الصوفية في المعركة.. أي معركة؟!
ظاهرة "الصحوة السياسية" للصوفية *
هل تتجه الصوفية نحو التسيس؟
عندما يأتي الحديث عن الصوفية والمتصوفة، فإن أول ما يرد إلى الذهن فورا هو التجرد والورع والزهد والنسك والتفرغ للعبادة، وحلقات ذكر الله سبحانه وتعالى. لا يرد إلى الذهن أبدا حديث عن السياسة وأدوار سياسية.
صحيح انه في فترات كثيرة من تاريخ دولنا الاسلامية، لعب المتصوفة أدوارا وطنية مشهودة كثيرة، وخصوصا في مقاومة المحتل المستعمر. والامثلة التاريخية كثيرة هنا. لكن، ولعقود طويلة ماضية، لم نعرف للجماعات الصوفية في الدول الاسلامية أدوارا سياسية واضحة محددة سواء ازاء القضايا والتطورات المحلية أو العالمية، اللهم الا بشكل غير مباشر.
لكننا في الفترة الماضية، وخصوصا في العامين الماضيين، شهدنا ظاهرة جديدة تماما. هذه الظاهرة اطلق البعض عليها "الصحوة السياسية للصوفية".
فجأة، وجدنا في مصر مثلا التي تبدو مركزا لهذه الصحوة، وفي كل انحاء العالم الاسلامي في الحقيقة، بعض الجماعات والطرق الصوفية تقوم بأدوار سياسية مباشرة، وتطرح لنفسها أدوارا سياسية أكبر في المستقبل. ووجدنا هذه الجماعات تطرح خطابا سياسيا مباشرا ينطوي على مواقف محددة واضحة من قضايا كثيرة على صعيد الفكر الاسلامي وعلى صعيد قضايا عالمية مثارة تتعلق بالعالم الاسلامي. فجأة وجدنا بعض الجماعات الصوفية طرفا، أو يريدون ان يكونوا طرفا في معركة سياسية في الدول الاسلامية.
هذه الظاهرة، على اهميتها الكبيرة، بل خطورتها، إلا أنها لم تحظ حتى الآن بالاهتمام الواجب على أي مستوى فكري أو سياسي.لهذا، نرى أنه من الأهمية بمكان أن نتوقف عند هذه الظاهرة، رصدا وتحليلا. من المهم أن نعرف، ما هي أبعاد ومظاهر هذه الصحوة؟ ماذا وراءها؟ ما الذي تمثله بالضبط في سياق الجدل الفكري والسياسي في العالم الإسلامي وخصوصا في صراعه مع الغرب؟
من المهم ان نعرف، أي معركة سياسية هذه بالضبط التي يراد أن تكون الصوفية طرفا فيها؟
هذه التساؤلات هو ما سنسعى الى مناقشته في مقال اليوم وفي المقال القادم.
الصحوة: أبعاد وملامح
كما ذكرت، تبدو مصر في الفترة الماضية الساحة الأساسية للصحوة السياسية للصوفية. لهذا، من المهم أن نرصد بإيجاز أبرز ملامح وأبعاد هذه الصحوة.
وأبرز هذه الملامح والابعاد هي على النحو التالي:
محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية
* قبل أشهر، أعلن محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية إنشاء "المجلس الصوفي العالمي" ومقره في لندن، وبترخيص بريطاني ومعتمد من وزارة الخارجية البريطانية. وقال ان المجلس سوف يضم مشايخ الصوفية على مستوى العالم وسيكون له فرع في القاهرة.
أما عن أهداف المجلس التي يسعى إلى تحقيقها، فقال انه: "يسعى إلى نشر الدعوة الإسلامية بالشكل الصحيح الذي يعتمد على الاعتدال والوسطية في مواجهة التعصب والتشدد الدينيين اللذين يولدان الارهاب".
