رغم التداعيات الكبرى التي خلَّفتها مؤخراً زوبعة ويكيليكس
الحكومات تواصل استغلال الإنترنت للسيطرة... بدلاً من الديمقراطية
أشرف أبو جلالة من القاهرة
أعاد جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، النقاش حول ما تتيحه شبكة الإنترنت من معلومات مجانية لجميع المستخدمين، طارحاً علامات استفهام حول دور الحكومات في استغلال الإنترنت كوسيلة للسيطرة على الشعوب.
ربما نجح جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، بشكل غير مقصود، في إعادة إحدى المناقشات الغامضة سابقاً إلى واجهة السياسة العالمية، بعد الزوبعة التي أحدثها مؤخراً، من خلال تسريبه مئات الآلاف من الوثائق الدبلوماسية الأميركية. ويتعلق هذا النقاش بما تتيحه شبكة الإنترنت من معلومات مجانية لجميع المستخدمين، وهي المعلومات التي حاول محللون أميركيون أن يفهموها على مدار سنوات.
وتأكيداً على هذا المعنى، قالت الكاتبة الأميركية كريستيان كاريل، في آخر مراجعاتها النقدية للكتب في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن ويكيليكس نجح بالفعل في تغيير كل شيء. فيكفي أنه نشر على الملأ كميات ضخمة من الوثائق التي تخص وزارة الخارجية الأميركية، للمرة الثالثة، في غضون مدة تزيد عن الشهر بقليل، من قِبل مجموعة من المهووسين بالفوضى التكنولوجية وبعض من أبرز الصحف العالمية، في مقدمتها النيويورك تايمز الأميركية والغارديان البريطانية.
ورصدت أجواء التوتر القائمة بين ويكيليكس وصحيفة الغارديان بصورة تفصيلية مؤلمة، في مقال نشرته مجلة فانيتي فير، وضع قيم الصحافيين التقليديين جنباً إلى جنب مع القيم الخاصة بأسانج ومعاونيه. وفي وقت ينظر فيه كثيرون إلى أسانج على أنه لا يمت بصلة إلى الصحافة والديمقراطية، يؤكد آخرون أن الشيء المهم هو ما فعله، وما يفعله أتباعه، للقضايا ذات الصلة الخاصة بحرية التعبير وحرية المعلومات والسرية والمساءلة، على حسب ما أفادت اليوم صحيفة الغارديان.
كما أوضح رون ديبيريت في صحيفة النيويورك تايمز، أن ويكيليكس كان عَرَضَاً لاتجاه أكبر من ذلك بكثير. ورأت الغارديان كذلك أن الخطأ الأكثر سخرية من جانب السلطات الأميركية هو تخيلها أن ما يُطلَق عليها الوثائق السرية – أو مصادر التجريم في بعض الحالات – من الممكن ألا تُنشَر على الملأ عندما يتم تداولها بين 2.5 مليون شخص يعملون في الأجهزة الحكومية. في حين علمت السلطات البريطانية ذلك منذ مدة طويلة، عندما نُشِرت رسائل البريد الإلكتروني المحبطة الخاصة بفريق عمل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، خلال تحقيق هاتون.
ومضت الصحيفة تشدد في هذا السياق على ضرورة أن يتفادى الأميركيون والحكومات الأخرى تكرار الأخطاء التي سبق لهم أن وقعوا فيها. ورأت أن ذلك قد يحدث من خلال تشديد الرقابة على قوائم التوزيع، وتحسين مستوى مراقبة هؤلاء الأشخاص الذين تتاح لهم إمكانية الوصول إلى المعلومات السرية الحقيقية. ومع ذلك، أشار ديبيريت إلى أن الضجة السامة التي أثيرت ضد ويكيليكس يجب أن تُصنَّف باعتبارها واحدة من أكبر موجات الغضب التي حدثت خلال السنوات الأخيرة.
وأوضحت الغارديان في محور متصل أن الأمر تجاوز ذلك النطاق، ليمتد إلى ما هو أكثر خطورة من ذلك. فردود الفعل الهستيرية من جانب كثيرين على الضجة التي أحدثها ويكيليكس، لاسيما في أميركا، قد تمركزت في أيدي الكرملين والحزب الشيوعي الصيني وروبرت موغابي وجنرالات بورما، وطغاة متنوعين آخرين حول العالم.
وفي كل مرة يُلقَى فيها القبض الآن على منشق أو ناشط أو مدون، فإن بمقدور أنظمة كهذه أن تلوح بإصبعين على صعيد الاهتمامات الدولية. حيث أشارت الصحيفة في هذا الجانب إلى أن ركود الديمقراطية، الذي بدأت تتضح معالمه خلال السنوات الأخيرة، قد تم تعزيزه من خلال إدعاء هيلاري كلينتون المثير للضحك، والذي قالت فيه إن ما نشره ويكيليكس من معلومات يعتبر هجوماً على المجتمع الدولي.
وهو التطور الذي أدى إلى نشوء قوتين متنافستين قبيحتين، بحسب ما ذكرته الصحيفة. فمن ناحية، وبحسب ما أوضحه الكاتب إيفغيني موروزوف، في كتابه الجديد The Net Delusion: How Not To Liberate The World، فإن الحكومات تستغل الإنترنت كوسيلة للسيطرة بدلاً من الديمقراطية. وتحظى محاولاتها بالدعم في هذا الشأن من جانب شركات مثل أمازون وماستركارد وفيزا وغيرها. ومن ناحية أخرى، هناك قسم فرعي صغير من مجتمع ويب 2.0 الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وتعتبر السلطة بالنسبة إليهم أمراً سيئاً والمعلومات أمراً جيداً.
ورأت الصحيفة ختاماً أنه وبمجرد أن تهدأ الأجواء التي صاحبت زوبعة ويكيليكس الأخيرة، فإن نظاماً جديداً أفضل ربما يخرج إلى النور، ربما كما أوضح ديبيريت، في صورة امتداد شخصي ومحترف لويكيليكس يعمل كمركز لتبادل المعلومات للصحافة الاستقصائية.