"البوليس" يطلب الصفح من الشعب التونسي ويبدأ بترميم سمعته
العرب أونلاين - تونس - طارق القيزاني - يكافح رجال الشرطة في تونس لترميم سمعة المؤسسة الأمنية المتنفذة في البلاد والتي طالما أثارت مخاوف المواطنين في عهد الرئيس السابق عوض السهر على حمايتهم.
وفي مشهد نادر وغير مسبوق تظاهر الآلاف من رجال الأمن الداخلي بعد نحو أسبوع من الإطاحة بنظام بن علي حاملين الشارات الحمراء ليعلنوا توبتهم وتبرئهم من الممارسات القمعية التي طالت المواطنين والنشطاء والطلبة، وكل أطياف المجتمع على مدار أكثر من عقدين.
وخلال المسيرات التي انطلقت من الثكنات الأمنية ومراكز الشرطة في البلاد تقدم الكثير من كوادر الأمن الداخلي بطلب الصفح علنا من المواطنين بسبب التجاوزات والانتهاكات التي لحقتهم والتي ساهمت بشكل عميق في خوف المواطنين ونفورهم من البوليس.
ومنذ اعتلائه السلطة عام 1987 احتكم الرئيس السابق زين العبدين بن علي لدعم حكمه الى تعزيز مكانة المؤسسة الأمنية باطلاق صلاحياتها وفسح المجال لأكثر عدد ممكن من الأعوان للإنتساب إليها حتى تضخم حجمها ليبلغ اكثر من 200 ألف عنصر، ما يشكل نسبة 2 بالمئة من عدد السكان البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة.
ويفوق عدد أعوان الأمن في تونس خمسة أضعاف عدد افراد الجيش كما يفوق ايضا عدد افراد الشرطة في الدولة المستعمرة السابقة فرنسا بأكثر من خمسين الف فرد، على الرغم من ان عدد سكان فرنسا يبلغ ستة أضعاف عدد سكان تونس، اي ما يعادل 65 مليون نسمة تقريبا.
ولا يعرف اليوم ما اذا كان سيتم الاحتفاظ بهذا العدد الضخم من أعوان الشرطة التونسية في مواقعهم في ظل حاجة الدولة لإعادة توظيف مواردها لدفع عجلة التنمية من جديد.
وفي ععد النظام السابق كان يسهل مثلا ملاحظة الآلاف من عناصر الأمن الداخلي والحرس الرئاسي منتشرون على مدى عدة كيلومترات في العاصمة لتأمين تنقل بن علي انطلاقا من قصره الرئاسي. وكثيرا ما كانت تساهم تلك الإجراءات الأمنية المشددة في اختناق العاصمة وتحويلها لساعات الى مدينة مغلقة.
ويتهم اليوم صناع الثورة من الشعب في تونس الأجهزة الأمنية بالرشوة والفساد وبالتواطئ مع النظام السابق من خلال قمع الاحتجاجات بقسوة ما تسبب في مقتل 78 شهيدا بحسب أرقام رسمية فيما تقول منظمات حقوقية أن الرقم يتجاوز المائة.
وتبحث لجان التحقيق فيما اذا كانت أجهزة الأمن متهمة فعلا بالضلوع في عمليات التخريب التي طالت المؤسسات العمومية والخاصة ابان سقوط النظام وترويع المواطنين بالأسلحة النارية الأمر الذي دفع ببعض المواطنين إلى شن حملات انتقام لاحقا انتهت بمقتل عدد من افراد الشرطة.
لكن أعوان الأمن الذين باركوا الثورة والتحموا بالجماهير في الشارع مدؤخرا نفوا اي ضلوع لهم في القتل وتبرؤوا من عدد من الأفراد الفاسدين والمأجورين كما أعلنوا استعدادهم لبدء صفحة جديدة مع المواطنين وتبديد الفجوة العميقة مع الشعب.
واعترف الأعوان بالضغوط المسلطة على رقابهم من قبل المديرين في فترة النظام السابق ما جعلهم يعملون بحالة طوارئ على مدار الساعة رغم ان البلاد في حالة سلم. لكن الكثيرين اليوم يشكون كذلك من أوضاعهم الاجتماعية المتردية ويطالبون ببعث نقابة بوزارة الداخلية تسهر على الدفاع عن حقوقهم كسائر موظفي القطاعات الأخرى.
ولا يتجاوز مرتب الشرطي في الأدنى 350 دولارا كما يعمل في الغالب وفق دوام مفتوح. لكن رغم الشكاوي الكثيرة التي يسوقونها للرأي العام فإن الأولية المطلقة في هذه المرحلة تكمن في كسب ثقة المواطن وردم السمعة السيئة التي لازمت أجهزة الأمن في عهد الرئيس السابق. وهي مهمة ليست بالهينة.