عودة الصلاة الى مسجد المدينة الجامعية في تونس
إيزابيل موندرو *
كان مسجد أو مصلى المدينة الجامعية في تونس العاصمة أُغلق منذ 10 سنوات. وفي 21 كانون الثاني (يناير)، يوم الجمعة، فتح المصلى أبوابه من جديد، واستقبل نحو 50 مصلياً من الرجال، معظمهم فتي السن. ولا ريب في أن فتح أبوب المصلى الجامعي كان محل انتظار في المدينة الجامعية أكثر من انتظاره في محل آخر. فمن المسجد هذا كان انطلاق حركة الطلاب الإسلاميين في أواخر الثمانينات المنصرمة. وتهمة نظام بن علي الحركة بالأصولية أدت الى إغلاق المسجد ومطاردة الطلاب، في عام 2001.
ويقع المسجد في ضاحية المدينة الشمالية. ومن بعيد ترى مئذنته التي تعلو أشجار السرو وكأنها ورقة بيضاء اسطوانية. وتعود عمارته الى أسلوب غلب غداة التحرر من السيطرة الأجنبية، في وقت شيّدت فيه جامعة تونس – المنار ومدينتها الضخمة، ومجمعات مبانيها التي تعد 15 مجمعاً وأربع كليات و43 ألف طالب. والحرم الجامعي لا يزال خالياً، وطلاب الكليات لا يزالون مضربين. وصباح يوم الجمعة، بكّر بعض الطلاب في الذهاب الى الجامع، وأكملوا إعداده لاستقبال المصلين. ففرشوا السجاد، وجهّزوا مكبر صوت ومذياعاً. ويقول ابراهيم، أحد المبكرين، وهو يعمل محاسباً ويرتدي ثوباً أسود طويلاً فوق بنطاله، إن حال المكان كانت زرية، وبأرضه قناني بيرة ونبيذ، ومخلفات قذارة وغائط. ولم ينتظر من أقدموا على فتح أبواب المسجد وإعداده للصلاة الإذن، فتولوا الأمر غداة هرب زين العابدين بن علي.
والمصلون بعضهم ملتحٍ وبعضهم الآخر غير ملتحٍ، يلبس بعضهم «القميص» فيما يلبس آخرون «الجينز». ويختلط الطلاب من أنصار النهضة، الحزب الإسلامي المعتدل على ما يصف نفسه، بالإسلاميين المتطرفين، وبعض أنصار حزب التحرير، وهو منظمة غير عنيفة انشقت عن الإخوان المسلمين – الذي يوزعون بيانات تدعو الى بعث الخلافة. ويطالب سفيان (43 سنةً)، وهو تاجر يقيم في حي غير بعيد، الدولة بالتزام الشريعة وأوامرها ونواهيها: «على القوانين استلهام القرآن، ونحن ندعو الى سبيل الله هذا». وعلى الحكومة، على ما يرى سفيان، إلغاء المذكرة 108 التي تحظّر على النساء لباس الحجاب في بعض الإدارات العامة.
و «مهدي بكرا»، وهو لقب اخترعه لتوه أحد خمسة تونسيين ظنّت فيهم السلطات الإيطالية الإعداد لهجمات بفلورنسا، وأوقفتهم قبل أن تخليهم وتبرئهم في 2004، مهدي بكرا هذا قدم الى المسجد الجامعي مع من قدموا. ويقول إنه حين عاد الى تونس قبل ثلاثة أعوام اقتيد مباشرة الى مخفر (قسم) الشرطة. وهو يعزو الأمر إلى أن رأيه في الإسلام يخالف رأي الديكتاتور، على قوله وهو يبتسم، «وأنا لن أطمئن إلا حين يغادر أنصار (بن علي) الحكومة».
وطوال سنوات، داوم الحكم على مراقبة المساجد، وفرض على الخطبة قيوداً مسبقة اذا هو لم يملها على الأئمة إملاءً. فكان على الخطباء الثناء على الرئيس بن علي والدعاء له بالتوفيق. وأما الإسلاميون، فنبذوا وأبعدوا. ويروي سفيان فيقول: «كانت الشرطة تتعقبنا وتطاردنا، وكانت تريد معرفة أين نصلي أو كيف نصلي، وهل نرفع أيدينا أم نسبلها...». ويوم الجمعة هذا، دعت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الخطباء في مساجد تونس الى «إقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء ثورة الشعب التونسي، بعد صلاة الجمعة». ولكن مسجد المدينة الجامعية لم تبلغه الدعوة أو هو تجاهلها.
والخطبة تأخرت الى حين وصل المذياع بكهرباء الحرم الجامعي. وحل أحد «الإخوة» محل الشيخ حسن، آخر إمام أو مصلي المسجد في 2001. فقال الخطيب: «بلدنا يعيش مخاضاً عسيراً، ولكنه لم يحصل على استقلاله الناجز بعد. وقد انتظرنا هذه الساعة 23 سنة، وها هي طغمة قليلة تحاول السطو على الحكومة ومصادرة ثورة الشعب وواجبنا ألا نسكت، وألا نحيد أو ننحرف عن سبيل الله، وألا نبحث عن الحلول في نفايات الذين يتآمرون على الإسلام من أمريكان وأوروبيين (...) فأنتم جند الله على الكفار». وبدا أن الخطبة «الحرة» الأولى هذه أثارت بعض المصلين واستنكارهم. «هذا الكلام ليس من تونس، ولا يمت الى تونس...»، قال مهندس شاب وهو ينتعل حذائيه. «ولم يذكر الخطيب الشهداء ونسيهم». وبعد أعوام من المنفى والتشتت، تنوي المنظمات الإسلامية في تونس دعوة أئمتها الى العودة من الخارج، واستئناف العمل في «البلد».
* مراسلة، عن «لو موند» الفرنسية، 23 - 24/1/2011، إعداد منال نحاس.