العيش في جلباب الآخرين
* جميلة بوحسون
أضحى مصطلح القدرة الشرائية حديث العام والخاص سواء تعلق الأمر بميسوري أو ضعيفي الدخل الذين باتوا يشتكون من عدم كفاية دخلهم اليومي والشهري لقضاء حاجياتهم الضرورية التي لا يمكن الإستغناء عنها إذ أن المواطن الجزائري اليوم من جراء الغلاء الفاحش الذي أضحت تعرفه كل المواد الغذائية لا سيما الأولية منها فضلا عن عناصر الحياة الأخرى أصبح يضع حسابا لكل مليم يخرجه من جيبه على أن يبقى لديه آخر في انتظار إستلامه لمدخوله الموالي سواء اليومي، الأسبوعي أو الشهري وذلك لتغطية حاجيات أفراد عائلته أو بالأحرى ما يحتاجه هو لنفسه وخلال السنوات الأخيرة ونتيجة غلاء المعيشة أصبح كل مواطن يتذكر فيها السنوات التي خلّت أين كان كل فرد يعيش في ظروف سوسيو اقتصادية مناسبة، إذ كان كل عنصر يعيش حسب الدخل الذي يجنيه، دون أن يلجأ إلى الإقتراض أو السلفة أو ممارسة نشاط آخر يجنى من ورائه الأموال على أن يغطي حاجيات ذلك الشهر لكن اليوم أصبحت هذه الظواهر من العناصر الضرورية التي يعتمد عليها كل مواطن جزائري كي يعيش في ظروف حسنة ولكن الإشكال المطروح أن هذه الظواهر التي استفحلت في مجتمعنا بات من الصعب كذلك الوصول إليها نتيجة لجوء معظم إن لم نقل كل المواطنين إليها.
معيشة ضنكا
إذ ولدى اقترابنا من بعض العائلات الوهرانية التي ترجمت واقع الندرة الشرائية لكل المواطنين الجزائريين تبين لنا بأن المعيشة أضحت متدنية للكثير من الأسر، بالرغم من المظاهر التي أصبحنا نشاهدها في حياتنا اليومية والتي باتت ضرورية للأفراد، إذ تلاحظ وأنت تجوب شوارع وأزقة الولاية الألبسة الراقية التي تلبسها مختلف فئات المجتمع، فضلا عن السيارات الفاخرة التي تخلق إزدحاما وشللا كبيرين في الطرقات زيادة على الاكتظاظ والطوابير التي تعرفها مختلف محلات بيع الثياب والأحذية والحلويات وفضاءات بيع الأثاث والأجهزة الإلكترونية إذ تجدها مكتظة عن آخرها وكأننا نعيش في ظروف ممتازة وعيش رغد وكل واحد منا يتقاضى أجرا قد يفوق 30 ألف دج... إذ ما يمكننا قوله عن هذه المظاهر أنها مجرد صور معاكسة تماما أو بالأحرى تفوق المدخول الشهري للمواطن، فمن غير الممكن أن يستطيع أي فرد يتقاضى 15 ألف دج أن يغطي حاجياته الضرورية والكمالية معا،إن لم يستعن بظاهرة من الظواهر المستفحلة والتي سبق وأن أشرنا إليها في موضوعنا الجاري.
إذ وفي هذا السياق أكدت إحدى السيدات بأنها ضد الزيادة في الأجور والتي يقابلها مباشرة الرفع في أسعار المواد الغذائية وفي ذات الشأن تمنت محدثنا أن يبقى أجرها كما هو على أن تبقى أسعار المواد الغذائية هي الأخرى كما هي من دون تغيير.
من جهته أبرز رب إحدى العائلات وهو طاعن في السن بأنه يكمل ما بقي من الشهر بفضل ما يتقاضاه من مستحقات التقاعد الخاص به وبزوجته، مضيفا بأن لديه إبنين لا يمارسان أي نشاط مهني ما يعني أنهما لا يساهمان بأي درهم للرفع من مستواهم المعيشي، وفي ذات الشأن صرح رب ذات العائلة بأن كلا الأجرين لا يلبيان الغرض المطلوب موضحا بأنه وخلال الأسبوع الأول من الشهر يقتني نصف المواد الغذائية الأولية التي هو في حاجة إليها كالسكر، القهوة، الزيت، الطماطم المصبّرة...إلى غير ذلك بينما يبقى على بعض الدنانير للحاجة.
غذاء بلافيتامينات
هذا وأضاف ذات المتحدث بأن قفته تختفي منها كل المواد التي تحوز على الفيتامينات التي يحتاجها جسم الإنسان، فضلا عن هذا أكد محدثنا بأن مستحقات التقاعد الخاصة به وبزوجته لا تكفي حتى لتغطية بعض الضروريات كشراء الدواء أو اللجوء إلى الطبيب، مبرز ا بأنه لولا بطاقة الشفاء التي تسهل عليه عملية اقتناء الأدوية لكان حسبه- قد اختفى عن الوجود من زمن بعيد بسبب العلّل التي يعاني منها.
ومن جهته أبرز أحد الموظفين بإحدى الشركات العمومية بأنه يعتقد بأن الأجور متدنية ولا تتماشى أبدا مع القدرة الشرائية كما تحسر أحد المواطنين أيضا على عدم تمكنه من شراء بعض السلع لغلائها مثل مادة التفاح التي يصل ثمنها في السوق إلى 200 دج، مضيفا بأنه يكتفي بالنظر إليها فقط موضحا بأن الأجبان إنضمت هي الأخرى إلى قائمة الكماليات التي لم يعد يقترب منها.