وأصدر المجلس بيانا جاء فيه أنه "منظمة اسلامية تدعو إلى تحقيق السلم والسلام في العالم وتتصدى للإرهاب والعنف والتشدد والتعصب، ولا تتدخل في سياسات الدول المختلفة وتحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة، وتعمل على إزالة الخلافات العقائدية، وتقرب بين الأديان المختلفة لتحقيق الاستقرار في كل دول العالم ، وهو منظمة لها الشخصية المعنوية المستقلة أغراضها نشر الدين الإسلامي الصحيح والدعوة إلى الله ونشر الوعي الديني والثقافي، فالإسلام يدعو إلى السلام، وينبذ العنف والتشدد والتعصب".
من الواضح كما نرى، أن رعاية بريطانيا لإنشاء هذا المجلس الصوفي العالمي هي لأهداف وغايات سياسية مباشرة ومحددة.
* في أواخر العام الماضي، اعلنت ماجدة عيد، وهي زوجة محمد الشهاوي، تأسيس جمعية صوفية للنساء باسم "دار النساء الصوفيات".
وعن هدف الجمعية، قالت ان هدفها يتلخص في "الدعوة إلى فهم الدين الصحيح الوسطي، وخاصة في أوساط المرأة المصرية والنشء الصغير بعد أن مزقته السلفية الوهابية التي غزت المجتمع وتمددت عبر وسائل الاعلام".
ماجدة عيد
وفي حديث صحفي آخر قالت: "ان مظاهر كارتداء النقاب والاهتمام بقشور الدين من دون جوهره والارتماء في أحضان فتاوى الفضائيات تؤثر سلبا ليس فقط على أفراد المجتمع وإنما على صورة الإسلام ككل، والإسلام دين وسطي عمل الوهابيون والأصوليون على تشويهه على مدى سنوات طوال وآن الاوان لمواجهة هذه الحملة الظلامية، وهذا ما تسعى اليه جمعية الصوفيات".
وفي وقت لاحق، أعلن عدد من مشايخ الطرق الصوفية مطالبتهم بضرورة اشتراك المرأة الصوفية في "الكوتة" التي تم تخصيصها للنساء في البرلمان المصري. أي انهم يطالبون بتعيين صوفيات في البرلمان ضمن هذه "الكوتة".
وكما نرى، فان إنشاء جمعية الصوفيات هذه هي خطوة سياسية تماما سواء من حيث الأفكار التي تطرحها أو الدور العملي المباشر الذي تتصوره، ومن حيث أنها، وعلى غير المألوف في النشاط الصوفي، تنظيم رسمي.
* في مطلع يونيو 2009، عقد مؤتمر للصوفية في مصر. وفي ختام المؤتمر أصدرت الطرق الصوفية المشاركة بيانا دعت فيه "إلى تشكيل لجان من العلماء المسلمين بأنحاء العالم لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها". كما دعا البيان إلى عقد ندوات ومؤتمرات وورش عمل تناقش حوار الأديان في انحاء العالم المختلفة لتحقيق التعايش السلمي ونبذ العداوات بين الشعوب وضمان امنها واستقرارها وتحقيق السلام العادل والتعاون في سبيل التنمية والبناء".
* في أواخر يونيو من العام الماضي، وجهت السفيرة الأمريكية في القاهرة مرجريت سكوبي دعوة إلى الطرق الصوفية لحضور احتفال السفارة بعيد الاستقلال الامريكي في أول يوليو. ودعت السفيرة الطرق: الشيراوية والعزمية والجازولية والسطوحية والشهاوية والقادرية والنقشبندية والبرهامية والشاذلية، إلى حضور الحفل.
واعتبر علاءالدين أبوالعزايم، شيخ الطريقة العزمية، أن دعوة السفيرة للطرق الصوفية هي "بمثابة اعتراف خارجي بمدى قدرة الصوفية على فتح حوار بين الإسلام والعالم الغربي يساهم في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين لدى العقل الغربي".
* في أواخر العام الماضي، اعلنت مصادر اعلامية امريكية ان السفارة الامريكية في القاهرة تعتزم توجيه الدعوة إلى ممثلي العديد من الطرق الصوفية والمذاهب الدينية في مصر للدخول في حوار رسمي معها للتوافق حول العديد من القضايا ومواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى. وبحسب هذه المصادر، فان الهدف من الحوار هو "دعم الفرق الإسلامية المعتدلة من وجهة النظر الامريكية، والتصور بشأن مستقبل عملية السلام والحوار بين الاديان والعلاقات بين الطرق الصوفية واسرائيل في حالة حدوث تسوية". وقالت ان الهدف ايضا هو "بحث سبل مواجهة انتشار ما تسميه أمريكا الفكر المتشدد والاصولي في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة".
