فريد مناع
almoustashar@hotmail.com(كل قفزة عظيمة للأمام في حياتك، تأتي بعد اتخاذك قرارًا حاسمًا في أمر ما)
براين ترايسي
جاك ويلش، مدير ناجح، واسم ذائع الصي في عالم الأعمال والتجارة، انطلق من الصفر، حتى وصل إلى قمة الهرم الإداري في شركة من أكبر الشركات في العالم، شركة جنرال إلكتريك، حيث انطلق فيها من موظف في قسم البلاستيك بالشركة عام 1960م، حتى صار مديرًا لها عام 1981م.
لقد كان جاك ويلش يمتلك حلم إدارة تلك الشركة، واتخذ في سبيل ذلك قرارًا، فقد ذكر في تقرير التطوير والتقييم الذي أعده سنة 1973م أنه يطمح إلى تولي منصب المدير التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك، وبالفعل نجح في اعتلاء ذلك المنصب عام 1981م.
إذًا هو قرار فعال، أوصل ذلك الموظف البسيط إلى أعلى سلم وظيفي في تلك الشركة العالمية، ولكن هل يكفي القرار؟ لابد من أسرار تدفع بالقرار إلى الانتقال من مقعد الحلم إلى مقعد التنفيذ والفعل، ومن ثم يدفع بصاحبه من سفح هرم النجاح إلى قمته.
أول خطوات النجاح:
إن اتخاذ القرار الفعال بمثابة شق قناة في الأرض لتعبر من خلالها المياه؛ فتروي الأرض وتنبت الزرع وتسقي جميع المخلوقات، والناجحون في كل زمان ومكان هم أولئك الذين شقوا قناة حياتهم، فأثمرت نجاحًا وتميزًا، شعارهم في ذلك قول هانيبل، ذلك المحارب الأسطوري: (إما أن نجد الطريق، أو أن نصنع واحدًا)، وصنع طريق النجاح والسير فيه هو جوهر أهمية القرار الفعال.
وبالعودة إلى قصة جاك ويلش مرة أخرى، نرى أن قراراته الجريئة منذ يومه الأول في إدارة شركة جنرال إلكتريك كانت سببًا رئيسيًّا في وصول تلك الشركة إلى القمة، فقد اتخذ قرارات بإغلاق العشرات من المنشآت التابعة للشركة، والتي كانت تمثل عبء يثقل كاهلها، ثم قام بدمج مئة ألف عامل في الشركة في عملية تصفية، والتي شملت ما يقارب أربعئمة مخطط بارز كانوا مثار فخر للشركة، فقد ذهبوا وذهبت معهم المناهج التي صنعوها، والتي كانت تعرقل أداء الشركة بشكل كبير، وأغرقت عملياتها في دائرة بيروقراطية مفرغة، وبالفعل في أقل من عشرة سنوات أصبحت شركة جنرال إلكتريك في مصاف أكبر الشركات العالمية كشركة مايكروسوفت وجنرال موترز وغيرها.
أركان القرار الفعال:
وقبل أن يأخذنا بساط القرارات الفعالة، وثمارها التي تذكي الهمم، لابد أولًا أن نعلم ما هو المقصود بالقرار الفعال؟ ذلك الذي يعرفه الدكتور أكرم رضا في كتابه (بلا ندم) قائلًا: (إن القرار الفعال هو الذي يتم من خلال أعلى مستوى من الفهم، ثم يتحول إلى عمل؛ فيحدث أثرًا أو يحقق نتيجة).
ومن هنا يمكننا أن نتعرف على أهم طريقين، لابد لكل من يسعى إلى القرار الفعال أن يسير فيهما، وهما:
1. الفهم العميق والدراسة.
2. التنفيذ الفعال.
الركن الأول: الفهم أولًا:
ونعني بعملية الفهم أن تقوم ـ عزيزي المدير الفعال ـ بجمع المعلومات التي تحتاجها في اتخاذ هذا القرار، ومن ثم تقوم بتحديد بدائل مختلفة للقرار، ثم تختار أهمها، وسوف نفصل في تلك المراحل على النحو التالي:
أ. جمع المعلومات:
وحتى تكون تلك المرحلة فعالة ومثمرة، لابد من توفر صفات هامة في المعلومات التي تقوم ـ عزيزي المدير ـ بجمعها، وذلك كما يلي:
- صلة المعلومات بموضوع المشكلة:
فكما يقول الدكتور أكرم رضا: (إن معلومة بعيدة عن الموضوع كل البعد لا تحمل في جنباتها من الفائدة بقدر ما تحمله من التشويش على التفكير والتشتيت في التوجه).
