عبد الوحيد خوجة.. رجل دولة بدقة ساعة سويسرية
أمين عام مجلس المستشارين ورجل الانضباط العسكري وعاشق المتنبي
"عليك بتقديس العمل" وصية سبق أن تلقاها عبد الوحيد خوجة، الأمين العام لمجلس المستشارين، من والده رجل الدين الريفي، لحظة تخرج الطالب الشاب، آنذاك، من الأكاديمية العسكرية بمكناس كضابط احتياطي.
ومنذ تلك الفترة شكلت هذه الوصية منهجه في العمل حتى تحول الانضباط لديه على أسلوب حياة. هو أول من يلج بوابة مجلس المستشارين، وآخر من يغادره بعد أن يكون كبار وصغار موظفيه عادوا إلى بيوتهم أما مواعده ومواقيت عمله فهي بدقة ساعة سويسرية، تماما كما حصل يوم حلت المشهد" ضيفة عليه في "يوم مع..".
دون تكلف برتوكولي
الساعة تشير على التاسعة صباحا، واليوم يوم الجمعة، طاقم "المشهد" بقاعة مجلس المستشارين الزجاجية الشفافة، ينتظر قدوم وحيد خوجة، وما هي إلا دقائق حتى فتح عون حراسة باب بناية المستشارين الخاص بالأشخاص، فقدم شرطي برتبة "بركادي" تحية عسكرية، ,اطلعنا رجل أمن أن الكاتب العام وصل.
لقد حضر الرجل، من إحدى مقاهي شارع محمد الخامس إلى مقر عمله راجلا، دون تكاليف برتوكولية أو على متن سيارة خدمة فارهة، يقودها سائق بطربوش أحمر.
كان يحمل مجلة "المشهد" في يده، لما توجهنا غليه بسؤال "متى وصلت إلى مجلس المستشارين؟"، فجاء جوابه بتواضع كبير "كنت في مكتبي قبل نحو ساعة، قضيت بعض الأغراض وأخرى خارج المجلس، والآن أعود لأكمل عملي العادي".
اليوم، يوم جمعة، ورغم ذلك فإن أجندة عمل الرجل مثقلة بالمواعد، فأول استقبال سيكون في هذا اليوم، سيحظى به عادل المعطي، المستشار البرلماني الدستوري، الذي حضر إلى مكتبه وهو يحمل معه قضية طارئة، إنها قضية "تأشيرات حج البرلمانيين المعلقة".
هنا بمجلس المستشارين موظفون وبرلمانيون وشركاء وحتى وزراء يرون فيه" فكاك لوحايل" ما جعل عددا ممن عرفوه بصندوق الضمان الاجتماعي أو وزراء التشغيل او في الناظور مسقط رأسه أو البيضاء مقر سكناه ينعتونه بـ" رجل المهام الصعبة".
يتقدم المستشار عادل المعطي مخاطبا خوجة بقوله "السيد الأمين العام خاصك تفك لينا هاذ الوحلة را المستشارين واجدين، والفيزا ما كايناش".
يحرك صاحبنا الهواتف الثابتة والمحمولة، ويتصل بالخارجية المغربية والسفارة السعودية، وغلى حين توصله بالرد على "قضية تأشيرة الحج"، كان الرجل يجري اجتماعا داخل اجتماع.
يعلق صاحب برنامج "تيارات" عبد الصمد بنشريف، إنها اجتماعات غالبا ما تقطع بينما أخرى جارية.
"السيد الأمين العام عندك موعد مع الطبيب"، هكذا ستذكر خوجة إحدى مساعداته بموعد مبرمج له مع "مراقبة طبية" فكان جوابه "فليؤجل لوقت لاحق، اطلبي لي سفيان خيرات حالا".