وقالت ان "مراكز ابحاث امريكية ومصرية ستشارك في هذا الحوار الذي يحظى بدعم وزارة الخارجية الامريكية، كما سيشارك وفد رسمي مصري يمثل وزارة الخارجية لاضفاء الطابع الرسمي على الحوار".
علاءالدين أبوالعزايم شيخ الطريقة العزمية
* في الشهر الماضي، اعلن علاء ابوالعزايم، انه سوف يتم اطلاق قناة فضائية صوفية جديدة لمواجهة الفضائيات السلفية. وقال ان الهدف هو "تقديم الاسلام الوسطي المعتدل ومواجهة الفكر الاصولي المتشدد لمن يسمون انفسهم السلفيين والوهابيين".
اللافت هنا ان ابوالعزايم اعلن التخطيط لاطلاق هذه القناة الفضائية الصوفية بمجرد عودته من رحلة طويلة إلى أمريكا.
هذا الذي ذكرت هو مجرد امثلة لتوضيح المقصود بالحديث عن "صحوة سياسية" للصوفية.
ولنا ان نضيف إلى هذا انه منذ ما يقرب من عامين يدور صراع عنيف على زعامة الصوفية في مصر، وهو صراع لا يمكن فصله عن هذه الادوار السياسية الجدية التي يتحدث عنها بعض الطرق الصوفية.
وفي دول أخرى
هذه الصحوة السياسية للصوفية ليست قصرا على مصر، وانما اصبحت في العامين الماضيين على وجه الخصوص ظاهرة عامة تجتاح العالم العربي والاسلامي كله، من افريقيا إلى آسيا إلى المسلمين في أوروبا.
في المغرب والجزائر مثلا، هناك تقارير كثيرة ترصد الادوار الجديدة للصوفية وبدعم من الدولة، وهي ادوار تدور في الاطار العام نفسه لما يحدث في مصر.
وفي باكستان مثلا، حدث تطور لافت عندما اقدمت الحكومة الباكستانية في يونيو 2009، على انشاء "المجلس الاستشاري الصوفي"، وكان الهدف المعلن لانشاء هذا المجلس هو مواجهة حركة طالبان، والترويج لما اسمي بالاسلام المعتدل.
ولاحقا، شكلت الحركة الصوفية والاحزاب الشيعية في باكستان تحالفا معارضا لحركة طالبان ولدعم الحكومة في حملاتها العسكرية التي تشنها ضد طالبان. وقام ناشطو الحركة الصوفية والاحزاب الشيعية بتنظيم تظاهرات لدعم عمليات الجيش.
وفي الدول الافريقية ودول آسيا الاسلامية، هناك تقارير كثيرة ترصد التوجه نفسه نحو دعم الدور السياسي للجماعات الصوفية.
الصوفية والتشيع
لا يمكن التحدث عن قضية الدور السياسي للجماعات الصوفية من دون التطرق الى هذه القضية التي أثير حولها جدل واسع في مصر بالذات. نعني قضية علاقة الطرق والجماعات الصوفية بالتشيع.
القضية هنا تتلخص كما طرحها البعض في اتهام بعض الطرق الصوفية بأنها ستار لنشر التشيع في المجتمع المصري، بأنها بحسب البعض الآخر اصبحت اداة تستخدمها إيران. الذي جعل القضية مثارة على هذا النحو في الفترة الماضية، عدد من التطورات والاحداث المحددة، سنشير إلى اهمها باختصار.
لعل أول حدث كبير لفت الانظار إلى هذه القضية، كان التصريحات الشهيرة التي ادلى بها الشيخ يوسف القرضاوي واثارت ضجة كبرى في حينها على نحو ما نعرف، وتحدث فيها عن التحذير من سعي ايران لنشر التشيع في الدول العربية في اطار مشروع سياسي لمد نفوذها. وهو في تصريحاته تلك اشار إلى ان الجماعات الصوفية احدى الادوات التي تستخدمها ايران في هذا الصدد.