- الوصول إلى تلك المعلومة بالطرق المشروعة:
بمعنى أن تصل إليها بطريقة متفقة مع الشرع والقانون والعرف السائد، ولا تصل إليها بطريق غش أو خداع؛ لإن الله عز وجل لن يبارك في معلومة تصل إليها عن طريق لا يرضاه.
- التوقيت السليم:
فالممعلومة التي تجمعها قبل موعد الحاجة إليها، قد تشوش تفكيرك وربما تهملها أو تنساها، أما إن كانت بعد وقت الحاجة إليها؛ فإنها تكون عديمة الفائدة وقليلة الغَناء، ولكن الحق دائمًا وسط بين طرفين، فالمعلومة التي تعد بمثابة القوة، هي تلك المعلومة التي تحصل عليها في وقتها من غير تقديم أو تأخير.
- الدقة:
بمعنى أن تكون المعلومة موثقة، محددة، متوافقة مع غيرها من المعلومات، ولذا؛ يفضل التأكد من المعلومة من مصادر مختلفة إن أمكن ذلك.
ب. تحديد البدائل المختلفة:
وفيها يتم عرض جميع البدائل الممكنة والتي تساعد في اتخاذ القرار الناجح، فكما يقول بولينج: (أفضل طريقة للحصول على فكرة جيدة أن تكون لديك العديد من الأفكار)، وهناك طرق متعددة نستطيع من خلالها توليد تلك البدائل المتعددة ومن تلك الطرق ما يلي:
- طريقة العصف الذهني (Brain Storming):
وهي تلك الطريقة التي ابتكرها الإعلامي ألكس أوسبورن، وتعتمد على أن يطرح الأفراد أفكارهم أثناء التفكير فيها، من دون تنمق، أو حذف، أو إضافة، وبدون وضع قيود على التفكير، ومن دون تقييم تلك البدائل، وبالتالي تخرج الفكرة عفوية من صاحبها.
- طريقة توليد الأفكار تحريرًا (Brain In writing):
وفيها يقوم الأفراد بكتابة أفكارهم على قصاصات ورقية، ثم يتم تبادل تلك القصاصات بين الأفراد المجتمعين.
ويتضح في الطريقتين السابقتين أن توليد الأفكار يكون أكثر أثرا حينما يكون مع الآخرين، فكما يقول المثل الإنجليزي المشهور: (أكثر من عقل يفكر أفضل من عقل واحد)، ولكنك تستطيع أن تولد تلك البدائل وحدك أيضًا، ولكن يفضل أن تأخذ بآراء الآخرين معك.
ت. تقييم البدائل المختلفة لاختيار البديل الأمثل:
ولكن قبل أن نتحدث عن كيفية تقييم البدائل، عليك عزيزي القارئ أن تعي حقيقة هامة تقول: (لا يوجد بديل إلا وله عيوب ومزايا)، ومن أفضل الطرق لتقييم البدائل أن تقوم بما يعرف بتقليل قائمة الأفكار والبدائل أو (List Reduction)، ونقصد بها تقليل البدائل باستخدام قاعدة العيوب والمزايا كما يلي:
- بديل جيد: مزاياه أكثر من عيوبه.
- بديل ضعيف: عيوبه أكثر من مزاياه.
- بديل مختلط: مزاياه وعيوبه متساويان.
- بديل غير مجدي: لا يساهم في حل المشكلة.
فتقوم باستبعاد البدائل غير المجدية، والبدائل الضعيفة، وتأخذ بالبدائل الجيدة، والبدائل الفعالة من النوع المختلط.
ث. اختيار البديل الأفضل، والبدء في تنفيذه:
وهنا نسوق لك ـ عزيزي المدير الفعال ـ بعضًا من النصائح التي سوف تعينك بإذن الله عند الاختيار بين البدائل المتاحة:
- انظر في النتائج المترتبة لكل بديل، واحتمالات حدوث عواقب غير مرغوب فيها عن اختيار هذا البديل.