يحضر إلى مكتبه ، سفيان خيرات، الكاتب العام السابق للشبيبة الاتحادية، والإطار بمجلس المستشارين ليستفسره الأمين العام، عن الأشواط، التي قطعتها عملية إعداد الصيغة النهائية للنظام الخاص بالموظفين يفتح خرجة قوسا ليوضح لـ"المشهد" انه يتابع شخصيا، تفيعل توصيات ملتقى أطر وموظفي مجلس المستشارين، الذي نظم قبل نحو شهر تحت شعار "تأهيل المؤسسة التشريعية رهين بإشراك الموظف".
حكامة في خدمة حكامة
عام وبضعة أيام على تعيينك بقرار ملكي ككاتب عام لمجلس المستشارين، أية إستراتيجية إصلاحية سطرتها حتى يكون "الموظف مساعد مشروع "؟، بهذا السؤال واجهنا خوجة، وسفيان خيرات يغادر مكتب الأمين العام لإحضار الصيغة النهائية للنظام الخاص بالموظفين، فكان جوابه "لقد سطرنا إستراتيجية إصلاحية تمتد من 2009 إلى 2012 تقوم على "الحكامة الإدارية الجيدة، والمخطط المعلوماتي والتواصل المؤسساتي والشؤون الاجتماعية".
الحكامة الإدارية عند خوجة، هي مجموع آليات تخرج الدارة من "واقع الانغلاق وضعف الفعالية"، على إدارة "منفتحة على محيطها والعناصر المشكلة لها وفاعلة في الجودة"، ما يعطي لدورها، يؤكد الأمين العام لمجلس المستشارين " أبعاد تتطابق مع شروط التدبير والحكامة الجيدة وتصبح إدارة استراتيجيه في طرق اشتغالها، مبادرة، ومشاركة، وفاعلة، ومرنة ومتعاونة..".
اجتماع ثالث عقده الرجل في مكتبه هذا الصباح، لكن هذه المرة مع وفد عن الخارجية المغربية. كان جدول الأعمال مناقشة نقطة فريدة، تتعلق بما وصف بـ"نجاح" الاستراتيجية الإصلاحية للغرفة الثانية في انتزاع، منحه بقيمة مليار و 600 مليون من الاتحاد الأوروبي، لمواكبة الإصلاحات الإدارية بمجلس المستشارين.
بدا الأمين العام مسرورا للغاية باستفادة المجلس من منحة الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج "سيكما" كتفعيل لمضامين وثيقة الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي وابرز ل"المشهد" أن دعم الاتحاد الأوروبي هذا ،"سيساهم المستشارين، كي يكون الموظف في الإدارة الاستراتيجية التي نتوخاها، كمساعد مشروع، بمثابة بوابة من بوابات الحكامة البرلمانية".
فيزا معلقة وتوظيفات مشبوهة
يودع خوجة وفد الخارجية المغربية، بابتسامة عريضة ويهرول مسرعا إلى الطابق الثاني من جناح الرئاسة بمجلس المستشارين، حيث الرئيس محمد الشيخ بيد الله غارقا على ما يبدو في تدبير "ملفات المجلس".
يطرق الأمين العام باب مكتب بيد الله، ويأخذ الإذن بالدخول، ويتجاذب الرجلان حديثا على انفراد، يبدو انه زف إلى بيد الله خبر منحة الاتحاد الأوروبي، وأطلعه على قضية "تأـشيرات الحج العالقة".
كيف هي علاقتك بالرئيس بيد الله؟ سؤال طرحناه على خوجة لما شاهدنا " غلوه" في الانضباط واحترام الهرمية الإدارية، وهو الذي تجمعه بالرئيس علاقات حزبية ومهنية، فكان جوابه "علاقتي بالرئيس، هنا، بمجلس المستشارين علاقة الرئيس بالمرؤوس، فأنا لا ادخل مكتبه إلا بإذن منه، ولا اجلس إلا بإذن منه، ولا أمد يدي لتحيته إلا عندما يمد يده. فهذه شروط التعامل بين الرئيس والمرؤوس، التي طبعت سلوكي المهني منذ أن تلقيتها كتكوين بالأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس".
