بعد انتزاع اعترافات دولية بدولة فلسطينية مستقلة
الفلسطينيون يتمسكون بسلاح الدبلوماسية في مواجهة إسرائيل
عنان الناصر من رام الله
تسعى السلطة الفلسطينية للحصول على المزيد من الاعترافات الدولية بدولة فلسطيينة مستقلة على حدود الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها مدينة القدس الشرقية، وهي الخطوة التي تغضب اسرائيل وترى فيها نصرا دبلوماسيا للفلسطينيين.
عادت الديبلوماسية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية مجددا بعد النجاحات التي حققتها بانتزاع اعترافات دولية بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 رغم المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى إجهاضها.
وتسعى القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس إلى تحقيق المزيد من هذه الاعترافات التي شكلت بحسب مراقبين إحراجا للسياسة الإسرائيلية ووضعت إسرائيل أمام مأزق دولي جديد.
وفي هذا الخصوص قال بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب الفلسطيني في لقاء خاص مع "إيلاف": "إن هناك نجاحات ملموسة على مستوى واضح خاصة في تحركات الرئيس محمود عباس تجاه حشد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على كامل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس".
وأضاف: "أيضا هناك نجاحات في إظهار إسرائيل باعتبارها المسؤولة عن إفشال عملية السلام وتعطيلها وكذلك أيضا في السعي من أجل انتزاع قرارات من مجلس الأمن والأمم المتحدة بإدانة الاستيطان وهذا كله بحد ذاته يمثل تحرك به عنصر مبادرة بالنسبة للديبلوماسية الفلسطينية".
وأكد الصالحي أن اعترافات العديد من الدول بالدولة الفلسطينية لها أهمية واضحة تتمثل في أنها تحسم أمر الحدود خارج إطار المفاوضات الذي لطالما أرهنته إسرائيل بالمفاوضات، ويدلل ذلك على أن الحدود واضحة واذا كان هناك تبادل للأراضي فإن ذلك سيتم على هذا الأساس.
وأوضح أن المطلوب من الفلسطينيين الآن يتمثل بالاتفاق على ثلاث قضايا أساسية هي: أن يكون هناك تأكيد واضح أن هناك تمسك فلسطيني كامل بالدولة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 بما فيها القدس وغزة، ووحدة التمثيل الفلسطيني، وحرية العمل السياسي والديمقراطي في غزة والضفة.
وعن اجتماعات مركزية حزب الشعب التي انعقدت مؤخرا، في مدينة رام الله أكد الصالحي، أن اللجنة بحثت عدة قضايا على الصعيد السياسي ومنها أن حزب الشعب يدعم استمرار الجهود السياسية المبذولة على صعيد تحقيق اعترافات دولية بالدولة الفلسطينية حيث كان من أوائل الأحزاب والفصائل الذين طالبوا بالسير على هذا النهج.
وبحسب أمين عام حزب الشعب فقد دعت اللجنة المركزية إلى ضرورة اعداد استراتيجية فلسطينية لحشد كل الامكانيات لتجسيد هذا الاعتراف الدولي لموقف واضح في الأمم المتحدة وأن يصبح موقفا واضحا لكل أنصار ومؤيدي الشعب الفلسطيني وعدم رهن الدولة بالمفاوضات.
وقال: "نعمل أيضا لتشجيع القيام بحراك شعبي وجماهيري يتماشى مع الحراك السياسي والعمل على التكامل الشعبي"، وفيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية أكد أن "هناك أفكار سنناقشها لاحقا مع الفصائل الفلسطينية".
السياسة الفلسطينية تحرج إسرائيل
بدوره قال المحلل السياسي الدكتور أحمد رأفت في اتصال هاتفي مع "إيلاف": "إنه مما لا شك فيه أن الديبلوماسية الفلسطينية سجلت نجاحا ملحوظا في الفترة الأخيرة وذلك تمثل باعتراف العديد من دول العالم بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 والقدس عاصمة لها".
وأضاف: "أننجاح هذه الديبلوماسية على الصعيد الدولي سبب إحراجا لإسرائيل أمام الموقف الدولي، مؤكدا في الوقت ذاته أن الديبلوماسية الفلسطينية تحتاج إلى دعم مستمر من الجامعة العربية والدول العربية والإسلامية لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية المضادة".
وأكد رأفت أن أبرز الصعوبات التي تواجه الديبلوماسية الفلسطينية تتمثل بالانحياز الأمريكي لإسرائيل والتعنت الإسرائيلي أمام الضغوط الدولية، منوها إلى أن هذا الأمر يتطلب مزيدا من ضغط الديبلوماسية الفلسطينية على الولايات المتحدة حتى تغير من نهجها.
وشدد على ضرورة تكثيف الجهود لتحقيق الوحدة الفلسطينية والتخلص من عقبة الانقسام الفلسطيني لتعزيز نجاحات الديبلوماسية الفلسطينية في المطالبة باعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وغزة والقدس الشرقية.