كان لافتا في ذلك الوقت ان عددا من مشايخ الطرق الصوفية، انبروا لتوجيه اعنف الانتقادات لتصريحات الشيخ القرضاوي، وكالوا له الاتهامات، واعتبر ابوالعزايم مثلا ان تصريحات القرضاوي تشعل الفرقة بين المسلمين، وانها "كادت تتسبب في ضياع الامة الاسلامية وتساعد اعداءها على تطبيق نظرية فرق تسد وتفتح لهم باب التدخل في المجتمعات الاسلامية".
وفي مطلع 2009، اعتقلت السلطات المصرية مصطفى الصافي شيخ الطريقة الهاشمية الشاذلية، وداهمت منزله وفتشته وكانت تهمته علاقته بايران والضلوع في مخطط لنشر التشيع.
وقال مصطفى عبدالنبي الذي انشق عن الطريقة البرهامية: ان الطريقة تعمل لحساب ايران بهدف نشر المذهب الشيعي في مصر، وانه يتم تمويلها من رجال اعمال مصريين يعملون في مجال السياحة وهم على علاقة وثيقة برجال دين شيعة في عدد من الدول العربية يعملون على نشر المذهب الشيعي.
ونشر الكاتب صلاح الدين حسين دراسة عن "الاختراق الشيعي للصوفية" ذكر فيها امثلة كثيرة مما اعتبره اختراقا شيعيا للمواقع الصوفية المصرية على الانترنت.
وفي أواخر العام الماضي، قال عصام محيي الدين، احد ممثلي الطريقة العزمية الصوفية. ان الصوفية تساند الشيعة في مواجهة "السلفية الوهابية".
ولعل اهم التطورات في هذا السياق، التقرير الذي اصدره المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، وهو مركز محترم، في ديسمبر .2009 في هذا التقرير، حذر المركز من احتمالات ظهور تنظيمات شيعية جديدة في المجتمع المصري، وقال: ان اغلب هذه التنظيمات ينضوي تحت عباءة الجماعات الصوفية والبعض الآخر تحت مسميات جماعات محبي آل البيت.
وربط التقرير بين زيادة النفوذ الايراني في المنطقة وزيادة ما اسماه "الاختراقات الشيعية في مصر". ورصد التقرير وجود مصالح ومشاريع مشتركة مع الشيعة الوافدين بالذات من العراق في سيناء ومدينة السادس من اكتوبر.
هذه باختصار اهم الاحداث والتطورات التي جعلت من قضية علاقة الصوفية بنشر التشيع وايران مطروحة في المجتمع المصري.
أي "صحوة" هذه؟
كيف يمكن ان نقيم هذه "الصحوة السياسية" للصوفية في العالم الاسلامي؟.. في أي سياق يجب ان نضعها بالضبط؟
بداية، قبل ان نتطرق للإجابة عن هذا التساؤل بالتفصيل، ماذا عن مسألة العلاقة بين الصوفية والتشيع على هذا النحو الذي اثيرت به في مصر؟
هناك بعض الكتاب المصريين الذين تعرضوا لهذه المسألة وضعوها في اطار صراع بين امريكا وايران في السعي لاختراق الجماعات الصوفية في اطار الصراع بينهما عموما. قد يكون هذا صحيحا في جوانب منه.
لكنني شخصيا اعتقد، على الاقل بحكم معرفتي الشخصية الوثيقة بالطرق الصوفية في مصر، ان هناك مبالغة شديدة في هذا الأمر. بعبارة ادق، اعتقد ان هناك خلطا شديدا بين التشيع، وبين الحب التقليدي الذي يكنه المتصوفة لآل البيت. والامر في مصر ليس مقصورا على المتصوفة، فمعروف ان حب آل البيت متجذر في مصر ولدى جميع المصريين، ولا علاقة لهذا بالتشيع على الاطلاق.
