بقلم - ادريس ولد القابلة :
إذا كان من العادي جداً أن تتابع المخابرات الجزائرية كل ما يجري ويدور ببلادنا، فقد يبدو من الغريب و من المدهش أحيانا أن يتبع الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ما يتم إنجازه أو برمجته بالمغرب، على الصعيد الاقتصادي والتنموي.
في واقع الأمر، يهتم قاطن قصر المرادية، عن قرب، بكل ما ينجز عندنا في مجال البنيات التحتية ومختلف المجالات الاقتصادية والتنموية. بل أكثر من هذا، لاحظ الكثيرون أن الجزائر تقلّد، منذ مدة المغرب، بطريقة عمياء في أكثر من ميدان، إذ تعمل على استنساخ جملة من المشاريع، بالتمام والكمال، جملة وتفصيلا.
وهناك حالات بارزة عاينها الجميع وتساءل بخصوصها الكثيرون.
+++++++++
تقليد واستنساخ مجسد الحسن الثاني بالدار البيضاء
++++++++++
في السنوات الأخيرة اهتم الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، بمجموعة منن المشاريع المغربية الكبرى وحاول تقليدها جاهداً نفسه وحكومته لتحقيق أكثر مما أنجزته بلادنا. وهذا ما حدث في محاولة تقليد معلمة الدار البيضاء الضخمة، مسجد الحسن الثاني، وإقامة مشروع يوازيه بالجزائر العاصمة.
لقد أعلنت الجزائر منذ سنوات عن عزمها تشييد معلمة دينية ضخمة، مسجد صومعته أعلى من صومعة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء وأجمل منها- كما قالوا- إلا أن هذا المشروع مازال حبراً على ورق رغم الدعاية التي خصصت له. فهل إلى هذه الدرجة، أضحى القائمون على الأمور بالجزائر لا يتورعون في الكشف عن "عقدتهم" الأبدية التي تدعى "المغرب ونظامه" في عرفهم و في لاشعور هم، إلى درجة الكشف عن حسدهم البيّن في واضحة النهار ودون مواربة؟
لقد تكلم الجزائريون عن ميزانية ضخمة تقدر بملايير الدولارات لإنجاز هذا المسجد الذي يراد منه أن يتسع لأكثر من 120 ألف مصلي.
ولم يخف قصر المرادية أن الهدف من هذا المشروع هو إقامة معلمة جزائرية تفوق المعلمة المغربية.
+++++++++
لم يخف ميناء طنجة المتوسطي عن عيون بوتفليقة
++++++++++
لم يفلت كذلك ميناء طنجة المتوسطي من التقليد الجزائري الذي ينم عن الحسد والعداء الدفينين لحكام الجزائر للمغرب ونظامه. أسوة بما قدم عليه الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتقليقة، بخصوص مسجد الحسن الثاني، أعلن قصر المرادية على مشروع "كاب 2015"، وهو المتعلق بإحداث ميناء بـ "كاب جينة"، قرب الجزائر العاصمة. ومن المرافق التي تقرر انجازها رصيف بطول خطي 20 كيلومتر، تبجح به الحكام الجزائريون، إذ قالوا أنه يفوق أرصفة ميناء طنجة المتوسطي 6 مرّات؛ ومنطقة نشاط تبلغ مساحتها 5000 هكتار ستحتضن أكبر مركب للأليمينيوم في العالم؛ ومركب صناعة الصلب ومعمل السيارات (طاقته الإنتاجية 350 ألف سيارة في السنة)؛ ووحدات لتحلية مياه البحر، وكذلك وحدة لصناعة الحاويات ومحطات لتوليد الكهرباء.
لقد "طبّل وغيّط" القائمون على الأمور بالجزائر على مشروع "كاب 2015"، الذي يُقال إنه سيساهم في جلب آلاف الشركات الصغرى والمتوسطة تنشط في مجال المناولة وصناعة السيارات وتحويل الأليمينيوم والمواد البيتروكيماوية؛ كما سيساهم في خلق، على الأقل، مليون منصب شغل وجلب العملة الصعبة للجزائر بفضل تصدير ما قيمته أكثر من 15 مليار دولار ابتداء من عام 2015؛ وقيل أيضاً إن هذا الرقم من المنتظر أن يتضاعف ليصبح 30 مليار دولار في السنة؛ هذا علاوة على الصادرات الجزائرية الحالية.
