لم يطيقا رتابة الحياة ولم يستكينا أبداً للروتين الذي يفقد بريق الحياة وينخرها ليحوّلها إلى ضجر وملل. ولم ترغبا في البقاء على الهامش أو الوقوف في الظل بل أرادتا أن تبقى المتعة والانطلاق والنجاح والمردود المادي ركناً أساسياً في كل زاوية من زوايا الأيام التي يعشنها رغم أن العمر كان يقترب من الخمسين. لذلك فإن هاتين المرأتين وجدتا، بل- وبحسب قناعتهما- وقفتا على الإكسير الذي يجعل من الحياة تبقى بكل هذا التوهج بل حل لغز كيف تصبح المرأة رئيسة لنفسها؟
ولكن ما هو هذا الشيء الذي يمنح كل ذلك، وببساطة تأتي الإجابة على لسان السيدتين اللتين استطعمتا طعم النجاح، إنه الوعي وإدراك فحوى الكيفية التي يمكن للفكرة البسيطة إذا تبنيتها أن تصبح لها جذور ومن ثم تتبرعم وتزهر إلى أن تمتلك عملاً يدرّ المال ويغني ويمنح أيضاً حياة غير رتيبة تجعل من السعادة قرينة للأيام. بدأتا بفكرة بسيطة (كشك صغير) وانتهتا الآن إلى مشروع كبير ناجح اشتهر باسم (جيرلي جاردننج) حيث تقومان بنفسيهما بتنظيم الحفلات أو من خلال الوكلاء الذين بلغ عددهم حوالي 2000 وكيل للملابس حيث يتم بيع البدلات الأنيقة التي ترتديها النساء والأحذية والقفازات والواقيات ومعدات ومستلزمات الترتيب والتنظيف والعناية وجميعها تتعلق بالحدائق.
جذوة التفاعل المثمر دائمة
عندما نال التعب من الصديقتين الحميمتين هيلين جيمس وكاثي كاندويل وكذلك أخذ الإحباط منهما مأخذه في ظل ذلك السباق المحموم نحو تحقيق الطموحات قرّرتا أن تفعلا شيئاً وأن يكون هناك شيء ما يمكن القيام به لجعل حياتهما أسهل قليلاً وفيها الكثير من المتعة بدلاً من الرتابة التي نشرت عروقها في مفاصل يومياتهما. والغريب في الأمر أن كلتا السيدتين متزوجتان وتتقاسمان عدة مسؤوليات ومشاغل حياتية كثيرة فعلى سبيل المثال أن لديهما ما مجموعه سبعة أطفال وجداول عمل مرهقة من خلال المحاولة لتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والضغوط التي تترتب بسبب الالتزامات الأسرية التي من بين أهمها الاهتمام ورعاية الأبناء. وتقول هيلين التي تبلغ من العمر 48 عاماً: "كنت أعمل أستاذة محاضرة في مجال التسويق واستراتيجية الشركات، وكنت أسعى من خلال عملي ذلك للحفاظ على حياة سعيدة لأطفالي الخمسة إضافة إلى زوجي كريس الذي كان قريباً جدًّا مني. وكانت كاثي تفعل الشيء نفسه فقد عملت مضيفة جوية في الخطوط الجوية البريطانية حيث كانت على الدوام مشغولة في عملها الذي تعتبره متعباً جدًّا. وتقول كاثي: كنا أصدقاء لسنوات طويلة لأن طفلينا البكر بدآ المدرسة معاً وكنا دائماً نتحدّث ونثرثر عن الضغوط والتوترات من الحياة وحينما نجلس معاً نحلم بأن نقوم بشيء مختلف، وأحياناً يصل بنا الأمر إلى أن نحلم أن نصبح رؤساء على رؤسائنا في العمل . وكانت هيلين من النوع الذي يحاول دائماً طرح واستكشاف أفكار تجارية على أمل أن تنجح إحدى هذه الأفكار في إيجاد ذلك المنفذ الذي يأخذ بأيدينا نحو النجاح. وذات يوم اعتقدت بأنها قد أمسكت بالفرصة المثالية. وتقول كاثي: "لقد بدأ كل شيء قبل نحو سبع سنوات عندما دعتني هيلين على نحو غير متوقع وقالت لي هذه الكلمات: كيف يبدو الأمر لو قمنا بشراء مركز للحدائق ؟ على هذا النحو كانت تتحدّث وتشرح كاثي التي تبلغ من العمر (49 عاماً) والتي تعيش مع زوجها جيف الذي يبلغ من العمر (48 عاماً) ولديهما ابنان هما: مونتي وعمره 20 عاماً وهنري 18 عاماً. وتضيف كاثي: "كنت مذهولة من فكرتها وقلت على الفور: ما الذي نريد أن نفعله حتى نفكر في هذا الأمر؟ وتضيف: " نعم كنت أهتم قليلاً بالنباتات وأحب التجول في الحديقة والاستمتاع بما فيها لكنني كنت على يقين من أنني لم يكن لديّ الخبرة اللازمة لتشغيل مركز كامل متخصّص في الحدائق. ولحسن الحظ أن هيلين شعرت في نهاية المطاف بأن الأمر كان طموحاً كبيراً بعض الشيء ولكن بذور امتلاك مثل هذا العمل التجاري قد تم بذرها في أنفسنا".
الفكرة المميّزة وبعد ستة أشهر عندما تم عرض أحد المتاجر للبيع في مدينة لسكيبتون التي تقع شمال يوركشاير وتسكنها كل من هيلين وكاثي أدركت الصديقتان أن حلمهما في طريقه إلى التحقق. وفعلاً تم افتتاح مركز (أوربان) للحدائق في عام 2003، وكان عبارة عن مساحة صغيرة لبيع النباتات والإكسسوارات الخاصة بالبستنة ومقتنيات الحدائق الأخرى. وقامت هيلين بالتخلص من عملها المضني في مجال إلقاء المحاضرات حيث أصبحت رئيسة لنفسها وأخذت تديرأعمال المركز بشكل يومي ومتواصل في حين استطاعت كاثي أن توزّع وقتها بين العمل كمضيفة والمساعدة في تشغيل المحل. وتقول كاثي: "لقد اخترنا إقامة المشاريع في مجال الحدائق لأننا على حد سواء بدأنا التمتع بها. ولن أقول إننا كنا خبراء في هذا التخصّص على الرغم من أننا نعرف الآن أكثر مما كنا عندما بدأنا ". لقد كان العمل في المحل يعدّ متعة كبيرة، واستطعنا أن نوفق في توزيع مسؤوليات المخزن بيننا، ما أعطانا مرونة جديدة للحياة الأسرية التي جعلت جميع أفراد عائلتينا أكثر سعادة". كان المحل يقع بعيداً وراء الشارع الرئيسي في سكيبتون لكنه مع ذلك كان يشتغل تجارياً وسرعان ما لاحظت كاثي وهيلين أن مستلزمات الحدائق التي هي محبوبة وصديقة خاصة للإناث سرعان ما نضبت من على الرفوف. وتقول هيلين: لقد بدأنا بتخزين الأشياء كعلب السقي والزهريات الملونة المخصّصة للنباتات المنزلية وغيرها من الأشياء الأخرى. وتضيف: "بدأنا نشعر بأن الكثير من المواد تباع بسرعة فعلاً، وكنا دائماً نطلب من المجهّز كميات أكبر من المرة الأولى وبذلك أنشأنا منطقة صغيرة في المتجر كانت مخصّصة فقط للمنتجات النباتية التي تحبّها النساء وتفضل شراءها". وفي بداية عام 2006 كان المحل التجاري يعمل لأكثر من عامين على نحو جيّد عندما ومضت فكرة جديدة في رأس كاثي. وذات يوم كنت قد ذهبت إلى حفلة "آن سامرز" وعلى الرغم من أنه لم يكن لي كوب من الشاي أحتسيه إلا أنني تساءلت ما إذا يمكن أن ينجح المفهوم نفسه الذي لدينا حول معدات البستنة التي تحبّها النساء. واكتشفنا أنا وهيلين بسرعة أنه ليس من شخص يقوم بتقديم أي شيء يشبه تلك الفكرة لذلك رأينا أن علينا أن نذهب نحوها وأن ننظر ماذا يحدث".
