أضواء نقدية على كيمياء الجمر – إحداثيات الصهيل))
" الهوامش الترابية على السيرة الرملية لامرئ القيس الشامي "
للشاعر : فداء الغضبان
د. نذير العظمة
رغم غموض العنوان لعمل إبداعي ما؛ فإنه غالباً ما يقود القارئ الباحث إلى قلب العمل النابض بدلالات متعددة، تتيح له أن يتذوق ويعي بآن الإبداع الذي يتفاعل معه ؛ من خلال القراءة. فالقراءة ليست حيادية ؛على الأغلب أنها استكشاف ذات لذات. إن قراءة نص ما، هي صنعهُ من جديد أو إعادة تأليفه ثانية ً.إنه تجربة مغايرة ولكنها متعاطفة مع تجربة ذاتٍ أخرى. و الشاعر فداء الغضبان منذ الصفحة الأولى؛ و بدءً باسمه ؛ و مروراً بعناوينه ، أو ما يُطلق عليها نقديا ً: ( عتبات النص ) يشعُّ نصُّهُ بثنائيات نلمس فيها ما يشبه الطباق، أو مصطلح التضاد في بلاغتنا العربية بإيحاءات يحرض عليها تركيب الكلام و ترتيبه و تفضح دلالاتها صوره.
فالصهيل الشعري ؛الذي ينبض بالأصالة هو إبداع مخيلة الشاعر. و لكنه في صناعته الشعرية كيمياء الجمر، التي تنقل إلينا هوامش ترابية على السيرة الرملية لامرئ القيس الشامي. حيث عنوان الكتاب الشعري أو بالأحرى الكتب الأربعة :
كيمياء الجمر – إحداثيات الصهيل ... "هوامش ترابية على السيرة الرملية
لامرئ القيس الشامي .. برواية لافظ بن لاحظ ... يخرجها : فداء الغضبان )
فخصوبة التراب؛ و إن كانت هامشية في بنية العنوان تسبق السيرة الرملية لامرئ القيس الشامي. و الطباق المعنوي مابين التراب و الرمل يوحي بالخصوبة ، وإن جاءت على شكل هوامش في بنية الكلام. و امرؤ القيس الذي يتربع في ذاكرتنا الشعرية على عرش تجويد القصيدة العربية وإتقانها المكتمل بصورة المعلقة، تعطيه صفة الشامي أفقاً آخر ملتصقا بفن الشعر العربي و المعاصرة الحداثية.
فجذور الإبداع الشعري و انتمائه في صناعة فداء الغضبان الشعرية .واقترانه برَاويَة مُتخيَّل يتوسعُ بفن القصيدة إلى إطار السيرة الإبداعية، وهو طباق آخر بين القصيدة التي تنتمي إلى الغناء الشعري في ثقافتنا العربية، و السيرة الفنية التي تتوسل السرد. فكيمياء الجمر عند شاعرنا تتجلى في تطعيم الأجناس الإبداعية المختلفة : القصيدة و السيرة أو السيرة و القصيدة؛ بالإضافة إلى اجتراح أسلوب شعري؛ متميز بحداثته و خصوصيته.
وعبر لعبة فنية شعرية مدروسة ؛ يقدِّم الناقد فداء ، الشاعر فداء الغضبان بالضمير الثالث في عمله الإبداعي كما يلي:
"من أوراق لامرئ القيس... يخرجها وينشرها فداء الغضبان (بفاتحتين و أربع كتب) عن رحلته الشعرية عائداً معه من بلاد الروم عبر الفضاء الالكتروني في طريقه إلى منفاه الأخير بالقرب من (ذي الخَلَصَة) بتبالة و الأوراق برواية لافظ بن لاحظ".
في فاتحة الحبر تعترف هذه الذات كما يلي:
" كتبتُ مرافئي جمراً
و قلت لشهوتي
كوني بلاداً
من صهيل
هذا سرابي
نرجسٌ
يروي احتراق التيه
في عيني."
فالرحلة الألكترونية في هذا العمل الإبداعي تتحول إلى رسالات ضوئية للذات الشاعرة التي تسيطر بوحاً على عمله الشعري بكامله و هي في الطريق إلى منفاها الأخير.
