عبد المغيث جبران * ـ هسبريس
"أحب البحر..كنت دائم الاتصال بالماء، ولا أتقبل بسهولة العيش بعيدا عن البحر"، عبارات سبق أن أدلى بها الملك محمد السادس لجريدة فرنسية معروفة قبل سنوات، تكشف عن مدى ولع حاكم البلاد بالبحر وحبه الجارف له، حتى أنه نُسب إلى الملك قوله "لو لم أكن ملكا لكنت بحَّارا.."، على غرار قولة منسوبة أيضا لوالده الملك الراحل "لو لم أكن ملكا لكنت مؤرخا"، وذلك من فرط عشق الحسن الثاني رحمه الله للتاريخ وأحداثه وخباياه ورجالاته الأفذاذ.
ولم يفارق اهتمام الملك محمد السادس بالبحر فترات حياته كلها، في صغره وحين كان وليا للعهد، ثم عندما جلس على العرش متقلدا زمام الحكم في البلاد عام 1999 خلفا لوالده الذي لم يكن المغاربة يعرفون الشيء الكثير عن هواياته الخاصة، كما يتجلى حب الملك الشاب للبحر من خلال المشاريع التنموية التي يحرص على الإشراف عليها شخصيا، وتًعنى بالبحر والصيادين والمهنيين المشتغلين في أتونه.
الجيت سكي و"السمايرية"
واكتشف المغاربة قبل عدة سنوات، خلال نهاية الثمانيات وطيلة التسعينيات خاصة، أن محمد السادس ولي العهد ووريث العرش حينها مُحب للبحر، حيث شوهد غير ما مرة في مصب نهر أبي رقراق بالرباط وهو يمارس ببراعة هوايته المفضلة: قيادة "جيت سكي"، ويقضي في ذلك ساعات ممتدة أمام أنظار بضعة أفراد من حراسه الشخصيين، وأحيانا بتواجد عدد من الفضوليين والشباب "السمايرية" الذين كانوا يراقبون تحركاته ويتحينون الفرصة لمده بطلبات خاصة تهم إما وظيفة أو استغلال رخصة سيارة أجرة..
يقول عزيز، أحد السمايرية الذي سبق له أن أعطى لولي العهد حينئذ حوالي ستين طلب عمل في مختلف أماكن الرباط قبل أن يحصل على وظيفة و"يتوب" من حرفة "السمير"، في تصريحات لهسبريس إن الملك محمد السادس في فترة ولاية العهد، مثل الحال الآن أيضا وهو ملك البلاد، كان قريبا من الشعب ومن الشباب الذين كان يستقبل الكثيرين منهم في قصره بمدينة سلا، حيث كان يسمع لشكاويهم ويتوصل بطلباتهم، خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة منهم.
وأردف عزيز بأن بعض الـ"سمايرية" كانوا ينتظرون بفارغ الصبر التحاق ولي العهد حينها بنهي أبي رقراق أو ببحر الصخيرات قرب الرباط من أجل ممارسة رياضة "جيت سكي" البحرية، حتى يقتربون منه لمنحه طلباتهم الشخصية، بل منهم من كان يغامر بالارتماء في أحضان البحر وأوراقه في كيس بلاستيكي تحت إبطه، متابعا أن أكثر الطلبات استجابة من لدن ولي العهد كانت تلك التي أعطاها له الشباب المتربصين به وهو في البحر.
الملك البحري
هذا الحب العارم للبحر لم يفارق كيان وقلب ولي العهد ليصطحبه وهو ملك البلاد، حيث شوهد أيضا يمارس هواياته الشخصية في البحر خاصة في فترة العطل الصيفية التي يفضل قضاءها في بعض مدن الشمال مثل تطوان وطنجة والفنيدق، وشواطئ السعيدية والحسيمة وأكادير أيضا، كما يجد راحته القصوى في بحيرة "لالة تاكركوست" الهادئة التي تبعد بحوالي 40 كيلومترا عن مراكش.
