ادب مترجم
رثاء
محمد الصالح الغريسي
" لوسي "
للشّاعر الفرنسي ألفريد دي موسيه
رثاء
أصدقائي الأعزّاء،عندما أموت
اغرسوا في المقبرة شجرة صفصاف
أنا أحبّ أوراقها الكئيبة
فشحوبها لطيف، و عزيز على نفسي
و ظلّها سيكون خفيفا على التّربة الّتي فيها سأنام.
ذات مساء ،كنّا وحيدين،كنت جالسا حذوها
أحنت رأسها، و على قيثارتها،
تركت يدها البيضاء تسبح ،و هي في شبه حلم
لم تكن سوى همسة: كما لو كانت خفقات جناح
أو نسمة نديّة قصيّة تتسلّل بين القصب
تخشى و هي تمرّ أن توقظ الطّيور.
نفحات اللّيل الدّافئة الكئيبة
تضوع حوالينا ،من كؤوس الزّهور
أشجار القسطل في الحديقة،و أشجار الدّوح العتيقة
تتمايل في هدوء تحت أفنانها الباكية.
كنّا نصغي إلى اللّيل،و من النّافذة المنفرجة
كانت تأتينا عطور الرّبيع
كانت الرّياح خرساء،و السّهل مقفر
كنّا وحيدين ،متأمّلين،و كنّا في الخامسة عشر من عمرنا
كنت أنظر إلى "لوسي".لقد كانت شاحبة و شقراء.
ليس ثمّة عينان أحلى،لهما من الصّفاء ما لأصفى سماء
عميقتان كانتا،تعكسان زرقة اللازورد
كان جمالها يسحرني،لم يكن لي سواها في هذا العالم
لكن كنت أَحْسَبُنِي أحبّها كما تُحَبُّ الأخت
ما أكثر ما في تصرّفاتها من الحياء
سكتنا لوقت طويل،ثمّ لامست يدَها يَدِي
كنت أتأمّل جبينها الحالم في حزنه و فتنته
كلّ حركة تصدر عنها،كانت قريبة إلى روحي
كم بيننا ،من هم قادرون أن يشفوا كلّ الآلام ؟
هاتان العلامتان التوأمان للسّلام و السّعادة
شباب الوجه وشباب القلب
البدر و هو يطلع في سماء بلا غيوم
من شبكة فضيّة طويلة ،غمرها فجأة
لقد لَمَحْتُ صورتها تشرق في عينيّ
و ابتسامتها تبدو كأنّما لملاك:فغنّت.
يا ابنة الآلام،التآلف ،التّآلف
تلك اللّغة الّتي ابتدعها الجان للحبّ
و الّتي جاءتنا من إيطاليا،و جاءته من السّماوات
يا لغة القلب الرّقيقة،تلك الوحيدة الّتي تمرّ فيها الفكرة
هذه العذراء المتهيّبة،ذات الظلّ المَهين
محتفظة بوشاحها، لا تخشى العيون
من يدري ما تستطيع طفلة، أن تسمعه أو تقوله،
في آهاتها الإلهيّة،المولودة من الهواء الّتي تتنفّسه
الحزينة مثل قلبها،النّاعمة مثل صوتها؟
تفاجئك منها نظرة،دمعة تسيل
الباقي هو لغز يجهله الجميع
كلغز البحر و اللّيل،و الغاب
كنّا وحيدين ،نتأمّل...كنت أنظر إلى" لوسي"
كان صدى رومنسيّتها فينا ، يبدو مرتجفا
أسندت إليّ رأسها المثقل
لعلّكِ كنتِ تحسّين في قلبك "ديدمونة" و هي تئنّ
مسكينة أيّتها الطّفلة؟ كنت تبكين
كنت تدعين في حزن ،شفتيّ تحطّان كفراشة على فمك الرّائع
ما حصل أّنّ ألمك هو الّذي استلم قبلتي
هكذا كنت أقبّلك،باردة،حائلة اللّون
هكذا بعد شهرين،وُضِعْتِ في القبر
هكذا ذبلت،يا زهرتي العفيفة
كان موتك ابتسامة حلوة كحياتك
ثمّ انتقلت إلى اللّه في مهدك
لغز لطيف أنتَ،يا بيتا تسكنه البراءة
و الأغنيات،و أحلام الحبّ،و الضَّحكات،و كلمات طفلة
و أنْتِ، يا فتنة مجهولة،لا يقف أمامها شيء
يا من جعلت "فاوست" يتردّد على عتبات "مارغريت"
يا براءة الأيّام الأولى،إلى أين انتهيت؟.