و يتحول الكندي إلى امرئ قيس شامي يعاني الرحلة و النفي و يُعبِّر عنهما بكبرياء الصهيل الشعري مع أن جذوره ؛ كجذور الكندي تتشبت بعروق الثرى.
-أين انتهت رحلة الحب و طلب المُلك عند الكندي؟؟ لقد أودع دروعه و مضى إلى المنفى.
أمَّا الحب. فيظل الحب عند الغضبان جوهر رحلته و حياته فيتحول بالكندي من لعبة القناع إلى تقمص الذات الكندية.
و يبقى السؤال :
لماذا اختار الشاعر فداء الغضبان امرئ القيس من التراث ليتقمصه
دون غيره ..؟!
على الأغلب أن الشعر و الحب والملك الضائع كانت وراء هذا الاختيار. أن يمتلك فداء الغضبان خصوصية شعرية و أن يكون قادراً على فناء ذاته بذات كونية تتمثل في المرأة فهذا مفهومٌ في المنطق الشعري و الواقع، و لكن ما هو مُلك فداء الضائع؟! و لماذا يعاني شاعرنا المنفى العربي؟؟!
حياة المبدع في هذا الكون رحلة ؛و غاية الرحلة هي امتلاك معنى الحياة و الكون و الفن. والمبدعون جميعاً يطاردون هذا المعنى الذي يتأبَّى على المُلك. هنا؛ رحلة فداء الألكترونية الباحثة عن معنى الحياة تجدُ تشخيصاً لها في حياة امرئ القيس وشعره وبحثه عن ملكه الضائع.
يستوعب فداء الغضبان التراث كما يستوعب الحداثة الشعرية العربية. و يمر من خلال استيعابه و هضمه للإبداع في وجهيه بكل من التراث و الحداثة إلى سَـْمته الشعري و تميزه الخاص .
عروقه كما يعترف ضاربة في عمق الثرى. لكن التراث هو الرحم الذي ينزل منه إلى ولادته الجديدة. فامرؤ القيس الشامي متصل- منفصل بالكندي. و لكنه متميز بصورته و بشكله.
كثافة التجربة الشعرية عنده ما تزال تنطوي على خيوط غامضة. إلا أن نصه الشعري : شفاف و متألق ؛ومغاير...على نحو واضح . بينما نلاحظ أن كثيراً من النصوص الحديثة تقع في دائرة الإبهام و تعوزها الشفافية. و الشفافية هي الشرارة التي تصل المتلقي بالمبدع و تؤمن استمرار التجربة الشعرية و حياتها. ربما نحتاج إلى جهد إضافي للتواصل مع رحلة فداء الغضبان الألكترونية و فهمها إلا أن الأجيال الحديثة التي تعاقر التواصل الالكتروني لا تجد غرابة في إشاراته الضوئية في ترويسات إبداعه و مداخلها- أي : ( عتبات النص ) التي تشكل جزءً أساسياً من تلقي تجربته الشعرية.
أن ثنائيات :( التراب و الرمل) و (الجفاف و الخصب) و(الحرية والمنفى) و(الحياة والموت) تبقى هي المُحرِّك الأساسي لإيقاع القصيدة عنده.
يقول :
وأسائل
رمل الله
في مسرح صحراء الوقت..؟؟
لماذا يَبِسَ الغيم..؟؟
-/ لماذا جفَّ الوحي..؟؟
لماذا..؟؟
وئِدَ الماء..!!
-/ و لماذا-
في أرضِ الملكوتِ-
احترقتْ..
شهواتُ نبوءتنا".
وقبلها يهتف بجنِّيه الشعري ( لافظ بن لاحظ ) الذي يشاركه رحلته الألكترونية ، وبالمناسبة هو شيطان شعر إمرىء القيس – كما في المرويات :
" أنرحل في صهيل الماء جمراً
فتكتبنا البحار
بلا ضفافِ ..؟؟!
و يتراوح ايقاعه الشعري بين ضمير المتكلم المفرد معبراً عن الذات في العمق، و ضمير المتكلم الجمع؛ ليعبر بالجهر عن هوية هذه الذات التي تعاني من المنفى العربي .
يقول :
قمحاً.."
