نظرية المؤامرة لدى المشاركين في دردشات إلكترونية:
مناقشات بعيدا عن العقلانية
أمريكا وإسرائيل تقفان وراء تنظيم القاعدة والمسلمون دوما هم الضحية، عبارات نقرأها في دردشات عديدة على مواقع إلكترونية ألمانية وإنكليزية يرتادها مسلمون شباب من أوربا. تقرير لينارت ليمان
ينشر الكثير من الشبيبة الاسلاموية على صفحات الانترنت تصورات تستند الى نظريات التآمر. ويمكن للمرء قراءة ذلك على مواقع الانترنت ألمانية وإنكليزية مثل "Muslim-Markt"" و"Islamicity.com". وتسود لدى بعضهم القناعة القائلة: "ينبغي على المسلمين الخروج من ألمانيا والمواطن العادي يُستغل من وسائل الاعلام ويتم تحريضه."
وهناك بعض من يعتقد بأن يوم القيامة على وشك الاقتراب وأن جورج بوش الابن ليس سوى "مرسل الشيطان على الارض". ويحاولون بدورهم توضيح السياسة الخارجية الامريكية بربطها بالرئيس الامريكي بوش وقربها من دوائر الراديكالية البروتستانتية.
ولا يرى، اميد نوريبور، عضو المجلس الاداري في حزب الخضر الألماني، أي جديد في ذلك أو ما يمكن اعتباره ظاهرة اسلاموية محضة: "لقد كانت الامور الغيبية ونظرية التآمر دائما موجودة لدى الإسلامويين. وهذا يخص أيضا ظاهرة التشوق للموت. كل ديماغوغيا دينية تحتوي على تشوق للموت."
وبسبب استناد هذا الخطاب الى الغيبية، يبتعد البعض عن حوار قائم على أساس عقلاني: "كثيرا جدا ما يصور التبسيط وبرغبة شديدة على أساس أنه "تصوير أسود أبيض" للأمور لا أكثر، حينما يتعلق الأمر بموضوع حساس في الصميم"، هذا ما يدعيه ويؤكد عليه أحد المشاركين في المنبر، حيث يقول إن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 واعتداءات لندن أيضا ليست سوى أعمالا قامت بها المخابرات الغربية، من أجل المضي قدما في مشروع النظام العالمي الانغلوأمريكي الجديد.
"وفي نهاية المطاف يُخفى أمر وقوف أمريكا واسرائيل خلف تنظيم القاعدة. ماذا يعتقد هؤلاء، والى متى سيدوم تكتيك محاولات اخفائهم تلك؟" وهناك آخرون يقدمون حججا مثل:
"إن اسرائيل تبدو وكانها تتنبأ بكل العمليات قبل وقوعها." ويضيف مشارك آخر على موقع الانترنت بشكل يحتمل أكثر من معنى: "اليوم تنفذ العمليات في لندن في وسط الاحياء التي يقطنها المسلمون. وفي مصر يراعى عند تنفيذ مثل تلك العمليات اصابة أقل عدد ممكن من السياح وأكبر عدد ممكن من المواطنين المصريين."
زراعة الحقد والكراهية
وتتم، حسب رأي هؤلاء المشاركين في الدردشة، ملاحقة المسلمين لأنهم مسلمون فقط: "سقط في نهاية الاسبوع المنصرم 150 من الابرياء في العراق ضحية الارهابيين على مرأى ومسمع قوات الاحتلال الامريكية والبريطانية. لمثل هذه الضحايا لا يوجد من الوقت على الاقل نصف دقيقة صمت، لأن هؤلاء في نهاية المطاف مسلمون فقط، وهم دائما مذنبون."