سكان الفنيدق مثلا دأبوا على مشاهدة الملك يقضي عدة أسابيع في عطلته الخاصة بين ظهراني مدينتهم الجميلة التي يشبه عمرانها وشكلها عمران وشكل مدينة إسبانية، حيث هناك يجد متعته في ممارسة "الجيت سكي" أكثر مما يجده في شاطئ مدينة أخرى بالمغرب، حيث انسياب البحر وصفاء مائه ونظافته، فضلا عن طيبة وأصالة سكان هذه المدينة الجميلة.
وكان أحد باعة المثلجات في وسط الفنيدق قد تحدث لهسبريس، ذات يوم في شهر شتنبر المنصرم، عن الملك بإعجاب وحب لأنه شعبي جدا حيث داعب أبناءه بلطف أكثر من مرة، كما يحرص على تحية السكان بنفسه في شوارع المدينة وأسواقها، مضيفا أن الملك ـ الذي كان متواجدا حينها في المدينة لقضاء عطلته الخاصة في البحر ـ يحب هذه المدينة كثيرا لأنها اشتهرت برياضة الجيت سكي البحرية، حيث يؤمها العديد من الراغبين في الاستمتاع بهذه الهواية التي تتطلب قدرا من الشجاعة والإقدام.
وحب الملك للبحر ينتقل معه حتى إلى خارج البلاد حين يكون في سفر رسمي أيضا، حيث تحكي صحف ووسائل إعلام عن سفره قبل 8 سنوات لبعض البلدان الإفريقية مكث فيها حوالي خمسة عشر يوما، واستطاع رغم زحمة مواعيده أن يجد لنفسه هناك سويعات قليلة ليمارس رياضته البحرية في الصباح الباكر قبل أن يبدأ نشاطه اليومي الرسمي.
الصياد والملك
ويتمثل اهتمام الملك محمد السادس بالبحر، والذي انتقل بسلاسة إلى العديد من المغاربة حيث باتوا يهتمون بالبحر وبالرياضات البحرية التي تطورت في البلاد في عهد الملك، في علاقته الخاصة بالصيادين على الخصوص حيث تتسم بكثير من العطف والرأفة، ولا يتردد في مساعدتهم متى صادفهم، وكانت الحاجة إلى ذلك ضرورية.
وفي هذا الصدد، يتذكر الكثيرون قصة حدثت عام 2000 وتم تداولها بشكل كثيف، وكان بطلها صياد كان فوق دراجته المائية في أحد الشواطئ المغربية بالمتوسط، وصادف سقوطه من فوق الجيت سكي وجود قارب صغير لصياد كان يبحث عن قوت يومه وعياله في بطن البحر، وما أن رأى الملك دون أن يعرف شخصه حقيقة حتى هرع لنجته، غير أنه تسمر عندما علم بأنه ملك البلاد، فناوله السمك الذي جاهد طيلة اليوم لاصطياده كهدية رغم امتناع الملك، وما إن مرت أيام قلائل، حتى جاء مبعوثون من القصر إلى مقهى الصيادين للبحث عن الصياد، فمنحوه مكافأة مالية هدية من الملك قدرها 3 ملايين سنتيم.
ويتجلى اهتمام الملك بالبحر أيضا في العديد من المشاريع ذات الطابع التنموي والاجتماعي التي لها علاقة بالعاملين والمهنيين داخل القطاع البحري، ومن ذلك تدشينه قبل أسابيع لمشروع التهيئة الجديدة لميناء الصيد بمدينة الجديدة، الذي سيتيح "تحسين ظروف تسويق منتوج الصيد التقليدي والساحلي بالمنطقة"، وأيضا تدشينه بمدينة المضيق لمركزين للتأهيل والتكوين البحري ومواكبة عائلات البحارة الصيادين، وغيرها من المشاريع المرتبطة بالبحر والعاملين فيه.[img]
[/img]