- قد ينطوي الحل الأفضل من وجهة نظرك على قدر من المخاطرة أكبر مما ترغب أو تتحمل، فادرس المخاطر المتوقعة، ومقدار تحملك لها.
- لا تنسَ أن تتأكد من الأثر الجيد الذي سيضيفه البديل المختار في سبيل تحقيق أهدافك.
- إن كان معك شركاء في هذا القرار، فتأكد من كون البديل المختار يلقى قبولًا عندهم؛ حتى يحفزهم ذلك على تنفيذه في أرض الواقع.
- وأخيرًا، فلا تنسَ الدعاء والاستخارة قبل اتخاذ القرار النهائي، والبدء في تنفيذ البديل المختار.
الركن الثاني: قرار + التزام = نجاح:
ولكن هل تكفي بضع كلمات، نصوغ من خلالها قراراتنا، و مجموعة من الخطوات لا تعدو كونها حبرًا على ورق؟! بالطبع لا، ولكن لابد من اكتمال طرف المعادلة بالتزام وانضباط لا يعرف الكلل ولا الملل، وإليك قصة رجل مثابر، جعل من الالتزام تاجًا فوق رأس قراراته، فقاده إلى نجاح عظيم، وإنجاز هائل.
إنها قصة طالب ياباني، قرر في عام 1938م أن يستثمر كل ما يملك في ورشة صغيرة، ليصنع محرك سيارة ويبيعه لشركة تويوتا، وبعد عمل مضنٍ متواصل، ترفض تويوتا شراء محركه؛ لأنه لا يتوافق مع مقاييس الشركة، عاد إلى دراسته ليتحمل سخرية مدرسيه وزملائه لفشله في صنع المحرك.
وفي عام 1940م ينجح في تصنيع المحرك، وتوقع معه شركة تويوتا عقدًا طالما حلم بتوقيعه، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتعلن الحكومة اليابانية دخول الحرب العالمية الثانية، ولذا رُفض طلبه للحصول على الإسمنت اللازم لبناء مصنعه، فماذا يصنع؟ قام هو وفريقه باختراع طريقة مبتكرة لإنتاج الأسمنت اللازم لهم، ومن ثم بنوا مصنعهم.
ثم تأتي سنوات الحرب، ويتم قصف مصنعه مرتين؛ مما أدى إلى تدمير أجزاء رئيسية من هذا المرفق الصناعي، فكيف كانت استجابته؟ لقد جنَّد فريقه على الفور وأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغة التي كانت المقاتلات الأمريكية تتخلص منها، والتي وفرت له المواد الأولية التي يحتاجها، وهي مواد لم تكن متوفرة في اليابان حينذاك، ويبدأ المصنع في العمل، ولكن زلزال يضرب المصنع، فيضطر إلى بيع ما تبقى منه لشركة تويوتا.
وبعدما انتهت الحرب، كانت اليابان تعاني من ندرة شديدة في مئونات البنزين، فيقرر بطل قصتنا أن يركِّب محركًا صغيرًا لدراجته، وسرعان ما أخذ جيرانه يطلبون منه أن يصنع لهم دراجات، ولذا قرر أن يبني مصنعًا لصنع المحركات لاختراعه الجديد.
غير أنه لم يكن يملك رأس المال اللازم، فأخذ يناشد أصحاب محلات الدراجات في اليابان وعددهم "18000" أن يهبوا لمساعدته، وأخذ يكتب خطابات لهم ليبلغهم بأنه يسعى للعب دور في إعادة إحياء اليابان من خلال قوة الحركة التي يمكن لاختراعه أن يوفرها، واستطاع إقناع "5000" من هؤلاء البائعين بأن يقدموا له رأس المال اللازم.
غير أن دراجته النارية لم تُبع إلا للأشخاص المغرمين جدًّا بالدراجات؛ ولذا أجرى تعديلًا جديدًا لصنع دراجات أخف كثيرًا وأصغر من دراجته، وسرعان ما حققت الدراجة الجديدة نجاحًا باهرًا.
بعد ذلك بوقت قصير يفوز بجائزة إمبراطور اليابان، ومن ثم يبدأ بتصدير دراجاته النارية إلى أوروبا والولايات المتحدة، إلى أن صنع أول سياراته في السبعينيات من القرن العشرين، وحظيت هذه السيارات برواج واسع النطاق.