وهناك أيضا البعض الذين يحمّلون الغرب مسؤولية الارهاب: "هناك سياسيون مثل بوش وبلير يثيرون يوميا حقد وكراهية الشعوب ضدهم. ان هذا الحقد وهذه الكراهية الهائلة التي يكنها أكثر من 95% من سكان الكرة الارضية ضد بوش وبلير ليس لها دواء." ويقومون بدورهم بتبرير العمليات العسكرية على أساس أنها عمليات "لحركة مقاومة" كونها "رد فعل على العمليات الوحشية التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي هذه الأيام."
ويرى علماء النفس والاجتماع في نظرية التآمر هذه تبريرا للعمل العدائي الذاتي. يميل الانسان على هذا الاساس الى الشعور بالذنب، عندما يتصرف بعنف ضد انسان عقلاني آخر، ولكن "الخصم الشيطاني الشرير ليس سوى لعبة منصفة." ويقول أحد زوار موقع الانترنت Islamicity: "اننا نشجب التسامح. انه مبدأ الملحدين والماسونيين."
وتبقى أصوات لمثقفين مسلمين معترف بهم غير مسموعة على مواقع الانترنت تلك، كما هو الحال بالنسبة لطارق رمضان، المثقف السويسري المصري الأصل الذي يعيش في جنيف، وهو الذي قال على أثر أحداث نيويورك: "ان ما يخيفني في الحقيقة هو أن يليق للمسلمين دورهم كضحية، وكأن الأمر بالنسبة لنا يتعلق بأمرين، إما أن نرفض كوننا مجرمين ممكنين أو أن نشكو وضعنا كوننا ضحايا مساكين.
علينا أن نتحرر من هذا البديل المحزن. ان الاحداث المفجعة تجبرنا على القيام بالنقد الذاتي بالشكل المناسب، والكف عن تحميل الآخر المسؤولية. لقد بينت احداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أيضا كيف أننا ما زلنا، وبالرغم من مرور خمسين عاما على وجودنا بالغرب، نعيش معزولين عن محيطنا."
تقاليد مهددة
تنشأ نظريات التآمر في المعتاد في الظروف الحرجة، التي غالبا ما يشك المرء في ظلها بنظام القيم القائم: "تندثر في عالمنا المعولم الكثير من التقاليد"، هذا ما يشير اليه نوريبور. "فالبرغم من أن الناس يدعمون هذا التطور من خلال سياستهم الاستهلاكية، يتولد لدى الكثيرين منهم الشعور العاطفي، بأن طريقة حياتهم غدت مهددة.
يحسون بأنهم ممنوعون من المشاركة بالتساوي جنبا الى جنب مع الآخرين في عملية البناء. الاجبار على الاخذ وعدم التمكن من العطاء. انهم يشربون الكوكا كولا ويقولون بعدها مباشرة: ان أمريكا تدمر ثقافتنا. وقد يؤدي مثل هذا الشعور المتناقض ضمن ظروف معينة الى أن يبرر الناس الارهاب بشكل عاطفي."
ومن الجدير بالذكر أن الناس يتحاورون على مواقع الانترنت الاسلاموية في ألمانيا أيضا حول ما اذا كان ينبغي على المسلم المتعقل أن يشارك في انتخابات البرلمان الالماني أم لا. وهناك الكثير منهم ممن يريدون انتخاب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي.
"ان الاحزاب الاخرى تريد دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي. ولكن هذا لا ينفعنا، في حال أضعفت الدول الاسلامية "من الداخل". دعونا نتصور تركيا ضمن الاتحاد الاوروبي:
حدود مفتوحة، حرية الاقامة لغير المسلمين، الحملات التبشيرية للأصوليين المسيحيين، البورنوغرافيا منتشرة في كل مكان، الدعاية المعادية للإسلام، الخ. هل نريد ذلك؟"
أما الاحزاب اليسارية فانها على العكس من ذلك تحصد الريبة والشك: "أنا لن أنتخب الملحدين. انهم أسوء ما يمكن"، هذا ما يقوله أحد المشاركين في الدردشة العنكبوتية.
بقلم لينارت ليمان
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005
لينارت ليمان صحفي ألماني مقيم في برلين