أشرف أبو جلالة
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ينظر الكثيرون إلى طريقة تعامل باراك اوباما مع الأزمات التي تعصف في البلاد كمحدد أساسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية.
الأميركون يتابعون تصرفات أوباما لتقرير مصيره بالانتخابات
في حزيران/ يونيو عام 2002، وأثناء وجود أزمة في الميزانية بولاية إلينوي، تقدم ريكي هيندون، نائب عن الولاية بمجلس الشيوخ من الجزء الغربي بشيكاغو، بنداء يائس من أجل إقامة منشأة لرعاية الطفل في دائرته الانتخابية، وهو الأمر الذي تصدى له باراك أوباما، الذي كان حينها نائباً بمجلس الشيوخ عن الجزء الجنوبي من شيكاغو، وأكد في ذلك الوقت أن الأوقات الصعبة تستدعي خيارات صعبة.
لكنه، وبعد مرور فترة قصيرة، طالب بأن يتم ادخار مبلغاً من أجل إقامة مشروع مماثل في دائرته الانتخابية، وهو ما أثار غضب هيندون، ودفعه لانتقاد أوباما، بسبب ازدواجية معاييره. وهو ما جعل الأمور تتطور بينهما، حتى استشاط أوباما غضباً، وبدأ يهدد هيندون بأنه إن كرر انتقاده له مرة أخرى، فإنه سيركل مؤخرته، وفقاً لما نقلته اليوم صحيفة الغارديان البريطانية عن هيندون فيما يتعلق بهذا الأمر.
وتابعت الصحيفة بقولها إن تلك لم تكن سوى حكاية نادرة عن أوباما وهو يواجه أحد خصومه وقد فقد أعصابه. وقصدت الصحيفة من وراء سردها لتلك الحكاية أن تظهر سبب رغبة كثيرين من أنصاره خلال السنوات الماضية في أن يبدي مثل هذه الإشارات الدالة على الغضب والاستعجال والعاطفة. في الوقت الذي ارتكز فيه أوباما خلال حملة ترشحه لانتخابات الرئاسة على التعهد بأن يتجاوز الفجوة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وواصلت الصحيفة بقولها إن الرئاسة ليست مجرد أعلى منصب في البلاد، بل إنها أداء على أية حال من الأحوال. وأوضحت أن الأميركيين ينظرون إلى رئيسهم، إلى حد ما، لكي يعبر عن الحالة المزاجية ويجسد تطلعات الأمة.
وأعقبت الصحيفة بقولها إن الرئيس لا يُحكَم عليه فحسب مما يقوله ويفعله، بل من خلال طريقه تحدثه وتصرفه. ولا يقتصر الأمر فحسب كذلك على انجازاته، وإنما الطريقة التي يُنظَر من خلالها إليه. وخير مثال على ذلك رونالد ريغان الذي رفع سقف الدين 17 مرة، وتسبب في تضخم العجز، وخفض الثغرات الضريبية والإعفاءات الضريبية. لكنه ظل مقرباً لحركة حزب الشاي، لأنه كان يتحدث حديثهم، حتى وإن لم يكن يسير على نهجهم. وقد بزغ نجم أوباما خلال فترة ترشحه للانتخابات بفضل خطابه الحماسي والبلاغي. لكنه بدا وكأنه بمعزل عما يدور حوله بعد دخوله البيت الأبيض في وقت تعيش فيه البلاد متاعب اقتصادية حادة وهو يواجه ثقافة سياسية مستقطبة بشكل متزايد. ولطالما اتهم بأنه يتبنى لهجة أستاذية.
ومضت الغارديان تنقل في هذا السياق عن جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي والعضو التنفيذي للجنة التنفيذية الديمقراطية، قوله :" يحب الأميركيون أن يكون رئيسهم مريضاً ومحتاجاً. فبيل كلينتون كان يصافح عشرات الآلاف من الأيدي في كل كريسماس. وكان يقول كل من كان يقابله ( أظن أنه يتذكرني ). لكن أوباما لا يحب أن يفعل ذلك. ولا يوجد شخص حقيقي يود أن يفعل ذلك. ولهذا لم يكن يفعل هذا الأمر. وهو ما يمتعضه الناس. فهم يريدون أن يكون رئيسهم بحاجة فعلاً لهم. وهو ما لم يفعله. فهو بخير ومسترخي وبارد وهادئ. وأنا أحبه أن يتصل بي مثلما كان يفعل كلينتون .. والناس يحبون ذلك، لكن الحقيقة هي أنه ليس في حاجة لأمر كهذا".