ودعا السلطة الفلسطينية إلى البقاء على موقفها الرافض لاستئناف المفاوضات دون توقف الاستيطان الذي يعمل على نسف أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
الاعترافات دعم للفلسطينيين
من جهته أكد أحمد عساف الناطق باسم حركة فتح في الضفة الغربية في لقاء خاص مع "إيلاف" تمكن القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وحركة فتح من تحقيق نجاحات ملموسة على الصعيد الخارجي تمثل باعتراف أكثر من سبع دول منها البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والاكوادور وغوايانا وروسيا بالدولة الفلسطينية.
وقال عساف: "إن كل هذه النجاحات للسياسة تعبر عن رسالة دعم واضحة من هذه الدول للموقف الفلسطيني وكانت بمثابة رسالة رافضة للسياسة الإسرائيلية وحكومتها ورافضة لكل الإجراءات الإسرائيلية على كل الأراضي المحتلة عام 1967 وكانت أيضا بمثابة رسالة واضحة لإسرائيل لتعطيلها عملية السلام وإفشالها".
وأضاف: "هذه الرسالة كان مفادها أيضا أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي أمام إفشال إسرائيل لكل هذه المفاوضات وتعبر عن رفض العالم لهذه السياسات الإسرائيلية".
وعن أهمية هذه الاعترافات بالنسبة للفلسطينيين أكد عساف أن هذه الاعترافات تعد غاية في الأهمية من عدة نواحي فهي تمثل رسالة دعم للسياسة الفلسطينية والموقف الفلسطيني والرئيس محمود عباس ورسالة رفض للسياسات الإسرائيلية.
وقال عساف: " إن هذه الاعترافات على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 تحسم قضية التفاوض على الحدود التي تحاول إسرائيل جر الفلسطينيين إليها بالمفاوضات، كما شكلت هذه الاعترافات استباق وحسم للنتيجة بأن حدود الرابع من حزيران عام 1967 هي حدود الدولة الفلسطينية".
وأضاف "أن كل الممارسات الإسرائيلية على هذه الحدود وداخلها هي ممارسات لاغية ما يعني أنه عندما تعترف هذه الدول بحدود الدولة الفلسطينية فإن كل المستوطنات الإسرائيلية داخل هذه الحدود غير شرعية ويجب أن تزال وأن القدس الشرقية جزء من الأراضي التي احتلت عام 1967 وبالتالي ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية وهذا أمر يقطع الطريق على تهويد القدس والمستطونات والجدار والاستيلاء على الأغوار".
ونوه الناطق باسم حركة فتح إلى أنه أذا ما استمرت إسرائيل برفض تتطبيق قرارات الشرعية الدولية فإن هذا يعني أن أي تحرك قادم للفلسطينيين في محكمة العدل العليا أو في مجلس حقوق الإنسان يكون لصالحهم كونهم حصلوا على تأييد لمعظم دول العالم التي اعترفت بهذه الحدود عندئذ.
وقال عساف: "إن مدى الانزعاج الإسرائيلي من هذه النجاحات بات واضحا وعبر عنه كل الساسة الإسرائيليين وتمثل كذلك بعمل استنفار لكافة السفارات الإسرائيلية في الخارج لمحاولات التصدي لكل هذه النجاحات التي حققتها القيادة الفلسطينية".
وأضاف:" نحن الآن أمام مشهد يتمثل بأن هناك تفهم غير مسبوق للموقف الفلسطيني على مستوى العالم ورفض غير مسبوق للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، مؤكدا أن ذلك النجاح كان لوضوح السياسة الفلسطينية ومصداقية التعامل التي أوضحها وقام بها الرئيس محمود عباس ونتيجة للمواقف الواضحة المتمسكة بالسلام ضمن الحق الفلسطيني".
وأشار إلى أن السياسة الفلسطينية ستسير على نفس الخطة وصولا إلى تحقيق الهدف الفلسطيني الأسمى المتمثلل بالخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
وعن المطلوب فلسطينيا لتعزيز هذه النجاحات، قال عساف: "إن أهم خطوة لتعزيزها يتمثل بضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي تسببت به حركة حماس، داعيا حماس إلى القيام بقطع الطريق على الحكومة الإسرائيلية والإسراع بتحقيق المصالحة الفلسطينيية من خلال التوقيع على الوثيقة المصرية لاستثمار ذلك في مصلحة القضية الفلسطينية وتحقيق المزيد من النجاحات".
خطط إسرائيلية مناهضة
وتسعى إسرائيل كما أكدت وسائل إعلام عربية ودولية وإسرائيلية إلى التصدي لهذه النجاحات التي حققتها السياسة الفلسطينية على المستوى الدولي بالقيام بخطط مناهضة لإجهاض هذه النجاحات.
وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أوردت يوم أمس خطة اعتراضية يفكر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين لمواجهة الديبلوماسية الفلسطينية التي تحقق تقدما واضحا.
ووفق ما صرح به مقربون من وزير خارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان فإن نتنياهو بدأ يفكر في هذه الخطوة بعد أن ظهر أمام المجتمع الدولي في صورة الرافض للعملية السلمية بعد رفض الاقتراح الامريكي بتمديد تجميد الاستيطان لثلاثة اشهر اضافية، وفي ظل تقدم ملحوظ لليساسة الفلسطينة والرئيس محمود عباس.