أزرعُ شكى
في بادية الرَّب
و أقول: سلاماً لعُنيزةَ َ
تهجرُ قافيتي
و تُسرِّحُ شَهوتها .. في ليل دمشق
و أقول: سلاماً.. يا نهَر الأحلام الضائع
"كابن قميئة" ..!!
للقصب الظامئ بين يديك
و سلاماً..
لقيامه جيرون . !"
فالشاعر يعاني النفي و الجفاف و الموت لقيامة جيرون و هو اسم آخر لـ دمشق .!!
بينما النخل.. كما يقول :
" ينهض جرحاً
في بيداء الشعر"
- و يبدو واضحاً أن نص فداء الغضبان الشعري؛ يُطعِّمُ نصوصاً عدة في ايقاع واحد. فيلتقي المعتق بالحداثي. و يعانق الجزل الخصب التموزي. و يتفتَّحُ السريالي بشعريته ... كالنخل الذي ينهض جرحاً ليعبِّر عن توتر المأساة في تجربة الوجود.
و إذا تجاوزنا عظمة الملك الضائع رمزاً لتجربة وجودية إلى حميمية العلاقات الإنسانية و علاقة الشاعر الرجل بالطفل و الأم و الأب ماذا نكتشف:
يقول فداء:
"غداً سوف أرحل من شوكِ أمي إلى شوقِها
و لكن ..!! لماذا تنامُ الفصولُ على عشبِ دمعتها الناعسة
و كانت يداها مرافئ روحي على رئةِ النار
موعدَ قمح الجراح..؟!
و لكن الشاعر يبقى وحيداً فالصحارى تذِّبح ماءَهُ وما من نجمةٍ من آلِـهاتِ حبَّهُ؛ تجئُ لتحتضن ورد الخراب!!
الأمُّ عنِّدها أمان النوم، و أمان مرافئ الروح؛ في مواسم القمح الخصبة بدم الجراح:
يقول الشاعر :
أواه يا أمي..؟!"
ليت لي أن أغزل الدمعَ.. حقولاً من ذهبْ... ليديك "
هل الأم هي الحب الحقيقي ..!؟ عند أزمة الروح ، حيث تنام الفصول على عشب دمعتها الناعسة ؛ آن لا نجمة من آلِـهات حبِّهِ تجئُ لتحضِن وردَ الخراب!
هذا هو دور الأم في عاطفة الطفل المختبئ في صدر الشاعر؛ و يبقى الأب رمز المُلك الضائع هو الصرح الذي يتهالك عليه أمان الأم ، يقول :
"و هيهات يم الزلف"
على قمح ِ أمي يئن من القيظ و الوزن يتماً
و يبكي كآلهة سومرية
قد أشعل الهجرُ أيامها وطوحها في حريق المسافة
قدَّامَ هيكل باب
أبي..!! "
و بين اليتم ؛والأبوة الضائعة ينسكبُ الشعر؛ و لكنه لا يُعوِّضُ الأمان الضائع. و أزمة الوجود تطغى على شبكة العلاقات الحميمة مع الأم ؛والسعي إلى استرداد المُلك الضائع يبرز إلى الواجهة. يقول:
أما من رحيل إلى لذَّة الرِّي"
غير الردى..!!
وقال الصدى :
عول ُ.. فعو / لُ
..غير الرَّدى
فقام المدى –
وأقفل ناي التشابيهِ في لغةِ الماء ليلاً
ثم أرخى ستار السرابِ على مسرح ِالنَّص ..!!
ثم صاح :
: " و...
كيف ستعبرُ صحراءَ " غوغل google "
...دون خيول ..؟! " .
ويبدو هنا الاستخدام الذكي لمفردة (غوغل google ): محركُ البحث الشهير في عالم الإنترنيت) عبر تعددها الدلالي والمعرفي ، وفتح النص على علاقة الشعري بالسؤال التقني والمنجز المعلوماتي الحضاري الحديث ؟!
-ولكن كيف للشعر العربي أن يعبر "صحراء" غوغل google... دون خيول..؟!
و رغم صراعه مع المنفى العربي ليحقق ثأره لأبيه .؟!