لكن الصحيفة خالفت ذلك الرأي، وأكدت أنه سيحتاج إليهم يوم الانتخابات المقرر إجرائها العام المقبل. وأشارت إلى أن أوباما يواجه الآن عقبتين، لم يفلح في التعامل معهما حتى الآن، وفقاً لما ذكره معظم المعلقين والمواطنين. العقبة الأولى هي الاقتصاد، ويكفي ما أكدته الصحيفة في هذا الصدد حول أن معدلات الفقر والحجز على الممتلكات قد بلغت مستويات قياسية، مع استمرار حالة التخبط التي يعيشها مؤشر داو جونز، وتواصل تنامي العجز، وبقاء معدلات البطالة عند نسبة قدرها 9 %.
وفي الإطار ذاته، قال مايكل فليتشر، المراسل الاقتصادي لصحيفة واشنطن بوست الأميركية :" يريد المواطنون الأميركيون أن يشعروا بأن هناك ثمة شخص يدافع عنهم، حتى وإن لم ينتصر". في حين أشار تشارلي كوك، واحد من أبرز المحللين السياسيين في واشنطن، إلى أن بمقدور أوباما القيام بالكثير في تلك المرحلة. وأضاف :" أعتقد أن المشكلات أكثر موضوعية. نعم، هو يميل للمحاضرات وللأستاذية. وأعتقد أن هذه مشكلة، لكني لا أعتقد أنها المشكلة. وأظن أن البلاغة وحدها هي التي وصلتك حتى الآن. وإذا تحسنت الأوضاع، فإننا سنعيد تقييم الموقف، لكن في المرحلة الراهنة، نحن لا نصغي لأي شيء مما يقوله الرئيس أوباما".
بينما أوضح درو ويستن، باحث أكاديمي ومؤلف كتاب ( الدماغ السياسي )، إنهم سيصغون إلى أوباما، إذا غير الأسلوب والطريقة. وتابع "ما يحتاج الأميركيون حقاً أن يسمعوه من باراك أوباما هو عدم تحدثه فحسب عن شعوره بآلامهم، وإنما شعوره بغضبهم".
أما العقبة الثانية فهي قيادة حزب الشاي لتيار المعارضة. وسواء كان يتحدث أوباما هنا عن مفاوضات بشأن سقف الدين أو الميزانية، فإنه يبدأ عامةً بالتحدث بصورة صارمة فقط ليرسم خطاً على الرمال، ثم يمسحه، وبعدها يبدأ في التنازل عن الأرضية لصالح خصومه، حتى يحصلون على معظم ما يريدونه. وعاود ويستن يقول :" مثلي مثل معظم الأميركيين، في تلك الجزئية، ليس لدي فكرة بشأن الطريقة التي ينظر أو يفكر من خلالها أوباما – أو الحزب الذي يقوده – في أي موضوع".
وواصلت الغارديان حديثها بالإشارة إلى أنه من المستبعد الآن أن يكون لأوباما أي تأثير يذكر على الاقتصاد من الآن وحتى موعد انتخابات الرئاسة، وأن كل حديثه سيتركز على إقناع الناس بأن ما حدث لم يكن خطأه، وإنما كان خطأ الجمهوريين المتعنتين.
وقال بروس ريديل، زميل شؤون السياسة الخارجية البارز في معهد بروكينغز والذي سبق له العمل كمستشار لآخر ثلاثة رؤساء في موضوعات ذات صلة بالشرق الأوسط وجنوب آسيا :" إحدى الأشياء التي جعلت أوباما جذاباً لكثير من الأميركيين هي الآثار البغيضة التي خلفتها فترة حكم الرئيس السابق جورج بوش".
بينما لفت سالم موكل، صحافي مقيم في شيكاغو، إلى أنه يعتقد أن الأميركيين يثمنون صفة التهور أو الاندفاع في قائدهم وقت الأزمات، مضيفاً " أليس ذلك جزءً من الخرافة الأميركية ؟ فنحن لا نتعلق بشلل التحليل. بل نُضرِب حينما نرى خطأً. وقد جسَّد بوش ذلك، وكان لدى ريغان جزءً من ذلك. وتدعو هذه الأوقات لتلك النوعية من الصفات". وختمت الصحيفة في نهاية حديثها بالتأكيد على رغبة الأميركيين في قيادة وحسم وفعل، وهي العوامل التي ستساعد البلاد على المضي بشكل أفضل.