معرض يبحث عن سر إعجاب الألمان في الماضي بالطاغية هتلر
من المعرض البرليني
لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يُقام في ألمانيا معرض حول الزعيم أدولف هتلر. المعرض يصور الطاغية كإنسان، ويبحث عن سر إعجاب الألمان في الحقبة النازية بالديكتاتور، فهل نجح المعرض في ذلك؟
هل من الجائز في ألمانيا تخصيص معرض عن أدولف هتلر؟ حتى سنوات قليلة مضت لم يكن من الممكن تخيل تصوير الديكتاتور كإنسان. ولذلك استغرق الأمر عدة عقود حتى عُرض فيلم مثل "السقوط" الذي تمحور حول أيام هتلر الأخيرة في مخبأه البرليني، وحتى أمكن عرض تمثال من الشمع لهتلر في العاصمة الألمانية. لعل شخصية هتلر كانت أحد آخر التابوهات في ألمانيا، ولهذا قرر المتحف التاريخي تخصص معرض عن الطاغية الذي أودى بالعالم كله إلى حرب ضروس راح ضحيتها الملايين. تحت عنوان "هتلر والألمان" افتُتح يوم السبت (16/10) المعرض البرليني الذي يحاول كشف سر إعجاب الألمان بالطاغية هتلر خلال حقبة النازية.
صور خاوية تبين وجهاً لا يفصح عن مشاعر
يطالع المتجول في أروقة المعرض وجه هتلر المرة تلو الأخرى. ليس هو بالوجه المعبر، غير أنه مألوف لكثرة ما رآه المرء. عينان متحجرتان في وجه لا ينم عن أية مشاعر أو أحاسيس. يقترب الزائر من الصور، ولكنه يعجز عن الإمساك بشيء يجعله يفهم صاحبها. إنها صور خاوية، إذ لم ينجح مصور واحد في الاقتراب من شخصية القائد والزعيم.
زائرة تتأمل في أحد تمائيل هتلر المعروضة في برلين
ولكن، لماذا كان يمتلك هتلر في حقبة النازية هذه الجاذبية وتلك الكاريزما التي جعلت الملايين يتبعونه؟ رداً على هذا السؤال يرى هانز أوتوماير (من مواليد 1946)، مدير المتحف التاريخي في برلين، أن هتلر كان مثالاً للتناقضات والغرابة، كما "كان صعلوكاً، ومجرماً صدر بحقه حكم قضائي، وسفاحاً". ويضيف أوتوماير أن هتلر "لم يكن في الحقيقة شخصية جذابة، فهو لم يكن وسيماً، ولم يكن يبدو آرياً، وبالتالي لم يكن يتطابق مع صورة الجرماني الأشقر التي كان يعتبرها هتلر نفسه مثالاً للإنسان الكامل. رغم كل ذلك استطاع هتلر بصوته أن يفرض نفسه. "
تقسيم العمل بين زعماء النازية
الديكتاتور خلال إحدى خطبه الحماسية
يظهر المعرض الناحية الشعبية في هتلر، إذ كان هتلر أول زعيم يستخدم إمكانيات عصره التقنية – مثل الميكروفون والراديو والسينما - لترسيخ مكانته. ويعتقد منظم المعرض، كلاوس يورغن زيمباخ (من مواليد 1933) أن نوعاً من تقسيم العمل كان سائداً بين زعماء النازية الثلاثة، أي بين "الفوهرر" هتلر وبين القائد العام للقوات المسلحة هيرمان غورينغ، ووزير الدعاية يوزف غوبلز.
ويصف زيمباخ أجواء المهرجانات الشعبية التي كانت تُنظم لهتلر بقوله: "في البداية كان هتلر هو المتحدث. كان ذلك فظيعاً في رأيي، لأنه كان ينبح كالكلب. وبعد ذلك يتبعه غورينغ الذي كان قائداً شعبياً، يُعلن في الحروب مثلاً عن توزيع بطاقات للحصول على السلع بأسعار مدعومة. وعندئذ كان غوبلز يعتلي المنصة ويبدأ في الخطابة بلغته الراقية وكلماته المنتقاة." ويتذكر زيمباخ أن خطابات غوبلز كانت تترك دائماً أثراً عميقاً عليه وهو طفل. "كان هتلر محبوباً من بعض الناس لأنه كان إنساناً عادياً مثلهم"، يقول زيمباخ، ويضيف: "وكان غورينغ بطلاً حربياً في أعين الجنود، أما غوبلز فكان الخطيبَ المفوه في نظر المثقفين."
الجرأة المفقودة والاستفزاز الغائب
لدى افتتاح معرض "هتلر والألمان" في برلين
ويحفل المعرض البرليني بالصور والمقتنيات التي تصور هتلر في كافة مراحل حياته، مرةً كإنسان عائلي، وأخرى كحاكم طيب يعمل من أجل الألمان الخيرين، ويقود الآخرين إلى مصيرهم، كما يطلع الزائر على الرسائل والصور وخطابات التهنئة التي أرسلها أطفال إلى الزعيم هتلر.
غير أن زائر المعرض يفتقد الإجابة على السؤال الذي يحيره: ما سر جاذبية هتلر للألمان آنذاك؟ ولماذا مارس الطاغية ذلك التأثير الهائل على الجماهير؟ ربما لم تواتِ المنظمين الجرأة لتقصي السؤال والبحث عن إجابة، ولذلك انصب اهتمامهم على الألمان كشعب، وكيفية تعامله مع ظاهرة هتلر. وبالتأكيد كان الأمر سيثير استفزاز كثيرين إذا تم إظهار هتلر بكافة وجوهه وصوره. غير أن ذلك الاستفزاز ربما كان أكثر فائدة من معرض يتسم بالصوابية التاريخية والسياسية، غير أنه يفتقر إلى الجاذبية والجرأة.
فلاديمير بالتسر / سمير جريس
مراجعة: منى صالح