فعلاقة فداء بأبيه والأب هنا : هو الأب ( السياسي والمعرفي ) تتسم بدلالات مركبة ومعقدة . فهو في سبيل الوفاء و الحفاظ على الانتماء و استعادة الملك الضائع يتورط في تقليد الثأر. و لكنه لا يفتأ أن يثور على هذه المهمة التي فرضتها عليه اللحظة التاريخية و عقدة الوراثة.
في ( حقد/3 ) يقول:
"و كنتُ/ في عبقرَ ألهو
بين أشياعي و غلمانِ نجومي..!!"
سابحاً.. في يمِّ آيات شياطيني
هاجراً..
كُرسيَّك الوثني.."
"لم أفسدتَ جحيمي..؟!
"ثم شرَّدتَ نخيلي..
و جعلتَ الماءَ في صوتي
رملاً..!
يستغيثُ بقيظ ِ قيصر
/ -"لم قد أورثتني هذي
المنافي؟!
لكن حريته و انعتاقهُ وشعرهُ تُصبحُ مركزية في حياته ،فيطلب التحرر من مرايا السيف الموروث للثأر فيقول:
" المسيني..؟!
"يا مرايا السيف في عينيْ أبي..!!"
يا خرافات الدم المَسبيِّ في رمل الأخوة.!!
..
ذي حروفي..!!
عانقيها..؟!
و اسقني "سُمَّ" انعتاقي
من إسارك
..؟! "
الانتماء و تقليد الثأر يعوقان تجربته الوجودية و يصادران خياره فينتفض منهما أو عليهما ليقتل ( الأب ) ..؟!
هل هذه عقدة أوديب؟! هل هو القتل المعنوي للأغلال التي تمنع الشاعر من استكمال حريته و استقلاله ووجوده ؟ و إلا فلماذا يُعبِّرُ في قصيدة ( حقد ) عن تمرده على الأب، المقتول القاتل
يقول الشاعر:
" أيها المقتول و القاتلُ
يا أبي
لا تحدِّق بحطامي..؟!/ ثم ترميني
"بسِلمك"
لعنة ً /.. كأنني
من طعنك..؟!
...
...
ليتني أستطيع أن أُخرج أيامك الآن
من جدث التاريخ ثانية ً
حتى أقتلك؟! "
و يتحسسُ فداء مايُشبه القدر في دم أبيه الذي يحدد مصيره، يقول:
"يا أبي..
يا غداً.. ينسج بالتيه.. خطايا!!
يادماً يكتبني "
كما يعي مأساة الثأر و عبثية السعي إلى تحقيقة ؛ فيقول:
"بأرض الشام.. لا نسبٌ قريب"
..و لا ماء
فيروي قيظ روحي
"أعالج ملك قيصر كل يوم"
فما ورثت يداي
.. سوى قروحي"
و يتساءل في قصيدة دمشق :
" و أيّ قافية تؤرخ لعنتي..
قدام "سِلمك" يا أبي
...
...
و غدي يراقب سيفي المكسور
يبكي في يدي
... شمسَ البلاد؟!
...
...
هابيل يسأل في مدائن شهوتي
عن قمح ِأحلامي..
و عن نار البوادي
فلا.. سنىً..
سوى الصدى الوثني.
يكتبهُ الرماد. "
و تتجلى أزمة الشاعر بأن (هابيل) في مدائن الشهوة يعوق نمو قمح أحلامه
و أن:
..الصدى الوثني :
يكتبه الرماد
فلماذا لا ينهض هابيل من رماد الموت و يقتل القاتل قابيل.؟!!
هنا يتطلع فداء إلى ولادة جديدة من رمل إرثه و رماد ماضيه و الخروج بالحب راجياً الحبيبة "وردة الله" أن تقترب من حقده و شرره (أي تجربته و معاناته) .
فلابد من العودة إذاً إلى الأمومة من أجل هذي الولادة التي يطمح إليها الشاعر:
" و أنا المقتولُ..
قدَّامك..
يا أمي..؟!!
فمُدي بيديك
و احضني موتي
قليلاً
لكن ولادته الجديدة لا تتم بغير الحبيبة ،إنَّها "توراةٌ من الشهوات" أو "الياذة الشهوات". وتصبح الحبيبة "وردة الله" هي الخلاص من أزمة الجفاف و الموت.
