المسؤولون الفلسطينيون والجوازات الاردنية
رأي القدس
تتزايد الانتقادات في الاردن للاجراءات التي اقدمت عليها حكومات سابقة بسحب الجنسيات والارقام الوطنية من مواطنين اردنيين من اصل فلسطيني، وهذه ظاهرة صحية تكشف عن حراك سياسي في الاتجاه الذي يخدم الوحدة الوطنية ويعزز الاستقرار في البلاد.
بالامس كشف المهندس عاطف الطراونة الرجل الثاني في البرلمان الاردني، النقاب عن تناقض كبير في مواقف هذه الحكومات، عندما قال انه في الوقت الذي كانت تسحب فيه جنسيات اردنيين بحجة الحفاظ على الهوية الفلسطينية اقدمت على منح قياديين في السلطة الفلسطينية واسرهم جنسيات وارقاماً وطنية اردنية، مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وانجاله، والسيد احمد قريع رئيس الوفد المفاوض وجميع افراد عائلته، اضافة الى السيدين نبيل ابو ردينة ومحمد دحلان.
منح الدولة جنسيات لمسؤولين فلسطينيين واسرهم لا يعيبها، بل يعيب هؤلاء المسؤولين الذين من المفترض ان يعتزوا واسرهم بجنسياتهم الفلسطينية، وجواز السفر الصادر عن سلطتهم، فاذا كان هؤلاء غير مقتنعين، بل غير مفتخرين بهذه السلطة ووثائقها، وجوازات سفرها، فهذا يعني انهم ليسوا مخلصين لها، ولا يستحقون الحديث باسمها.
الدولة الاردنية لم تعرض جنسياتها على هؤلاء بل هم الذين طلبوها، وربما احرجوا مسؤولين اردنيين كبارا بمثل هذا الطلب، بحيث لم يستطيعوا رفضه لاعتبارات تتعلق بالآداب والكرامات وعدم رد طالب الخدمة.
ولا نعتقد ان الدولة الاردنية تخسر كثيرا اذا اعطت مسؤولين فلسطينيين جنسيات وارقاماً وطنية، فمئة او مئتان او حتى الف جنسية تمنح لهؤلاء لن تحدث خللاً في التركيبة السكانية ولا الديموغرافية الاجتماعية، بل ربما تعود بفوائد على الاردن بعضها سياسي والآخر اقتصادي، فبعض اسر هؤلاء المسؤولين تملك ثروات لا بأس بها يمكن استثمارها في الاردن وايجاد دورة اقتصادية تخلق وظائف لبعض العاطلين.
الخسارة الحقيقية تتمثل في سحب الجنسيات من مواطنين اردنيين من اصل فلسطيني اقاموا في البلاد طوال حياتهم، وذهبوا الى مدارسها، وتعالجوا في مستشفياتها وأدوا التحية لعلمها، وانخرطوا في مؤسساتها العسكرية، اي لم يعرفوا غيرها على الاطلاق. فالحكومة، اي حكومة، يجب ان تحترم وثائقها، ولا تسحب جنسية منحتها لشخص حتى لو تبين ان الشروط لم تكن مستوفاة، لان الذنب لم يكن ذنب الشخص المعني، والخطأ ليس خطأه، والدولة اقدر على تجاوز بعض الاخطاء، مع تسليمنا ان من سحبت جنسياتهم لم يرتكبوا اي خطأ، وهي اقدر ايضا على استيعاب هؤلاء وتيسير سبل العيش والاستقرار لهم في بلدهم.
الادرن تميز في محيطه العربي وعلى مدى مئة عام تقريباً بالتسامح والتعايش واستيعاب الهاربين بأرواحهم من الظلم والطغيان، مثلما تميز بالمناخ الاستثماري الحر، وتشجيع رأس المال، ودعم التعايش بين مختلف الوان الطيف العرقي والسياسي. وسحب الجنسيات لاعتبارات غير مفهومة، بل وغير مبررة يشوه مثل هذه الصورة، ويهدد استقرار البلاد.
التوجه الحالي بوقف مثل هذه الممارسات، اي سحب الجنسيات يصحح خطأ ما كان يجب ان يقع، ومعارضة رموز اردنية مثل النائب الطراونة يكشف عن وعي وطني يضع مصلحة الاردن ومواطنيه وامنه واستقراره فوق الكثير من الاعتبارات الاخرى، رغم اعتقاد البعض بوجاهتها.