ثورة الشعب المصري تنعكس جدلا في المغرب بين من ينتظر وصول 'العدوى' ومن يستبعدها
محمود معروف
الرباط ـ 'القدس العربي': انشغل عالم الانترنت المغربي بالانتفاضة المصرية وحمل موقع الفيس بوك الاجتماعي المئات من التعليقات التي تؤيد المتظاهرين المصريين ومطالبهم برحيل الرئيس حسني مبارك فيما يتواصل النقاش في الاوساط السياسية المغربية بين مطمئنين الى الوضع 'المختلف' للمغرب او استثنائه مما يجري في المنطقة العربية وآخرين يطالبون باصلاحات اساسية كخطوة استباقية تحول دون انتقال حمى التغيير.
وقال مدونون ان المغاربة المتوفرين على حسابات بالموقع الاجتماعي 'فيس بوك' يواصلون 'التعامل بدينامية كبيرة مع الثورتين الشعبيتين بكل من تونس ومصر واعتبارها حدثا تاريخيا غير مسبوق يعيد تقويم الأنظمة وينبه إلى قوة الشعب باعتباره المالك الحقيقي للسلطة التي يمنحها لمن يشاء.' واضاف هؤلاء ان الفضاء الافتراضي التفاعلي لـ'الفيس بوك'، غير المتردد في وصفه من قبل العموم بكونه 'أكبر حزب سياسي مغربي'، تعمه تعليقات منصبة على تداعيات 'ثورة الفلّ' المصرية وكل مستجد تعرفه، كما يعمدون إلى نشر صور وتسجيلات سمعية بصرية وكتابات تطال ذات الشأن.
واحتلت الانتفاضة المصرية جل صفحات وتقارير المواقع الالكترونية المغربية التي تنقل تطورات هذه الانتفاضة او تنشر مقالات وتعليقات متباينة المواقف مما يجري وانعكاساتها على المغرب.
وقال مدون مغربي الأربعاء، عقب مواجهات ميدان التحرير بين 'البلطجية' والمتظاهرين على جداره الافتراضي 'ثمن الحرية غال! إما أن يصمد المصريون ويقدموا المزيد من الضحايا قربانا للحرية أو أن يتراجعوا و تذهب دماء شهدائهم هدرا ويبقى مبارك رئيسا رغم أنفهم.علينا أن نعرف جميعا أن سقوط مبارك ليس شأنا مصريا فقط بل هو شأن في صالح كل المقهورين والضعفاء من أيتام الأرض. فسقوطه سيعطي جرعة أخرى من القوة للثوار الشباب في كل أصقاع الأرض. فكروا في مساعدة إخوانكم المصريين ولو بنشر قضيتهم العادلة'.
وقال اخر 'إذا فشلت الثورة المصرية فسترضخ الأمة العربية تحت الاستعباد لقرن آخر من الزمن على الأقل. يجب مساندة المصريين بكل الوسائل'. ونقل موقع 'هسبريس' عن مدون مغربي 'حسني مبارك يتابع العمليات من مقر القيادة العسكرية، وقد سخن دمه وعاد له شبابه، هم حسبوه غلط، فقد اعتقد أنه يحارب عدوا، ولا أحد استطاع أن يقول له يا ريس أنت تحارب شعبك.. لقد أغلق الطرقات والانترنت وأوقف القطارات. هذا الرئيس يجب أن يدخل حالا لمستشفى المجانين، أريحونا يا مصريون'، وعلق مغربي 'كان بن علي أذكى من مبارك حين تنحى ليترك المجال ليتاماه لينقذوا ما يمكن إنقاذه'.
وبدأت صفحة 'شباب مغربي ضد الفساد والاستبداد' الحديثة العهد تلقى المزيد من الاقبال والمشاركات بعضها حول فساد في ادارات او مؤسسات مغربية او عن مسؤولين مغاربة يرتكبون انتهاكات للقانون فيما تؤكد حركة حرية وديمقراطية الان على دعوتها للتظاهر يوم 20 شباط/فبراير الجاري من اجل اصلاحات سياسية ودستورية.
ونشر في عدد من وسائل الاعلام المغربية ملخص تقرير أعدته المخابرات المركزية الأمريكية يقول أن المغرب غير معرض لهزات اجتماعية عنيفة على غرار تونس ومصر قد تؤدي في النهاية إلى تغيير النظام.
وأعد هذا التقرير فريق من نخبة الخبراء والمحللين في جهاز المخابرات الأمريكية حلوا بكل الدول العربية بناء على طلب من الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمساعدته في اتخاذ 'القرارات السياسية الصعبة'، حيث اصبحت الإدارة الأمريكية تولي أهمية كبيرة إلى ما يمكن أن يقع في العالم العربي بعد هروب الرئيس زين العابدين بن علي.