+++++++++
وهناك حالة معامل "رونو" كذلك
++++++++++
قبل مدّة استقرت وحدة تابعة للعملاق الفرنسي "رونو" بميناء طنجة المتوسطي، حيث قرّرت الشركة الفرنسية استثمار مليار أورو مع متم سنة 2015، وخلق على أقل تقدير 6000 منصب شغل مباشر. لم يرق هذا الأمر الجزائر، سيما وأن "رونو" سجلت على التراب الجزائري ارتفاعاً في الإنتاج يفوق 27.5 بالمائة (56085 سيارة)، في حين أن نسبة المبيعات في المغرب قاربت 13 بالمائة (37100 سيارة سنة 2009).
لم يستسغ قاطن قصر المرادية الأمر، وانطلقت صحف الجزائر ووسائل إعلامها تُسائل شركة "رونو" الفرنسية التي فضلت بلادنا واختارتها، عوض الجزائر، لإحداث وحدتها الصناعية بالمنطقة.
وبعد أن أقام حكام الجزائر الدنيا ولم يقعدها و اعتماد الضغوط و حتى التهديدات المكشوفة و المغلفة، قبلت الشركة الفرنسية بإحداث وحدة لتركيب السيارات بـ "الرويبة" بالجزائر، تصل قدرتها الإنتاجية إلى 50 ألف سيارة سنويا مخصصة كلها للسوق المحلي.
+++++++++
وئام رجال الأعمال الجزائريين والمغاربة
++++++++++
ما يقلق أيضا قصر المرادية، رغم إقفال الحدود، المحاولات الحثيثة لجملة من رجال الأعمال الجزائريين والمغاربة، نسج علاقات دون أي تخوف من المنافسة، علماً أن العلاقات بين البلدين الجارين مازالت مسكونة بالعامل السياسي وثقله أكثر من أي عامل آخر.
فهناك أكثر من 600 مقاولة مغربية تنشط في الجزائر في مجالات التكنولوجيات الجديدة والتوزيع والاتصالات والمواصلات وصناعة الأدوية وغيرها. ومن أجل تجنب الأبواب المسدود، بفعل استمرار علق الحدود منذ سنوات، تمرّ السلع عبر فرنسا لتأخذ وجهتها من جديد إلى الجزائر؛ في حين كان من الممكن التعامل اقتصادياً كأن لا وجود للمشكل السياسي، والتعاطي مع القضايا السياسية كأن وجود لعلاقات اقتصادية، لأنه، حسب العديد من متتبعي الشأن المغاربي يمكن للاقتصاد الشروع في إصلاح ما أفسدته السياسة.
يبدو أن كل شيء مصدره المغرب يقلق قاطن قصر المرادية و القائمين على الأمور بالجزائر، حتى ولو تعلق الأمر باستهلاك مادة عادية، كالسكر، و تفضيل السكر المغربي عن السكر الجزائري.
+++++++++
الجزائريون يفضلون السكر المغربي
++++++++++
أضحى الجزائريون مؤخراً، وبشهادة أكثر من مصدر، يفضلون السكر المغربي، وذلك منذ أن ارتفعت الأسعار بالأسواق الجزائرية، إذ وصل سعر السكر الجزائري 100 دينار للكيلو، في حين يتحدد سعر السكر المغربي المهرب ما بين 55 و60 دينار. وهذا ما يغضب قصر المرادية وحكام الجزائر غضباً مستطيراً.
+++++++++
لكن هل هناك من مخرج في انتظار تبديد سحب العداء الجزائري الكثيفة؟
++++++++++
لقد سبق لمدير صندوق النقد الدولي، "دومينيك ستراوس خان"، أن اقترح حلاً لفك القطيعة بين البلدين الجارين، حيث قال:
"يجب، بل من الضروري، التقدم على درب السعي للاندماج الاقتصادي كأن لا وجود لأي مشكل سياسي، وبالمقابل يتم الاستمرار في التعاطي مع القضايا السياسية كأن لا وجود لعلاقات أو إشكالات اقتصادية".