سلاما عميقا إلى روحك يا أيّتها الطّفلة،و إلى ذكراك
الوداع..يدك البيضاء على ملامس العاج
طوال ليالي الصّيف،لن تحلّق بعد اليوم...
أصدقائي الأعزّاء،عندما أموت
اغرسوا في المقبرة شجرة صفصاف
أنا أحبّ أوراقها الكئيبة
فشحوبها لطيف ، عزيز على نفسي
و ظلّها ،سيكون خفيفا على التّربة الّتي فيها سأنام.
Alfred de MUSSET (1810-1857)
Lucie
Élégie
Mes chers amis, quand je mourrai,
Plantez un saule au cimetière.
J'aime son feuillage éploré ;
La pâleur m'en est douce et chère,
Et son ombre sera légère
À la terre où je dormirai.
Un soir, nous étions seuls, j'étais assis près d'elle ;
Elle penchait la tête, et sur son clavecin
Laissait, tout en rêvant, flotter sa blanche main.
Ce n'était qu'un murmure : on eût dit les coups d'aile
D'un zéphyr éloigné glissant sur des roseaux,
Et craignant en passant d'éveiller les oiseaux.
Les tièdes voluptés des nuits mélancoliques
Sortaient autour de nous du calice des fleurs.
Les marronniers du parc et les chênes antiques
Se berçaient doucement sous leurs rameaux en pleurs.
Nous écoutions la nuit ; la croisée entr'ouverte
Laissait venir à nous les parfums du printemps ;
Les vents étaient muets, la plaine était déserte ;
Nous étions seuls, pensifs, et nous avions quinze ans.
Je regardais Lucie. - Elle était pâle et blonde.
Jamais deux yeux plus doux n'ont du ciel le plus pur
Sondé la profondeur et réfléchi l'azur.
Sa beauté m'enivrait ; je n'aimais qu'elle au monde.
Mais je croyais l'aimer comme on aime une soeur,
Tant ce qui venait d'elle était plein de pudeur !
Nous nous tûmes longtemps ; ma main touchait la sienne.
Je regardais rêver son front triste et charmant,
Et je sentais dans l'âme, à chaque mouvement,
Combien peuvent sur nous, pour guérir toute peine,
Ces deux signes jumeaux de paix et de bonheur,
Jeunesse de visage et jeunesse de coeur.
La lune, se levant dans un ciel sans nuage,
D'un long réseau d'argent tout à coup l'inonda.
Elle vit dans mes yeux resplendir son image ;
Son sourire semblait d'un ange : elle chanta.
Fille de la douleur, harmonie ! harmonie !
Langue que pour l'amour inventa le génie !
Qui nous vins d'Italie, et qui lui vins des cieux !
Douce langue du coeur, la seule où la pensée,
Cette vierge craintive et d'une ombre offensée,
Passe en gardant son voile et sans craindre les yeux !
Qui sait ce qu'un enfant peut entendre et peut dire
Dans tes soupirs divins, nés de l'air qu'il respire,
Tristes comme son coeur et doux comme sa voix ?
On surprend un regard, une larme qui coule ;
Le reste est un mystère ignoré de la foule,
Comme celui des flots, de la nuit et des bois !
- Nous étions seuls, pensifs ; je regardais Lucie.
L'écho de sa romance en nous semblait frémir.
Elle appuya sur moi sa tête appesantie.
Sentais-tu dans ton coeur Desdemona gémir,
Pauvre enfant ? Tu pleurais ; sur ta bouche adorée
Tu laissas tristement mes lèvres se poser,
Et ce fut ta douleur qui reçut mon baiser.
Telle je t'embrassai, froide et décolorée,
Telle, deux mois après, tu fus mise au tombeau ;
Telle, ô ma chaste fleur ! tu t'es évanouie.
Ta mort fut un sourire aussi doux que ta vie,
Et tu fus rapportée à Dieu dans ton berceau.