و يصرخ فداء؛ أثناء صراعه مع المنفى العربي:
" هل سقرٌ هذي الرمال ؟! "
- و إذا خرج الكندي في أزمته من الحب إلى الثأر و طلب المُلْك ...
فشاعرنا فداء الغضبان في تجربته الشعرية يخرج من الثأر إلى الحب.
ففي وهج العري المقدس يتخفف من وجع الحياة و يُنشدنا من أجمل و أصفى ما كُتب في الشعر الحديث ؛من قصائد حديثة في الحب. فيغمر وجهَ إبداعه المتوسل بالسرد من ضحى عبقر و سيرة الكندي بشعرٍ صافٍ يتوهج بالصورة المبتكرة. و ينبض بالعاطفةِ الملتهبة ؛يُعبِّرُ عن تجربةٍ وجوديةٍ تتصل بالجسد و طموحاته في الشهوة؛ و المُلك . فيتألق المُدنَّس في خياله ليصيرَ مُقدَّساً.
و هذا يذكرنا بشعراء المرأة الحديثين لكن في معادلة مختلفة تركيباً و صورة:
فيعانق وهج ( أبي شبكة ) العاطفي نحت (سعيد عقل ) الشعري في رندلى و تأنق( نزار قباني) في صور النهد. و لكن بنبض ملتهب ينقل العري إلى هيكل المقدس فتسمو الشهوات إلى عالم الوحي لتصير إلياذة أو توراة جديدة ، يقول :
" كم زبوراً تكتبين الآن إذ
يتلظى الموجُ في تموز نهديك
كروماً
من لهب "
- ويقول أيضا ً:
آية الله..
رمانُها
قد تجلَّى على ليل نهديك
هذي صلاتي
...
و ذا قمري
ساجدٌ كملاك
لإنجيل عُريك
- إيضا :
" و أقولُ
الشهوةُ.. نبعٌ
من قمح ٍ و نجوم!!
و أعلنُ نهديك:
واحة أعياد
و قصائد.
أو وكما يقول أيضا ً:
"على كنيسة نهديك.. غدي كُتباً "
ألا يذكرنا هذا بالزجل الشامي في تقديسه للنهدين:
(و أنا شفت ع صدر البنية بزين
و معابد و يا ربي خلقوا للصلاة)
يقول فداء:
نهداك: راهبتان من الضوء و العتم
و لي أن أصلي ... لبدر عُريك
يبزغ من بين قدَّاس ِ ... هذي القصيدة .
ختاما ً:
كأن شاعرنا فداء الغضبان ، شاعرٌ شاردٌ من عبقر بجنون العامري في وجه المنفى العربي الذي ورَّثه الثأر. فخرجَ عليه بالحب. لم يصل شاعرنا إلى المُلك. و لكنَّه استرد حريته المغتصبة بكسر التقليد. و بالقتل الأوديبي للموروثِ بمخيلة شعرية مبدعة .
فيتحوَّلُ الكندي إلى شامي ينتمي إلى عبقر بهويةٍ إبداعيةٍ مميزة في الحرية والحب والحياة، بإشعاعات شعرية الكترونية ... جديدة ومبتكرة.
تحيلنا في حداثتها إلى منبعي الحداثة الشعرية العربية : ( الوجودي و التموزي ) اللذين مثَّلا المنبع الأول لمجلة شعر ، عبر اقتراح فني إبداعي ؛ يطرحه الشاعر فداء الغضبان ،وقد تجلَّى من خلال أسطَرَةِ علاقة الإنسان بالحب و الحياة و الموت ؛في رؤية جديدة ؛واستعادة دور المُبدع في تثوير التراث ؛و إعادة صياغته في وهج مفاهيم وأطروحات الحداثة ؛ في تفاعلاتها مع التجربة الإنسانية .
_____________
(* ) نذير العظمة : شاعر وناقد ومترجم ، أحد أعلام الحداثة الشعرية ، من مؤسسي مجلة شعر.
(*) الشواهد الشعرية من مجموعة : كيمياء الجمر - إحداثيات الصهيل ... " هوامش ترابية على السيرة الرَّملية لإمرىء القيس الشامي" للشاعر : فداء الغضبان ( مجموعة قيد النشر )