يوميات الديكتاتور في منفاه
حين يصحو من النوم صباحاً يتذكر فورا واقعه الجديد، فتنهار اعصابه، وحين ينهض من قيلولة بعد الظهر، يواجه ذات الواقع الثقيل
حين يصحو من النوم صباحاً يتذكر فورا واقعه الجديد، فتنهار اعصابه، وحين ينهض من قيلولة بعد الظهر، يواجه ذات الواقع الثقيل
كتب: خالد أبو الخير - عمان - -
حين سقط الزعيم بدت الامور مغايرة في نظره، ولعله يحدث نفسه، بأنه ما كان يعلم؟ ولو عاد الان لفعل كذا وكذا؟.
لكن، كما يقول المتنبي، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد سبق السيف العذل، واللحظة التاريخية لا تتكرر.
الان.. يبدو الزعيم كمن كبر فجأة، لهول ما مر به على غير توقع، ذاهل القسمات، فاقد للثقة بكل شيء، سهل القياد على غير قناعة، حسبه القبول بما توفر له من مضيفين استقبلوه على شيء من مضض.. بعدما كان السيد المطاع، والاوحد.
يتعين عليه ان يستيقظ الان وقتما شاء، يتناول فطوراً لا يحس بمذاقه، مرتديا بيجامته، غير حليق، يهرب من نظرات افراد عائلته ومقربيه.. الى حيث لا يدري.
يتامل وجهه في المرآة ويتساءل ببساطة: هل هذا أنا؟. ربما يطيل التأمل، لكنه لن يقو على تثبيت عينيه بعينيه، فثمة في اعماقه شيء ما انكسر. شيء لا يمكن اصلاحه ولا رتقه.
تتسع نهاراته الان للخدر، من خدر الصباح الى خدر الضحى فالظهيرة حتى المساء. هو الذي كانت ايامه دوما حافلة بالمسؤوليات.
ربما يتسلى بلعب الورق او البلاستيشن وتدخين الارجيلة، او يمضي نهاراته في التحديق في جدران القصر الذي يقيم فيه، وفي ظنه انه سجن.
ياه.. لماذا لم اكن اسمع اهات المعذبين من شعبي والذين القيتهم وراء القضبان؟. تلك العبارة مجرد خاطر، لا يقدم ولا يؤخر.
حين يصحو من النوم صباحاً يتذكر فورا واقعه الجديد، فتنهار اعصابه، وحين ينهض من قيلولة بعد الظهر، يواجه ذات الواقع الثقيل، فلا يدري اين يمم شطره.
احد الاولاد فتح التلفاز، ياه.. كم هو بحاجة لأن يرى تلفازاً وينسى. لكنه سرعان ما يتذكر أن التلفاز ما زال يمعن في ذكره غير الجميل.
يقولون انني كنت دكتاتورا.. ههه. انهم لا يعرفون!
يهرب من وجوه اولاده، من نظرة يحار في تفسيرها في عيني زوجته، من نظرات الخدم القائمين على خدمته، والحراس الموكول اليهم حمايته.. من اصوات متظاهرين ما تزال تصرخ في اذنيه، وجدران لا ترد الصدى.
يتمشى في حديقة قصره الجديد، يقول لنفسه أن ذلك الشارع يشبه شارعا في وطنه، وتلك النخلة تشبه نخلة قبالة قصره المنيف، لكنه يخدع نفسه، فلا شيء يشبه الوطن.
الوطن الذي ضيعته.. فضعت..!