ضابط سابق في الجيش: أريد حلا
تخلى عن قرار الانتحار احتراقا وعاد ليدبج الشكاية المائة مطالبا بحقوقه
ما الذي يدفع ضابطا سابقا في الجيش إلى تأبط قنينتي بنزين، وتحتهما ملف ثقيل اهترأت بعض أوراقه، وأوسمة وصور تخلد مجد تجارب وخبرات وحروب شارك فيها؟ ما الذي يجعل عبد الرحمان شاكر، الذي انخرط في سنة 1953 في صفوف المقاومين قبل أن يزج به المستعمر الفرنسي في السجن ويصدر في حقه حكما بالنفي من بلاده، إلى التفكير في وضع حد لحياته؟ ثم ما السبب وراء تفكير شاكر في الانتحار وهو، الذي درب ضباط الصف بمهارة وقسوة بالمدرسة العسكرية اهرمومو، رباط الخير حاليا، بدءا من سنة 1960، حتى انتقل إلى الميدان للمشاركة في حرب 1963 ضد الجزائر، وانضم إلى التجريدة المغربية للدفاع عن الجولان في 1973، وحظي فيها بوسام الشجاعة من حافظ الأسد، ثم التحق بالصحراء المغربية ما بين 1977 و1995، قبل أن يحال على التقاعد، ويحظى بفرصة استقبال ملكي مرتين ثم تعلق على صدره نياشين وأوسمة؟
ما الذي يدفع رجلا من هذه الطينة إلى الامتلاء غضبا وغيظا؟ ما الذي يقوده رأسا إلى الإحباط، والكفر بالحق؟ ما الذي ينغص استراحة هذا المحارب، ويقلق راحة خريف العمر؟ ويحول الرجل من متقاعد عاجز عن التمتع بفرصة يستعيد فيها شريط ذكرياته أمام أبنائه وأحفاده بهدوء، إلى غارق في الانشغال بكتابة الشكايات وتنقيح الطلبات وتدبيج البيانات، المتوسلة أحيانا والنارية أحيانا أخرى، وركوب القطار جيئة وذهابا بين البيضاء والرباط، قبل أن يجد في انتظار عتبة البيت «أمضرا، آشنو درتي؟ عطاوك حقك أو لا مازال»، ليطأطئ الرجل رأسه ويدلف إلى الداخل دون جواب؟؟
كل هذا بسبب استهتار مسؤول برسالة ملكية تسلمها شاكر من الملك يكرمه من خلالها ويعطي أمره بتفويت مسكن تابع إلى الأملاك والتجهيزات العسكرية إلى الرجل الذي أفنى شبابه في خدمة الوطن، وآن له أن يكرمه ببيت يقضي فيه ما تبقى من العمر. الرسالة صدرت بتاريخ 10 ماي 2001، وحددت المساطر والإجراءات التي يجب اتباعها دون تمييز بين الرتب والمستويات الطبوغرافية لهذه المنازل، واجتمعت لجنة جهوية وباشرت عملها وحددت الثمن الملائم لجميع المستويات، وكل ذلك استغرق حوالي سنتين.
ما الذي حدث إذن لكي لا تكتمل العملية بالنسبة إلى عبد الرحمان شاكر؟ «بعد هذه المرحلة يا مولاي» يقول الضابط في شكايته إلى الملك، عرضت الملفات على اللجنة الوطنية للدفاع بإدارة الدفاع الوطني تنفيذا للتعليمات الملكية السامية الصادرة في الرسالة الملكية السامية المذكورة، وحددت هذه اللجنة الأثمنة النهائية وبعثت جميع المحاضر مع الأثمنة إلى وكالة الأملاك والتجهيزات العسكرية حتى تقوم هذه الأخيرة بتطبيق القرارات الملكية والإسراع بتسليم المنازل إلى أصحابها/سكانها». استفاد البعض فعلا، وسلمت لهم المنازل، وذلك في عهد مدير سابق لهذه المؤسسة، قبل أن يحل مدير جديد ويعلق العملية. ولسوء حظ عبد الرحمان شاكر وقفت المسطرة عند اسمه في لائحة المستفيدين، «إن مدير الأملاك العسكرية يعمل بمعيارين، يفوت لمن شاء بلجن مختصة وأثمنة بخسة، رغم مساحتها التي تفوق بكثير المساحة غير المبنية المستغلة والتي أطالب بتفويتها إلي طبقا للدورية المذكورة في المرجع أعلاه» تضيف الشكاية.
زار شاكر مكتب المدير الجديد، واستقبله الرجل بابتسامة عريضة ووعود بإكمال إجراءات التفويت في ظرف أسبوع، لكن مرت أسابيع وشهور والرجل يعقد أمله على الابتسامة التي يستقبله بها المسؤول، قبل أن يفاجئه الأخير ذات مرة بأنه ينتظر «تعليمات»، «واش آعباد الله كاين شي تعليمات أخرى أكثر من تعليمات جلالة الملك؟ فهو ملك البلاد والقائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، فمن أي جهة ينتظر المدير تعليمات إذا كانت تعليمات جلالة الملك واضحة وطبقت في حالات أخرى في عهد المدير السابق؟» يتساءل شاكر الذي لم تطاوعه ذاكرته الحربية وتاريخه في حرب الرمال وضد إسرائيل وضد مرتزقة بوليساريو ليصب قوارير البنزين على جسده في أرذل العمر، قبل أن يتخلى عن قرار الحرق، ويدبج رسالة/ شكاية رقم مائة عساها «تحرق» أجساد التماطل والتسويف في مكاتب بعض المسؤولين.
ضحى زين الدين