(جيرلي جاردننج) ومع بعض من المساعدة من الأصدقاء انطلقت أول حفلة لسيدات أعمال حيث تجمّعن في منزل أحد الأصدقاء وبدأن بتقديم المعدات الخاصة بالبستنة والمحبوبة إلى النساء إلى مجموعة من الفتيات والجميع أحب ما تم تقديمه. وتقول هيلين: "سارت الأمور بشكل طيّب جدًّا وكنا مندهشين من النتائج" كنا نتوقع الحصول على القليل من المال ولكن حققنا حوالي 600 جنيه استرليني. لقد كنا في منتهى السعادة. وفي البداية عتقدنا بأنه قد تكون المسألة ضربة حظ لذلك قرّرنا اختبار الفكرة مرّة أخرى. وتأكدنا بما فيه الكفاية أن الأمور كانت جيّدة جيدًّا، وبعد عدد قليل من الاختبارات الإضافية سرعان ما أدركنا أننا سيكون النجاح حليفنا". وبسعادة غامرة وباستحسان لفكرتهما كان هناك تدفق من قبل الفتيات على معدات البستنة. وتضيف هيلين وهي تبتسم: "لقد أصبحوا يطلقون علينا سيدات الحدائق، وكان الاسم لا يحتاج للتفكير الزائد كوننا نعشق المهنة التي اخترنا أن نكون فيها قريبين من النساء. وفي الواقع نحن أنشأنا كشكاً خاصاً بنا في معرض لنبيع معداتنا وكان اسم (جيرلي جاردننج) موجوداً على لافتة وكان علينا أن نقوم بإنزالها لأن ردود الفعل كانت أكثر من رائعة بحيث أننا أصبنا بالرعب من أن يقوم شخص ما بسرقة الاسم والفكرة". وبسرعة انطلقنا لندبر خطة عمل حول مفهوم حدائق خاصة بالنساء. وكانت الخطة تنطوي على إقامة وكلاء في كل مكان من البلاد من أجل الانخراط في العمل وإقامة حفلات لبيع منتجات البستنة، وأخذ عمولة عن كل ما يتم بيعه.
وتقول هيلين: كنت أنا وكاثي لدينا أفكار خلاقة حقاً وننحو منحى الإبداع في ابتكار الأشياء، وبدأنا بتقديم أفكار جديدة للمنتجات. وكنا نعلم أنه لتحقيق النجاح فإننا بحاجة إلى تصميم وتصنيع كل ما نملك من الأشياء الخاصة بنا والتي قمنا فعلاً بإنتاجها ونحن فخورون جدًّا بأبسط الأشياء الصغيرة التي ننتجها بما فيها المراهم والكريمات التي تستخدم أثناء التعامل مع النباتات والزهور وكذلك قمنا بطباعة شعار المتجر على القفازات التي كان لونها وردياً وهو اللون الذي تحبه الفتيات فضلاً عن تقديم بساط جميل لونه وردي أيضاً يمكن ان يكون رائعاً عند الاستخدام في النزهات أو عند الجلوس بين الأزهار والنباتات". ربع مليون جنيه سنوياً!
