رغبة والدتي جعلتني أعيش نظاما عكسيا للكون
لقد قرأت في أحد الأعداد السابقة رسالة الأخت التي تكره خطيبها. فقلت في نفسي، ما أسعدها، هي على الأقل سُمح لها أن تكون مخطوبة. أنا أصغر أخواتي، وقد بلغت من العمر اليوم 27 سنة، ولم أتزوج لحد الآن، لأن والدتي ترفض حتى فكرة الزواج، لقد ردّت كل الخطّاب.. لقد كان آخرهم شاب قيل لي أنه مُتدين، وابن عائلة محترمة، حسن السمعة، خدّام.. كل الصفات التي تتمناها أي فتاة، لكن والدتي كانت صارمة في رفضها، لمجرد مجيئه عندنا. أخواتي اللائي يكبرنني سنا تزوّجن كلّهن. وأذكر أن في عرس الأخيرة منهن، وكنت ما أزال صغيرة في السن، أن والدتي بكت كثيرا وكانت منهارة يوم زواجها. وقد كان والدي رحمه الله هو الذي يزوجهن رغما عنها، لقد طلبت من عمي أن يتدخل بإقناعها، عند مجيء آخر خاطب، لكنه لم يعر الأمر أهمية كبرى. حاولت إحدى أخواتي نهي أمي ونصحها، لكنني رفضت ذلك. قلت لها: اتركيني أبقى معها طول حياتي دون زواج، لأنني أفضل ذلك على إغضابها . إن طاعة والدتي بالنسبة لي، تفوق أي شيء، وإن كان مستقبلي، فهل من حل وسط لحالتي هذه؟.
سمية / خنشلة
الرد
إن كل سلوك يخرج عمّا ألفه الناس، ويشذّ عن المتعارف عندهم، يوصف على أقل تقدير، بالسلوك غير الطبيعي. وسلوك والدتك الكريمة سلوكا غير طبيعي، حتى لا نقول مرضي، ورغبة والدتك تسير عكس قاموس الكون، وقوانين الحياة، ألم يقل الله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً)، فسُنة الله تعالى أن يتزوج الإنسان، وأن ينجب الأبناء، لتستمر الحياة، ويستمر الجنس البشري، إلى ما شاء الله له، على وجه الأرض، ولولا زواج والدتك، لما رزقت بكم أنتم أبناءها الذين تملؤون حياتها، وتتمسك بكم.
وإنني قد لفت إنتباهي، حين قرأت رسالتك، مدى حبك وطاعتك لوالدتك. بل ورضاك عنها، فبوركت وبارك الله لك في عمرك وحقق كل أحلامك. وإن بِرّك لوالدتك، كفيل بأن يفتح لك أبواب الخير في الدنيا والآخرة. وأن يجعل دعاءك مستجابا إن شاء الله. فإنك تشفقين عليها بدل الغضب منها، وتعذرينها بدل أن تلوميها. وأبشري بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحبّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله. ومع ذلك ننصحك بالمضي في الخطوة الحكيمة، التي اتخذتيها، بتوجهك نحو عمك ليقنعها، والأفضل أن يكون من ينصحها بعدم الوقوف في وجه مشروع زواج محتمل، شخصا توقّره وتحترمه، أو قريبا منها كخالتك مثلا. ولا بأس أن تفتح في كل زيارة، إحدى أخواتك الموضوع، تلميحا أحيانا، وبشكل مباشر أحيانا أخرى .
ويمكن التدرج معها، بـأن تزيّن لها فكرة زواجك، من شخص يقطن قريبا منكم . فلو قبلت بالفكرة ابتداءا، ولو على سبيل التمني، سينتهي بها الأمر إلى قبول زواجك، إن شاء الله .
وننصحك بما ننصح به كل من عنده مشكل، أو حلم يود تحقيقه، بالدعاء إلى الله تعالى، بأن ييسر لك أمر الزواج، وينزع الخوف من قلب أمك .