إن سر قدرة الرجل مهنيا على "الخلق والإبداع" في تدبير الملفات الصعبة، أمينا عاما بمجلس المستشارين أو كاتبا عاما بوزارة التشغيل أو مسؤولا ساميا بالضمان الاجتماعي يكمن في جزء كبير منه في التكوين الصارم، الذي تلقاه ابن الريف بالأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس.
فهذه الأكاديمية العسكرية ، كأقدم وأرقى الكليات العسكرية بإفريقيا، شهدت تخرج عبد الوحيد خرجة ضابطا احتياطا، كما شهدت تخرج الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز. إنها أكاديمية تبني رجالات الدولة على أساس قيمة "الانضباط" أولا، وهي القيمة التي يسعى خوجة إلى ترسيخها في الموارد البشرية بالمجلس.
يعود صاحبنا إلى مكتبه، المفتوح في وجه جميع الموظفين والبرلمانيين، والصحافة والباحثين، والشركاء، وفقهاء قانون. مظاهر الضغط المهني بادية على ملامحه إذ قال للبرلماني عادل المعطي "ما كاين حج هذا العام لا فيزا مجاملة ولا تأشيرة الوفد الرسمي"، مضيفا "علينا بالتفاؤل فهناك اتصالات قوية بين السلطات المغربية والسعودية لحل هذا الإشكال".
يغادر المستشار المعطي المكان، وفي يده كثير من الآمال، ويطلب الأمين العام لمجلس المستشارين من كاتبته لخاصة ربيعة، استدعاء الخلوفي، رئيس قسم الحسابات، وفتحي رئيس الموارد البشرية على الفور. والحدث هو تقديم توضيحات حول سؤال ل"المشهد" تطرق إلى حقيقة تورط المجلس في "توظيفات مشبوهة" ، كما تداولت ذلك بعض الصحف.
يحضر الخلوفي ويتعذر على فتحي تلبية دعوة الأمين العام لوجوده خارج المجلس لأداء صلاة الجمعة، ما جعل خوجة يتولى بنفسه تقديم الجواب، ويوضح ، "الأمر يتعلق بتوظيفات جرت في إطار القانون، وبمبادرة من مكتب المجلس وعن طريق مكتب خبرة تحمل مسؤولية إجراء الاختبارات وإن إعلانا حول المبادرة نشر في جريدة لوماتان".
200 مكالمة وأجيال التحدي
إلى جانب هذا الملف طرح على طاولة النقاش موقف الأمين العام من ملف ترسيم موظفين التحقوا بالمجلس على عهد المكتب السابق في إطار "التسخير"، فأجاب قائلا "وجب التأكيد أولا، أنني أتعامل مع موظفي مجلس، وليس موظفي أحزاب، ثم إن هؤلاء الموظفين لا تتوفر فيهم شروط الارتقاء من سلم لآخر، وأنا هنا أطبق القانون، ومن لديه مشكل يجب أن يحضر إلي ومعه حل".
على حين غرة ينزل أحمد بريجة، رئيس مقاطعة سيدي مومن، والبرلماني وعضو الأمانة الجهوية لحزب الأصالة والمعاصرة بمدينة الدار البيضاء، ضيفا على الأمين العام للمجلس، إلى جانب رفيق هذا الأخير، في سنواته الأولى كموظف بصندوق الضمان الاجتماعي بالعاصمة الاقتصادية.
ترحيب كبير ذلك الذي قوبل به كل من بريجة والحاج بشري، ما جعل خوجة من فرط فرحة هذا اللقاء يقول ل" المشهد" هذا الرجل في إشارة إلى بشرى هو من أعارني سيارته عام 1980، ,أنا موظف بسيط في صندوق الضمان الاجتماعي لأسافر إلى الشمال".
اعتبر خوجة حضور بريجة وبشري مناسبة سانحة لتدارس آخر الترتيبات الإعداديات لتظاهرة "أجيال التحدي"، التي لم يكن يفصل عن موعد انطلاقها بالدار البيضاء بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء سوى ساعات.