بعيدا عن هذه القضية، فان ملاحظات اساسية يجب تسجيلها على هذه "الصحوة السياسية" للصوفية، وعلى طبيعة الدور السياسي المرتبط بها، لعل في مقدمة هذه الملاحظات ما يلي:
أولا: من حيث مضمون الخطاب السياسي المرتبط بهذه الصحوة، ومن واقع التصريحات والمواقف المختلفة التي عبر عنها بعض الجماعات الصوفية، على نحو ما رأينا امثلة لها، من الواضح ان هذا الخطاب له مضمون فكري وسياسي محدد يدور في مجمله حول الدعوة لمحاربة السلفية وما يعتبرونه فهما او تفسيرا جامدا للإسلام، والترويج بالمقابل لما يعتبرون انه رؤية اكثر انفتاحا للإسلام.
ومن الملاحظ ان هذا الخطاب يطرح قضايا وجوانب لم يعرف عن الصوفية من قبل الاهتمام بها، كقضايا الامن والسلام في العالم ومحاربة الارهاب والحوار بين الحضارات.
ثانيا: من السهل ملاحظة العلاقة الوثيقة بين هذا الخطاب الجديد للصوفية، وبين الدور السياسي الذي تطرحه بعض الجماعات الصوفية، وبين الخطاب الغربي الذي ساد في السنوات الماضية.
كما نعرف، فان هذا الخطاب الغربي ركز اساسا فيما يعتبر انه فهم للإسلام يروج للعنف والتطرف والارهاب، وفي حاجة العالم الاسلامي إلى رؤية جدية تؤكد الاعتدال والتسامح.. الخ.
ثالثا: من الملاحظ بالطبع العلاقة الوثيقة عمليا بين قوى خارجية وهذه الصحوة السياسية الصوفية. ومقصود هنا بالطبع خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، وايران ايضا ان صحت المعلومات المتعلقة بعلاقة ايران ببعض الجماعات الصوفية.
هذه العلاقة تبدأ من الاحتضان والتشجيع المباشر لبعض الجماعات الصوفية كي تلعب دورا سياسيا وفقا لهذا النوع من الافكار، ويمتد حتى الجوانب التنظيمية كما رأينا في حالة بريطانيا التي رعت انشاء المجلس الصوفي العالمي.
ما هي المشكلة؟
في ضوء ما ذكرناه، كيف لنا اذن ان نقيم اجمالا هذه الصحوة السياسية للصوفية في العالم الاسلامي، وفي أي اطار يمكن ان نضعها؟
من حيث المبدأ، ليست هناك مشكلة في ان تتطلع بعض الجماعات الصوفية الى ان تلعب دورا سياسيا وفقا لأفكار ورؤية معينة تتبناها، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذه الرؤية والافكار، وسواء تعلقت بمواقف من القضايا المحلية أو القضايا العالمية.
ما هي المشكلة اذن؟
المشكلة ان هذه الصحوة تندرج، على الأقل في جوانب اساسية منها، في اطار رؤية وتخطيط امريكيين يستهدفان الترويج لما يعتبرونه في امريكا اسلاما معتدلا أو منفتحا أو أيا كانت التسمية، وبالمقابل مواجهة وحصار القوى الاسلامية التي يعتبرون انها تروج لإسلام جامد أو متطرف، أو بمعنى ادق معاد للغرب.
المتابع للفكر الاستراتيجي الامريكي في السنوات الماضية، يعرف بالضرورة ان لديهم استراتيجية واضحة المعالم في هذا الاتجاه، ويعرف ان احد الجوانب المهمة في هذه الاستراتيجية، العمل على احتضان الجماعات الصوفية في العالم الاسلامي وتشجيعها على ان تلعب دورا سياسيا في المجتمعات الاسلامية في اطار هذه الاستراتيجية.
من هنا بالضبط تأتي المشكلة مع هذه الصحوة السياسية للصوفية التي يشهدها العالم الاسلامي في الفترة الماضية.
ولهذا، من الاهمية بمكان ان نعرف بالضبط وبشكل تفصيلي، ابعاد التصورات والمخططات الأمريكية بهذا الخصوص، أي تصوراتهم ومخططاتهم فيما يتعلق بدور الصوفية كما يريدونه ان يكون.
وهذا ما سوف نعرض له تفصيلا في المقال القادم بإذن الله.