Doux mystère du toit que l'innocence habite,
Chansons, rêves d'amour, rires, propos d'enfant,
Et toi, charme inconnu dont rien ne se défend,
Qui fis hésiter Faust au seuil de Marguerite,
Candeur des premiers jours, qu'êtes-vous devenus ?
Paix profonde à ton âme, enfant ! à ta mémoire !
Adieu ! ta blanche main sur le clavier d'ivoire,
Durant les nuits d'été, ne voltigera plus...
Mes chers amis, quand je mourrai,
Plantez un saule au cimetière.
J'aime son feuillage éploré ;
La pâleur m'en est douce et chère,
Et son ombre sera légère
À la terre où je dormirai.
**********
ألفريد دي موسيه
هو شاعر فرنسي رومانسي وأديب وروائي حققت كتاباته شهرة طاغية، لما فيها من مشاعر مرهفة وأحاسيس قوية، وينتمي موسيه إلى المدرسة الرومانسية والتي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وازدهرت أوائل القرن التاسع عشر ومنتصفه، وقد أتت الرومانسية كرد فعل مضاد للكلاسيكية والاتجاه نحو العقل الذي اتبعه السابقون، وكان موسيه واحداً من الشعراء الذين تمردوا على القيود الكلاسيكية وتبنوا المذهب الرومانسي الذي يدعو إلى ا لحرية.
عائلة راقية ولكن فقيرة
ولد لويس شارلز ألفريد دي موسيه في الحادي عشر من ديسمبر 1810 بباريس، كانت عائلته تنتمي لعائلات الطبقة العليا هذا على الرغم من الفقر الذي نشأ به موسيه، شغل والده عدد من المناصب الحكومية الهامة، لكنه كان يبخل بماله على ولده فلم يمنحه شيئاً أبداً، وكانت والدته إحدى سيدات المجتمع الراقيات تولي أهمية لغرفة الرسم الخاصة بها وللحفلات الراقية، وقد تأثر موسيه كثيراً بهذا.
موهبة منذ الطفولة
عشق موسيه الأدب والشعر وبدأت مؤشرات الموهبة تظهر عليه في مرحلة الطفولة، وذلك من خلال ولعه بالقصص الرومانسية القديمة فكان ينكب على قراءة القصص الصغيرة ثم يحاول تجسيدها على شكل مسرحيات مصغرة، بعد ذلك بعدة سنوات طرأت فكرة للشقيق الأكبر باول موسيه وهي تدوين السيرة الذاتية لشقيقه الشهير من اجل حفظها للأجيال القادمة فضمت السيرة المسرحيات التي قدمها ألفريد إلى جانب العديد من التفاصيل الخاصة بحياته وأدبه.
التحق ألفريد في سن التاسعة بكلية هنري الرابع، وفي عام 1827 تمكن من الفوز بجائزة المقالات اللاتينية، بمساعدة بول فوشيه صهر فيكتور هوجو، وفي سن السابعة عشر بدأ ألفريد ينتظم في حضور الصالونات الأدبية لشارل نودييه، وانضم إلى Cénacle وهو اسم أطلق على إحدى المجموعات الأدبية الباريسية التي نشأت عام 1826 والتفت حول شارل نودييه، وسعت هذه الجماعة من اجل إحياء الأدب الفرنسي، وكان في هذه الجماعة لامارتين، وفيكتور هوجو وغيرهم.
بدايته ككاتب
بعد العديد من المحاولات لدراسة الطب، والقانون والرسم والإنجليزية، ترك ألفريد كل ذلك واتجه للأدب، فصار واحداً من الأدباء الرومانسيين، ونشر أولى مجموعاته الشعرية عام 1829 تحت عنوان "قصص من إسبانيا وإيطاليا"، ومع مرور الوقت وبوصوله إلى سن العشرين حقق ألفريد موسيه الكثير من الشهرة الأدبية.
فكره الرومانسي
انتمى موسيه إلى الفترة الرومانسية والتي تزامنت مع وجوده كأديب وشاعر، وانضم في فكره الرومانسي إلى جانب عدد من الشعراء أمثال الفونس دو لامارتين، وفيكتور هوجو، والفرد دو فيني وغيرهم، وكان هؤلاء الشعراء والكتاب الرومانسيين يرفضون العقلانية الزائدة والشكل الأدبي الخالي من الحياة، بينما كانوا يؤيدون إبراز العواطف والخيال، وابتكروا وسائل جديدة من أجل حرية التعبير.