ووضع التقرير المغرب، شأنه في ذلك شأن الأردن وممالك 'البترول' في إشارة إلى دول الخليج، في المجموعة الثالثة التي لن تعرف هزات اجتماعية عنيفة، فيما وضعت مصر واليمن ضمن المجموعة الأولى التي قد تعرف مصيرا مشابها لتونس.
وضمت المجموعة الثانية دولا قد تعرف اضطرابات تؤدي إلى تغيير النظام في الأمد القصير والمتوسط، وهذه الدول هي الجزائر وليبيا وسورية. وخلص التقرير المخابراتي الأمريكي إلى أن هذه الدول قد تعرف تغييرا في القيادة ما بين سنة أو خمس سنوات على أكثر تقدير.
من جهتها استبعدت وزيرة الخارجية الإسبانية اندلاع ثورة شعبية في المغرب على غرار تلك التي تشهدها عدة بلدن عربية مثل تونس ومصر.
وقالت ترينيداد خمينيث بعد مشاركتها في اجتماع لوزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن المغرب ليس تونس أو مصر وأنه لن يكون المرشح المقبل في لائحة الدول العربية، التي تشهد ثورات شعبية على أنظمتها مثل تلك التي أطاحت بالدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي أو تلك التي توشك على إنهاء ثلاثة عقود من حكم الرئيس المصري حسني مبارك.
وأكدت ترينيداد خمينيث على أهمية الإصلاحات الاجتماعية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة.
ويرى مصطفى الرميد رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الاصولي المغربي المشارك بالبرلمان أن ما يجري بمصر هو أولا نتيجة طبيعية لما عرفته مصر من استحواذ الحزب الحاكم على الحياة السياسية، وما شهدته من استبداد واضح مارسه الرئيس المصري طوال عقود ثلاثة رافضا التداول على الحكم وآملا في توريثه لابنه، وثانيا هو محصلة منطقية للفساد الواسع الذي جعل الشعب المصري يعاني من البطالة والفقر، ثم ثالثا لسياسات ومصالح الكيان الصهيوني والحصار الدائم المضروب على الشعب الفلسطيني خاصة في غزة، كما قال.
واكد الرميد إن 'ما يقع في مصر وما وقع في تونس وما سيقع في البلدان العربية الأخرى التي تعرف استبدادا واضحا وقمعا لقوى المعارضة وتعرف فسادا كبيرا، لا بد أن يؤثر على المناخ العام في المغرب الذي كان في مرحلة سابقة يضع بين عينيه تجربة يعتبرها ناجحة وهي التجربة التونسية على أساس أنها همشت الديمقراطية من أجل دعم التنمية، وعلى قاعدة نظام حزبي صوري فيه سيطرة لحزب الدولة وتهميش باقي الأحزاب'.
واوضح قائلا: 'لقد حاول البعض في المغرب استنساخ التجربة التونسية واستنباتها في التربة السياسية المغربية مما ادى الى الكثير من أوجه التشابه بين الحالة المغربية والحالة المصرية والتونسية خاصة من حيث سيادة اقتصاد الريع وتفشي الفساد في البلاد، كل هذا بلا شك يحتم على السلطة في المغرب مراجعة حساباتها وأرجو أن تفعل ذلك قريبا حتى لا تنفجر الأوضاع هنا كما انفجرت في مناطق كانت تعتبر نفسها محصنة من هذا النوع من الانفجارات'.
ودعا مصطفى الرميد السلطة في المغرب الى تعديل عميق للدستور والنظر بجدية في تطوير العلاقة بين السلطات، مما يجعلنا نتوجه نحو ملكية برلمانية حقيقية، وهو ما يمكن أن يجعل النظام المغربي محصنا من مثل هذه الاضطرابات التي وقعت في تونس ومصر، ويمكن أن تقع غدا في أي بلد عربي آخر بدون استثناء.
وقال مصطفى الخلفي الكاتب والمحلل السياسي المغربي ان على المغرب أن ينظر بعمق لتطورات الوضع المصري والتي تجاوزت في دلالاتها ما حصل في تونس، وأن يتم العمل على استخلاص دروس الانتفاضة المصرية، وما يزيد من ملحاحية ذلك هو حساسية الموقع الجغرافي للمغرب وخصوصية تنوعه اللغوي والثقافي والاجتماعي ، وما يحتمه من مسؤوليات المبادرة لاستباق المد الديموقراطي القائم في المنطقة العربية مستفيدا في ذلك من رصيده التاريخي وإمكاناته الذاتية التي تؤهله للقيام بذلك .
وقال 'لا مستقبل للاستبداد والخيار الوحيد للحفاظ على مكان في حركة التاريخ هو بالانخراط في انتقال ديمقراطي والمطلوب أن نقطع مع التردد في خوض استحقاقاته.'