وعالج البرلمان الإسباني خلال القرنين الأخيرين في عدد من المناسبات منع مصارعة الثيران إلا أنه كان يتراجع في آخر المطاف. وحاول الفاتيكان في القرن التاسع عشر منع مصارعة الثيران ولكنه كان يتراجع.
ويوم 28 يوليو 2010 صوت برلمان منطقة كاتالونيا التي تتمتع بالحكم الذاتي على قرار يمنع مصارعة الثيران ابتداء من فاتح يناير 2012، القرار خلف مواجهة قوية بين القوى القومية الكاتالانية التي تسيطر على حكومة الاقليم والبرلمان في مواجهة الحزب الشعبي المحافظ الذي اعتبر أن القرار يعتبر خطوة نحو انفصال كاتالونيا عن اسبانيا. فالحزب الشعبي المحافظ يعتبر مصارعة الثيران جزء من الثقافة الإسبانية وكل تخلي عنها يعني مباشرة ضرب هذه الثقافة في العمق.
لم تنفع الحملات إقناع البرلمان الكاتالاني بالتراجع عن قراره المتخذ ديمقراطيا، ومساء الأحد 25 سبتمبر 2011 شهدت حلية مصارعة الثيران في برشلونة آخر مصارعة للثيران بحضور 18 ألف شخص، وكان المصارعون جولي ومانساناريس ومورانتي آخر من صارعوا الثيران في حلبة برشلونة الشهيرة المعروفة باسم "مونمنتال".
واحتل الحدث الصفحات الأولى للجرائد الإسبانية في اليوم التالي رغم أنه تزامن وحدث الدعوة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها ستجرى يوم 20 نوفمبر. وكتبت جريدة آ بي سي يوم الاثنين 26 سبتمبر "بعد مصارعة رائعة للثيران، نتساءل "كيف يمكن لهذا الفن أن يموت؟ فهو لم يمت، بل قتلوه في برشلونة لأسباب سياسية انفصالية، هذه هي الحقيقة،..فإسبانيا تعيش يوم حزن.
وبينما تتأسف الجريدة، فمئات من الثيران قد نجوا بجلدهم من ملاعب مصارعة الثيران في إقليم كاتالونيا، وقد تكون هذه البداية نحو انتقال العدوى نحو باقي اسبانيا لوضع حد لأسوأ لعبة للتسلية يهدر فيها دم حيوان بريء.