وفي هذا المضمار، يدعو كل الملاحظون الدوليون والمتتبعون الأجانب للشؤون المغاربية إلى فتح الحدود بين المغرب والجزائر. وقد أكد أكثر من واحد منهم، موضحاً، ربما تكون هذه الخطوة أهم عمل يحسب لعبد العزيز بوتفليقة في أواخر خريف حياته؛ مضيفين أن هناك جملة من التجارب أظهرت أنه يمكن غض الطرف عن المشاكل والمثبطات السياسية وتوظيف الجهود وتكثيفها في تثمين العلاقات الاقتصادية البينية. فهذا، فعلا، ما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أمريكا الجنوبية، وأيضا بين فرنسا وألمانيا.
++++++++++
العلاقات المغربية الجزائرية بعيون رجال أعمال
إلى متى سيظل غيرنا يستفيد من خيراتنا وتنميتنا؟
محمد الوعدودي، رئيس مجموعة "معاهدة فرنسا - المغرب"، من رجال الأعمال الذين هزموا، الأبواب المقفلة واخترق الجدار الفاصل بين الجزائر و المغرب بفعل تداعيات التراكمات التاريخية والمشاكل السياسية. إنه مدير لشركتين، واحدة بالمغرب وهي "م.س.س" (MCC) والثانية بالجزائر، وهي شركة "سيرا الجزائر".
لرجل الأعمال هذا، رؤية بخصوص العلاقات المغربية الجزائرية من شأنها أن توقف المزيد من ضياع الوقت.
+++++++
يرى محمد الوعدودي أن استرجاع أواصر الثقة بين البلدين قد يتطلب سنوات عديدة، لكن هل وجب الوقوف مكتوفي الأيدي في انتظار الآتي، الذي قد لا يأتي أم وجب القيام بكل ما من شأنه تسهيل كسر السور الحديدي "الخلافي" الحاجز بن البلدين وشعبيهما ومثقفيهما وباحثيهما ورجال الأعمال بهما؟
قبل الإجابة على هذا السؤال.. يؤكد محمد الوعدودي على أن المنافسة الاقتصادية غائبة كلياً بين البلدين الجارين بفعل الجدار الحديدي السميك الذي مازال يفصلهما، علما أنه أضحى من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، أن يأخذا العبرة من مثال فرنسا وألمانيا، وهما البلدان اللذان اقتتلا كما لم يقتتل أي بلدين في العصر الحديث، وتنافرا كما لم يتنافر أي طرفين في العالم، وكنّ الواحد منها للأخر عداء قلّ نظيره في التاريخ الحديث، لكنهما بالرغم من كل ذلك، يقتسمان الآن 40 بالمائة من ثرواتهما، ويشكلان حالياً قاطرة القارة العجوزـ أوروبا.
ويضيف محمد الوعدودي.. إن المغرب والجزائر معاً يمكنهما منافسة إفريقيا الجنوبية ويشكلان قطباً للتنمية على الصعيد العالمي، لكن لتحقيق هذا الحلم وجب، أولا وقبل كل شيء، توفير شروط ومناخ المنافسة الاقتصادية بينهما، خصوصاً وأنهما متكاملين في أكثر من مجال والعلاقات البينة في صالحهما معاً، وغياب هذه العلاقات شكلت فرصة ذهبية لغير المغاربيين للاستفادة من خيرات المنطقة ومن نتائج تنميتها. علما أن ضعف أحد الطرفين (المغرب والجزائر) يشكل فرصة للآخر والعكس صحيح.
وفي هذا المضمار يرى محمد الوعدودي أن الصينيين والكوبيين يستفيدون من فرص بالجزائر كان من الممكن أن تكون من نصيب المغرب وترجع بفائدة أكثر على الجزائر، وهذا بشهادة جميع الخبراء الاقتصاديين والمتتبعين للشؤون المغاربية.
ولا يخفي محمد الوعدودي أن رجال الأعمال والمقاولين المغاربة يُستقبلون كإخوان أشقاء بالجزائر، ليخلص إلى القول، إن سياسة خطوة خطوة هي الأنجع والأجدى في يظل الظروف الحالية التي تطبع العلاقات الرسمية بين البلدين بفعل جملة من التراكمات.
إنه السبيل الواقعي والبرغماتي لتجميع الشروط المواتية لسيادة مناخ عام يسمح باسترجاع الثقة، لأن ما عجز عن تحقيقه السياسيون يمكن لرجال الأعمال فتح سبل تحقيقه.
فلا طريقة لتبديد السحب الكثيفة بين الرباط والجزائر، في ظل الواقع الحالي، إلا سبيل إصلاح الاقتصادي ما ساهم في إفساده السياسي.[img]
[/img]