وبحسب ما نُشر على موقع صحيفة "هأرتس" لتحليل بعض الصحافيين العاملين في الصحيفة وكذلك وفقا لمصادر مقربة من وزارة الخارجية الاسرائيلي ومكتب نتنياهو، فإن الاتجاه يسير في اسرائيل لطرح خطة اعتراضية لتخفيف الضغط الدولي على اسرائيل، واظهار الطرف الفلسطيني رافضا للعملية السياسية في المنطقة على عكس الواقع الحالي، خاصة وأن الرئيس الفلسطيني في نظر المجتمع الدولي يسعى بكل جدية للتوصل الى اتفاق سلام في ظل رفض وتعنت اسرائيل.
واضاف الموقع أن الحكومة الاسرائيلية وخاصة السباعية على قناعة بالمشروع الجديد الذي يحاول ليبرمان بلورته كخطة اعتراضية استعدادا لاحتمال طرح الاعتراف بالدولة الفلسطينة على حدود عام 67 قبل نهاية هذا العام، من خلال اعتراف اسرائيلي بدولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة.
وأشار الموقع إلى أن الخطة تتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود مؤقتة على مساحة 50% من الاراضي التي احتلت عام 67، بحيث تتضمن هذه المساحة كافة مناطق "A" و"B" والتي تشكل ما يقارب 43% وسيتم ضم بعض المناطق الاخرى للوصول الى 50%، ومن ثم يتم التفاوض مع هذه الدولة للتوصل الى اتفاق نهائي وحدود نهائية للدولة الفلسطينية.
وأضاف الموقع أن ليبرمان اعتمد خطة خارطة الطريق التي تم طرحها من قبل الادارة الامريكية بعد اندلاع الانتفاضة الثانية لطرح هذه الخطة، حيث يوجد دعم لها من قبل بعض الوزراء في السباعية بالاضافة الى رئيس الوزراء نتنياهو الذي أبدى اهتماما بهذا الطرح.
خطط إسرائيلية لمحاصرة التحركات الفلسطينية
وقال الكاتب والمحلل السياسي أنطوان شلحت، مدير وحدة المشهد الإسرائيلي في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في تصريح لإيلاف: "إن قيام إسرائيل بخطط مناهضة للديبلوماسية الفلسطينية يدلل على المأزق الذي تعانيه السياسة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة والتي بدأت في أعقاب الحرب على غزة والتداعيات الدولية وتقرير لجنة جولدستون الأمر الذي أدخل السياسة الإسرائيلية في مأزق زاده في الآونة الأخيرة التحرك الديبلوماسي الفلسطيني الذي حقق انجازات ملموسة".
وأضاف" السياسة الإسرائيلية تعارض هذا التوجه وترفض مثل هذه الاعترافات التي حققتها الديبلوماسية الفلسطينية وتسعى جاهدة لاجهاضها".
وعن الخطة المناهظة للديبلوماسية الفلسطينية قال شلحت: "إن الخطة تقوم على محاولة محاصرة التحركات الفلسطينية وخاصة الحيلولة دون وصولها إلى منبر الأمم المتحدة ودون امكانية تحقيق انجاز يتمثل باتخاذ مجلس الأمن قرارا بمثل هذا الاعتراف الأمر الذي من شأنه أن يحرج السياسة الإسرائيلية".
وأكد أن التحركات الإسرائيلية تسير أيضا ضمن ما تسميه إسرائيل نزع شرعيتها علما أن النقد الموجه لها يتمحور حول السياسة الخاصة بها وليس ضد وجودها، موضحا أن إسرائيل تعتبر أن هذه الاعترافات بمثابة افقادها للشرعية وبالتالي تعمل على اجهاض التحركات الفلسطينية ويأتي تحرك نتنياهو من هذا الأساس.
وأوضح أن التخوفات الإسرائيلية تتمثل في قضية إمكانية قيام دول أوروبية باعتراف بالدولة الفلسطينية كما حذر قادة وسياسيون وأمنيون إسرائيليون بعدما نجحت الديبلوماسية الفلسطينية بانتزاع اعترافات من دول أمريكيا اللاتينية وروسيا ووعودات مماثلة على الصعيد الأوروبي.
وأكد شلحت، أن إسرائيل لا تسعى لمحاصرة هذا التحرك فحسب وإنما لدرء هذا التحرك على موقف الولايات المتحدة لأن من شأن هذا التحرك زيادة الضغوط الأمريكية على الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة للقبول بتسوية سياسية تفرض عليها.
وشدد على ضرورة تكريس النجاح الفلسطيني وإكسابه زخما جديدا بترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي وإنهاء الانقسام، منوها إلى ضرورة وجود خطة فلسطينية وطنية تحظى بإجماع وطني الأمر الذي سيعزز الوحدة الفلسطينية التي ستعمل بدورها على تعزيز هذه الجهود.