وتقول هيلين: "كان حلمنا أشبه بالنبتة التي زرعناها في حديقة وأخذت تلك النبتة تكبر وتكبر، فقد بدأنا بمتجر صغير(لبيع مقتنيات ومعدات ترتيب الحدائق) واليوم يصل دخلنا إلى حوالي 250،000 جنيه إسترليني في السنة إضافة إلى امتلاكنا 50 وكالة تقوم بتنظيم الحفلات في جميع أنحاء بريطانيا. وهناك شيء آخر رائع بالنسبة لنا هو أننا حققنا أملنا في تمكين نساء الأخريات من أن يكنّ رؤساء أيضاً على أنفسهن. ومن الممكن أن يصبحن وكلاء لنا وفي الوقت نفسه بإمكانهن كسب أموال إضافية في أوقات فراغهن أو القيام بالتخطيط لإقامة حفلات عندما يمارسن عملهن بدوام كامل إنها حقاً المرونة التي نتمتع بها في إدارة أعمالنا". ومنذ أن بدأنا بتدشين مشروعنا الناجح (جيرلي جاردننج) كرّسنا كلانا أنفسنا للعمل بدوام كامل حيث كان علينا إغلاق متجر مركز الحديقة لمواجهة الطلب الكبير على إكسسوارات الحدائق الوردية. وتوضح هيلين قائلة : إضافة إلى خدمة التخطيط لإقامة الحفلات لدينا موقع على الانترنت لاستقبال طلبات الزبائن، ونسافر باستمرار في جميع أنحاء البلاد لتدريب الوكلاء الجدد لشركتنا. وتضيف: "إنه لأمر مدهش أننا بدأنا قصتنا مع الأدوات الزراعية في متجر صغير والآن لدينا مستودع تصل مساحته 5000 إلى قدم مربع، والأمور تسير من أحسن إلى أحسن. ومع إنني وكاثي أكثر انشغالاً من أي وقت مضى لكننا نستطيع إدارة وقتنا الآن. وتشير هيلين إلى أن مشروعهما الناجح (جيرلي جاردننج) سمح لهما بالعمل بطريقة مختلفة تماماً، وأصبح بإمكاننا أن نكون دائماً مع عائلاتنا. وأنا دائماً على أبواب المدارس فإذا كان أحد أولادنا يشكو من المرض فبوسعنا أن نسوّي الأمور فيما بيننا".
ومع ذلك تريد كل من كاثي وهيلين توسيع العمل لأكثر من ذلك. وتقول كاثي: نودّ أن نصل إلى هدفنا وهو أن يكون لدينا 2,000 وكيل من حيث التخطيط للقيام بالحفلات في جميع أنحاء البلاد. نعم إن الأمور تسير على ما يرام ولكن علينا أن نعمل بجد للغاية من أجل ديمومة ما حققناه. لقد كانت كل تلك الجهود لها مردودها ولكن لأننا نحب عملنا فإن مواصلة الإبداع فيه تمنحه جرعة الاستمرارية لذا فحتى نحن لا ندري ما يمكن أن نخرج به في القادم من الأيام
.الأشياء التي يتم بيعها: ــ الملابس أي البدلات الأنيقة التي ترتديها النساء - أحذية العمل القفازات والواقيات داخل الحديقة - معدات ومستلزمات الترتيب والتنظيف والعناية. ما هو عمل (جيرلي جاردننج) حينما تقوم بتنظيم الحفلات؟ في الحقيقة أن المخططين يقيمون الحفلات في منازل الناس، ويقيمون المناسبات في المدارس، ونوادي الجولف، والحدائق العامة والنوادي الاجتماعية والرياضية،، ومعاهد المرأة، ونوادي الزهور، والمناسبات الخيرية وقائمة لا تنتهي من الأماكن الأخرى التي تكون فيها السيدات والفتيات العنصر الرئيسي. وكذلك القيام بتوزيع كتالوجات المناسبات والمقتيات التي يتم بيعها فضلاً عن تشجيع الشركات على دعوتها لعقد دورة في المبيعات. وبشكل عام يُستثمر الكثير من الوقت ليقولوا للجميع كيف يمكن أن يستفيدوا من هذا المجال؟
|