إنها بالفعل قصة قرار فعال توج بمثابرة والتزام، فأثمر نجاحًا بلا حدود، ولكن هل تعلم ـ عزيزي القارئ ـ من هو ذلك الطالب الياباني؟ إنه المهندس "هوندا"، صاحب ومؤسس شركة هوندا اليابانية التي استطاعت منتجاتها أن تغزو العالم أجمع.
النبي صلى الله عليه وسلم والقرار الفعال:
وها نحن نقبس من مشكاة المعلم الأول لهذه الأمة، بل للبشرية كلها، وننهل من نبع قيادته الحكيمة لسفينة الإسلام، ونختار لك ـ عزيزي المؤمن الفعال ـ موقفًا من السيرة النبوية الشريفة.
إنه موقف غزوة بدر، أو بالأحرى مواقف عدة من تلك الغزوة المباركة الميمونة، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بنبأ خروج قافلة أبي سفيان بتجارة قريش، فكان لابد للنبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ قرار واضح بشأنها، هل يهجم على القافلة؟ أم يدعها تعبر وينتظر موقفًا آخر يقاتل فيه قريش؟! فلننظر ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
- جمع المعلومات:
حيث أرسل النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه، بسبس بن عمرو وعدي بن الزغباء؛ لجمع المعلومات عن القافلة.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يتسقطون له الأخبار عن جيش قريش، فوجدوا غلامين يستقيان لجيش المشركين، فأتوا بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كم القوم؟)، فقالا: (كثير)، قال: (ما عدتهم؟)، قالا: (لا ندري)، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (كم ينحرون كل يوم؟)، قال: يومًا تسعًا ويوم عشرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (القوم ما بين التسعمائة والألف).
(فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على معرفة جيش العدو والوقوف على أهدافه ومقاصده؛ لأن ذلك يعينه على رسم الخطط الحربية المناسبة لمجابهته وصدِّ عدوانه، فقد كانت من أساليبه في غزوة بدر في جمع المعلومات تارة بنفسه، وأخرى بغيره).
- توليد البدائل المختلفة واختيار البديل المناسب:
فحينما استقر المقام بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وعسكر الجند، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مجالًا للشورى مع أصحابه، فخرجت بدائل مختلفة، منها ما كان من رأي الحباب بن المنذر، حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: (يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأى والحرب والمكيدة).
قال: (يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فامضِ بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبنى عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لقد أشرت بالرأي).
- العزيمة في التنفيذ:
فحين أشار الحباب بن المنذر بذاك الرأي، (نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار، حتى أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضًا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية).
نصائح غالية لقرار فعال:
1. تعود على اتخاذ القرارات يوميًّا وبصورة متكررة؛ حتى تقوي من "عضلة " القرار الفعال.
2. تعلم من خبراتك السابقة، ومن قرارات اتخذتها من قبلها وقد جانبها الصواب.
3. استشر الخبراء، واطلب منهم المساعدة والعون، وتعلم منهم كيف يصنعون قراراتهم.
4. عندما تتخذ قرارًا ما، فعليك أن تراقب تنفيذه، ولا تكتفِ فقط بإصداره.
5. كن مرنًا ومستعدًا إلى تعديل القرار الذي اتخذته، إن كان يحتاج إلى ثمة تعديلات تضمن نجاحه.
وماذا بعد الكلام؟
سجل ثلاث قرارات سبق أن أجلتها لبعض الوقت، وحدد خطة العمل الخاصة بها، والوقت اللازم لكل قرار، وضع كل ذلك في جدول على النحو التالي:
القرار
خطة العمل
الوقت النهائي
النتائج
1.
2.
3.
أهم المراجع:
1. القوانين العامة للنجاح، براين ترايسي
2. جاك ويلش مكتشف الطريق التجاري، روبرت هللر
3. أسرار قادة التميز، د.إبراهيم الفقي
4. بلا ندم، د.أكرم رضا
5. كيف أصبحوا عظماء؟ د. سعد سعود الكريباني
6. السيرة النبوية، ابن هشام
7. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الصلابي
8. السيرة النبوية، ابن كثير