يغادر عبد الوحيد خوجة مجلس المستشارين في اتجاه حفل شعري لصديقه صلاح الوديع، منهك القوى، دون أن يتوقف عن "فك وحايل" أخرى، بهاتفه المحمول، الذي يستقبل في اليوم الواحد، أزيد من 200 مكالمة.
درس الوالد الفار من الإعلام
يؤمن خوجة أن الحياة مدرسة، ما يزال يتعلم منها دروسا تلو أخرى، فأول درس تعلمه منذ ان أصبح مدركا، هو درس"الإصرار والأمل"، إذ يقول عبد الوحيد "لقد تعلمت هذا من والدي رجل الدين الريفي، الذي أصر على الهرب من سجون إسبانيا إبان الحرب الأهلية ليلة الحكم عليه بالإعدام، وتسلح بأمل النجاة من قبضة دوريات الجيش الباحثة عنه في غابات وجبال الجنوب الإسباني، وكيف قطع مسافات طوال، لمدة فاقت العشرين يوما، مشيا على الإقدام، زاده الإيمان وحشائش الأرض في البقاء على قيد الحياة". في ثمانينات القرن الماضي سيدخل خوجة مدينة الدار البيضاء موظفا في صندوق الضمان الاجتماعي، مواصلا تحصيله العلمي، حيث حصد على عدة شهادات كالإجازة في الحقوق، وشهادة في ميدان تدبير المشاريع، وشهادة في ميدان التدبير الإداري، على أن شغل منصب كاتب عام وزارة التشغيل والتكوين المهني.
وفي أكتوبر 2009 سيعينه صاحب الجلالة الملك محمد السادس كاتبا عاما لمجلس المستشارين.
يحب المشي والمتنبي
يؤكد خوجة أنه تربى في بيئة ريفية محافظة فكان لزاما عليه أن يتفقه في الدين منذ زمن" المسيد" قبل أن يروض نفسه على مدى سنين وأعوام على فعل القراءة.
قرأ الكثير من كتب الأدب الكلاسيكي العربي والفرنسي، كما حفظ كل ما نظمه شاعر القضية الفلسطينية الكبير الراحل محمود درويش، ولا يتوقف عن ترديد قصائد من دواوين أحد جهابذة الشعر العربي، أبو الطيب المتنبي.
ومن شعر المتنبي اختار خوجة ترديد بيت من قصيدة قال إنه يفي بالغرض للتعبير عن أشياء وأشياء يقول هذا البيت:
"ومن نكد الدنيا على الحر *** أن يرى عدوا ما من صداقته بد".
خوجة والوديع والهمة
يقر عبد الوحيد خوجة، الأمين الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بالدار البيضاء واحد مؤسسي حزب "التراكتور، أن معرفته بفؤاد عالي الهمة كانت معدومة غير أن صديقه الشاعر صلاح الوديع أقنعه بالتراجع عن قرار اعتزاله العمل الحزبي إثر "ابتلاع" الاتحاد الاشتراكي للحزب الاشتراكي الديمقراطي. ينجح الوديع في إعادة اليساري خوجة إلى صالونات التفكير السياسي عبر بوابة "حركة لكل الديمقراطيين"، حيث توالت لقاءات الرجل برفاقه القدامى في اليسار بشكل عام، والهمة كاتب الدولة في الداخلية السابق بشكل خاص. يتذكر خوجة أن عودته الرسمية إلى العمل الحزبي، ستنطلق إثر مداخلة لفؤاد عالي الهمة في اجتماع مغلق ل"حركة لمكل الديمقراطيين" بتطوان، حيث يؤكد أنه لمس في الهمة القرة على التقاط الحدث وتحليله واتخاذ الموقف المناسب بشأنه"، هذا ما جعل اليساري السابق ينحاز على صف الهمة الداعي إلى تأسيس حزب سياسي.
مجلة المشهد