وكان موسيه أحد هؤلاء يميل إلى الرومانسية ويمجد القلب بما فيه من مشاعر ويقال في ذلك أنه كان يعارض مقولة الناقد الفرنسي نيكولا بوالو صاحب المذهب الكلاسيكي الحديث والذي يعتبر أن العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، ويقول " أحبوا دائماً العقل، ولتستمد منه وحدة مؤلفاتكم كل ما لها من رونق وقيمة"، أما موسيه فكان يقول "أول مسألة لي هي ألا ألقي بالاً إلى العقل" وهنا يقصد العقل بمعناه الكلاسيكي، ثم ينصح صديق له فيقول " أقرع باب القلب ففيه وحدة العبقرية وفيه الرحمة والعذاب، وفيه صخرة صحراء الحياة، حيث تنحبس أمواج الألحان يوماً ما إذا مستهما عصا موسى"
وقد تميز موسيه بموهبته الشعرية العبقرية، وتعبر قصائده الحزينة المكتئبة عن الحب والمعاناة والوحدة، من قصائده "الأمسيات" 1835 – 1837 ويتضح بها شدة تأثر موسيه والقسوة التي عانها بفقد حبيبته.
موسيه العاشق
بالطبع عندما يكون الكاتب عاشقاً للرومانسية ومنتمياً إليها قلباً وقالباً تكون مشاعره أكثر رقة من الآخرين، وهو ما كان مع موسيه الذي عاني من قصة حب مشتعلة مع الروائية الفرنسية الشهيرة جورج ساند، والتي استلهم أحداث مسرحيته "لا تهزأ بالحب" من خطابات الغرام بينهم.
وقد دخلت ساند حياة موسيه وسافرت معه إلى إيطاليا عام 1834 ثم هجرته، وقد روت جورج ساند قصة الحب هذه في كتابها "هي وهو" وصدر عام 1859، ورد عليها شقيق موسيه الأكبر باول بقصة مضادة بعنوان "هو وهي".
وجورج ساند هي روائية فرنسية اسمها الحقيقي "أورور ديبان" عرفت بتمردها وانطلاقها وعشقها للحرية، كما عرفت بمغامراتها العاطفية، قدمت العديد من الروايات مثل أندريه، جاك ماتيو، هي وهو وغيرها الكثير من المؤلفات.
مؤلفاته
تنوعت الأشكال الأدبية لموسيه فقدم الشعر والقصة والمسرحية، نذكر من أعماله قصيدته الطويلة "رولا" عام 1833،
ثم قدم عدد من الأعمال الأدبية في الفترة من 1835 – 1837 منها "الليالي"،
وفي عام 1836 أصدر "اعتراف فتى العصر"،
و"حكاية الإنسان الضائع" 1842،
"بيير وكاميل" 1844، اعترافات طفل من القرن وهو سيرة ذاتية،
قصيدة الذكرى" والتي قال فيها:
لا أريد أن أعرف شيئاً، لا الحقول إذا أزهرت
ولا ما سيحدث للشبح الإنساني
ولا إذا كانت هذه السموات الواسعة ستتكشَّف غداً
هذا الذي كتمتْهُ عنا
يكفيني أن أقول: في هذه الساعة، في هذا المكان
إنني قد أحببْتُ ذات يوم، وأحببتُ.
كانت جميلة
سأُخفي هذا الكنز في نفسي الخالدة
وأحمله معي إلى الله!
وفي قصيدته "محنة" يقول :
ساعة موتى، منذ ثمانية عشر شهراً
تدق أذنى من كل الجهات
منذ ثمانية عشر شهراً من السأم والسهاد
فى كل مكان أحسه وأراه في كل مكان
كلما انهزمت إزاء بؤسى
كلما تيقظت بداخلى غريزة الشقاء
ومنذ أن أردت أن أخطو على الأرض
أشعر فجأة بأن فؤادى يتوقف
قوتى، في صراع ترهق نفسها ولم تأل جهداً
حتى راحتى، الكل في خلاف
وكما فرس منهك من التعب
شجاعتي تهمد، تترنح .. ثم تذبح
وفاته
توفى موسيه في الثاني من مارس 1857 وهو في السابعة والأربعين من عمره
محمد الصالح الغريسي[code]