الصحافة وحدها لا تبني الديمقراطية
هذه الرسالة أو بالأحرى التعليق ورد إلى موقع “الفجر” من قارئ وقع باسم سعيد الجزائري، وهذا أهم ما جاء فيه:
“ما ورد في موضوعك هو الصواب بعينه يا سيدة حدة، الجزائريون غضب عليهم الله فسلط عليهم طائفة من الدواب يسمون أنفسهم أحزابا سياسية، مهمتهم الأولى والأخيرة تلهية الناس عن العبث والتغطية على الفساد باختلاق مشاكل مزعومة، ولكن أين دور الصحافة في كل الذي يحدث في الجزائر؟ لماذا تسكت الصحافة الجزائرية عن كل هذه الجرائم المقترفة في حق الجزائريين، أم أن هذه الصحف وجدت للاستفادة من إشهار الدولة فقط؟
بربك يا سيدة حدة، هل مضى على الجزائر زمن وصلت إلى هذه الرداءة والخطورة؟ أين دور الصحافة في كل التردي الذي وصلت إليه الجزائر؟ ولماذا أنتم ساكتون.. فساد، ظلم، غياب دولة، رشوة، معالم الدولة كلها اختفت (...) فلماذا سكتم عن كل هذا؟
الأحزاب السياسية التي تتحدثين عنها تحولت إلى شركات مختصة في الشيتة، أكرمك الله، والسياسيون تحولوا إلى وشاة، والجزائر في خطر، لم يبق لها في هذا الزمن سوى أن تترجل صحافتنا وتكشف المكشوف”، انتهت الرسالة.
نعم، صحيح أن بعض وسائل الإعلام ابتعدت شيئا ما عن مهمتها النبيلة، وصحيح أيضا أن الأحزاب دخلت لا أدري بفعل الأزمة أو بفعل التقادم في سبات سياسي، وصحيح أيضا أن الفساد بلغ درجة غير مسبوقة في الجزائر... لكن يا سيدي، ليست هذه مهمة الصحف وحدها، حتى أن الجزء الظاهر من الجبل الجليدي في بحر الفساد، الفضل يرجع للصحافة التي كشفته أمام الرأي العام، ولولا الصحافة ونشرها لفضائح سوناطراك، لما أقيل شكيب خليل من منصبه، ولما أحيل مدير عام سوناطراك على العدالة.
صحيح، إن الصحافة تنقصها الاحترافية وهي تنشر في الكثير من الأحيان ما قامت به أجهزة أخرى من تحقيقات، وصحيح أيضا أن الفساد مس الكثير من الصحفيين، وصار المعيار لنشر أي معلومة في قاعات التحرير، هو: ماذا نستفيد من النشر وماذا نستفيد إن لم ننشر، لكن هذا لم يمنع أن المكسب الوحيد الذي حققناه في التعددية والذي مازال قائما ويتمتع بهامش معتبر من الحرية هو الصحف، لكن الصحافة وحدها لا تبني الأوطان، والصحافة وحدها لا تبني دولة القانون والديمقراطية، لأن هذا يتطلب جهود الجميع، وانخراطا من كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأحزاب.
وحتى تلعب الصحافة هذا الدور الذي تريده منها أنت وغيرك من المواطنين، لابد من توفير مناخ نظيف للصحافة، ولابد من فتح الباب أمام الصحفيين للوصول إلى المعلومة الإعلامية التي هي حق من حقوق المواطن لصناعة رأي عام واع وقوي، وهذه كلها أمور غير متوفرة بالنسبة للصحفي الجزائري الذي سقط بسبب هذا الفراغ في التهريج الإعلامي بعيدا عن أخلاقيات المهنة وقواعدها.
وللأسف “النجاح” الذي حققته بعض الصحف الصفراء صار بالنسبة للكثير من الصحفيين الشباب مثالا يحتذى به، والمصيبة الكبرى هي في المستقبل، عندما يصير هذا النمط هو المسيطر على الساحة الإعلامية، وقتها سنندم سيدي على هذا الكم القليل من الجدية ومن الحرية، لكن...؟؟
حدة حزام