هذا وأضافت إحدى السيدات أن الأسعار المتواجدة والمعمول بها حاليا في السوق هي رخيصة فقط بالنسبة للأجانب، لتضيف مواطنة أخرى بأنه وإذا كان الحد الأدنى للأجور يصل إلى 15 دج فإن فستانا واحدا أ ضحى يتباع نحو نصف هذا المبلغ.
وبالتالي نستطيع القول بأن المواطن الجزائري أضحى اليوم يظهر من الخارج أي بمظهره الخارجي وكأنه يعيش في مستوى جيد جدا لكن الحقيقة غير ذلك تماما وهذا ما يطلق عليه في عاميتنا المثل الشعبي التالي» يالي مزْوَقْ من بَرَا واشْ هو حالك من الداخل« فتجد الأفراد يرتدون الثياب الباهظة الثمن ويوفرون لأنفسهم كل الأغراض والحاجيات التي تكون في الواجهة، بينما تجده مصاب بأمراض كثيرة يرجع سببها في الأول وفي الأخير إلى سوء التغذية.
للأغنياء فقط..
إذ أن معظم السلع الأجنبية المسوّقة لا يشتريها إلا الأغنياء.
بينما يلجأ متوسطو الدخل إلى تلك المواد المعروضة في السوق بطريقة غير شرعية والتي لا تخضع إلى أي مراقبة أو متابعة من طرف مديرية التجارة كالياغورت، الأجبان، مختلف أنواع البسكويت، مادة المايونيز، الطونة... إلى غير ذلك، إذ نجد مثل هذه المواد المعروضة بمختلف الفضاءات التجارية كسوق الأوراس مثلا (لاباستي سابقا)... إلى غير ذلك من الأسواق.
وتظهر ظاهرة تدني القدرة الشرائية عند التحضير للإحتفال بأي مناسبة دينية كإستعداد المواطن الجزائري لإستقبال شهر رمضان المعظم هذا الأخير الذي يتطلب مصاريف زائدة والذي يليه مباشرة عيد الفطر المبارك، هذا ناهيك عن الاحتفال بعيد الأضحى الذي يقابله إرتفاع في أسعار الماشية.
وبالتالي يبقى لنظام الأجور تأثيرا مباشرا على مستوى القدرة الشرائية أو معدل الإنفاق للمواطن العادي، فالأجور القليلة تؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية بصفة أوتوماتيكية وهو ما يقابله الإنفاق القليل، فعندما يتوفر في نظام أجور متوازن فإن ذلك سيساهم في خلق إستقرار في المجتمع فالإعتماد إذن على معيار موحد و ثابت (الأجر) قد يكون كفيلا بتحقيق العدالة والتوازن في نظام الأجور.
إن القدرة الشرائية هي مقياس لمستوى الرفاهية في المجتمع ونظام الأجور يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية، فالدولة تستطيع أن تساهم في رفع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل غير مباشر من خلال توفير المستلزمات الآتية للأفراد تأمين الإسكان المناسب من حيث التكلفة والنوعية، بالإضافة إلى توفير النقل، والغذاء والخدمات الصحية المناسبة.
فالهدف من أي مشروع إقتصادي يجب أن يرتكز على توفير فرص العمل بالدرجة الأولى سواء تعلق الأمر بالرجال أو النساء لتأتي بعدها مرحلة إستغلال المواد الأولية (الخام) المتوفرة في البيئة ومن ثم تأتي تنمية رأس المال.
الرفاهية المزعومة
إن الدولة تعتمد على امكانياتها البشرية والبيئية المالية في تلبية جميع احتياجات المجتمع من سلع وبضائع.
وفي ذات الصدد وفيما يخص إجراءات حماية القدرة الشرائية أوضح وزير التجارة الهاشمي جعبوب بأن فاتورة تدعيم الدولة للمواد الأساسية قد قاربت 1.5 مليار دولار خلال سنة 2009، معتبرا أن أكبر دعم قامت به الدولة هو تدعيم الإنتاج الوطني وذلك من خلال شراء القمح من الفلاحين بـ 4500 دج للقنطار بعدما كانت تقتنيه من كندا بـ 2200 دج للقنطار الواحد، لكن وبالرغم من ذلك يبقى المواطن دائما يشتكي من تدني مستوى الأجور التي يقابلها زيادة في كل مرة في أسعار المواد الغذائية وفي ذات الشأن أوضح رئيس فيدرالية الجمعيات للتجار والحرفيين بأن المواطن وخلال يومنا الحالي بحاجة إلى دعم في المواد الأولية كالزيت، القهوة، الحليب، الدقيق وذلك مثلما كان عليه الأمر في السابق.
وما تجدر الإشارة إليه أن الاعتماد على الاقتراض والتوافد على البنوك أضحى من الأمور الجد ضرورية لقضاء الحاجيات الأخرى كتوفير السكن مثلا، ناهيك عن اللجوء إلى ظاهرة شراء المستلزمات المنزلية بالتقسيط إذ لا تجد مواطنا وأنت تستفسر عن القدرة الشرائية لا يعاني من ظاهرة الاقتراض أو الشراء بالتقسيط فالجميع عليهم ديون إذ أن الغريب في الأمر أن حتى ظاهرة » التعربين« عرفت استفحالا كبيرا في مجتمعنا. فالمواطن لم يستطع حتى تحقيق الإكتفاء الذاتي في مجال الغذاء فما بالنا بتغطية الاحتياجات الأخرى الكمالية والتي صارت بالنسبة للمواطن جد ضرورية لكنها للأسف مستحيلة .