كل شيء عن تعويض ضحايا "الخليفة"، "البسييا" و "الجزائرية للبنك"
هذا ما جمعه وأنفقه مصفو البنوك المفلسة
عبد النور بوخمخم
مصفي الخليفة ينتظر موافقة اللجنة المصرفية لتوزيع 650 مليار على المودعين الكبار
وجهت شركة ضمان الودائع البنكية آخر نداء لمن تبقى من صغار المودعين، ضحايا البنوك الخاصة الثلاث التي تقرر حلها وتصفيتها منذ سنوات، لاستلام شيكاتهم بقيمة التعويضات المالية التي استفادوا منها، في حدود سقف أعلى لا يتجاوز 60 مليون سنتيم، مقابل أموالهم المودعة في حسابات تلك البنوك، تمهيدا لإنهاء علمية دفع التعويضات التي انطلقت سنة 2003...
ومست حتى الآن أكثر من 80 بالمائة من المودعين السابقين، وأغلب من بقي لم يستلم شيكه يملك مبلغا زهيدا "لا يغطي مصاريف التنقل للعاصمة لاستلامه" بحسب المصفين
وأعدت شركة ضمان الودائع نحو 140 ألف شيك قابل للصرف على مدار السنوات الماضية بقيمة إجمالية بلغت 1500 مليار سنتيم، معتمدة على قوائم المستفيدين التي كان المصفون في البنوك الثلاثة يرفعونها إليها دوريا.
ومع إنهاء شركة ضمان الودائع دفع التعويضات المترتبة عليها قانونا، تعود الكرة من جديد إلى المصفين، لاستكمال النصيب الأكبر المتبقي من التعويضات المالية، للمودعين الصغار والكبار والدائنين الآخرين من مختلف الأصناف، اعتمادا على حصيلة ما جمعوه من أموال تصفية البنوك الثلاثة وما استردوه من الديون والقروض المالية التي منحت لجهات مختلفة، وما باعوه من الأملاك العقارية والمنقولة العائدة لتلك البنوك.
وجرت هذه التعويضات بناء على الملفات والقوائم التي يعدها ويرسلها المصفي دوريا لشركة ضمان الودائع. وقد حكمت العدالة للدائنين بتثبيت حقوقهم وطلبت قيدهم في سجلات الذين سيتم تعويضهم.
المصفون: 90 بالمائة من عملنا داخل أروقة العدالة
يتحدث المصفون عن جملة من الإشكالات والمتاعب ذات طابع قانوني وإجرائي ومالي واجهوها لإنجاز مهمتهم، فيشتكون من أن "90 بالمائة من عملهم"، كما يقول مصفي الجزائرية للبنك ينحصر في أروقة العدالة ومتابعة المنازعات القانونية في قضايا رفعوها أو رفعت ضدهم، بلغ عددها بالنسبة للمتحدث وحده 920 قضية، ووجدوا صعوبات كبيرة في إقناع القضاة بالاعتراف بحق التأسس كطرف مدني، لاسترجاع أموال وممتلكات البنوك، فالقانون يعترف بمهمة تصفية شركة لطرفين فقط.
الطرف الأول: المساهمون والملاك أنفسهم والثاني: العدالة، أما اللجنة المصرفية التي تلعب دور هيئة الضبط والرقابة على عمل المؤسسات المالية والبنكية، فلا يتحدث عنها، ليس المقصود هنا هو عدم امتلاكها هذه الصلاحية، حيث أن قانون النقد والقرض يعطيها هذا الحق بوضوح، ولكن عندما يذهب المصفون للتنفيذ في الميدان لا يفصل القانون في آليات التنفيذ وطريقته، وعندها يجتهد القاضي في تصنيف العملية تارة على أساس أنها حالة إفلاس تجاري كما ينص عليه القانون التجاري.
وتارة يعتبر القاضي المصفين مجرد متصرفين إداريين "ووجد من القضاة من لا يعترف لنا أصلا بالمهمة التي أوكلتها إلينا اللجنة المصرفية، وهذا يلحق ضررا كبيرا بالمهمة، هذه مشكلة يجب أن تعالج بسد الفراغ القانوني الموجود"، ويضيف "رفعنا دعوى ضد المساهمين لتحديد المسؤولية في الأموال الضائعة، وطلبنا تعويضا على الضرر لأنهم ضخموا رأسمال الشركة بشكل غير قانوني، وبعد ثلاث سنوات أجد نفسي مجرد شاهد وانعقدت الجلسة دون أن أعلم تماما".
700 سيارة عرضت في صالات البيع بالمزايدة
يأتي بيع السيارات في موقع مهم ضمن ترتيب الموارد المالية التي يحصّلها المصفون من بيع الأملاك الخاضعة للتصفية، وشملت عملية البيع لدى البنوك الثلاثة نحو 700 سيارة سياحية ونفعية في حالات جيدة وتحمل علامات مشهورة، وهي الأكثر رواجا في صالات البيع بالمزايدة بين بقية المنقولات، وكان مجمع الخليفة قد اشترى الجزء الأكبر من أسطوله من السيارات عبر عدة صفقات بالجملة مع مؤسسات من علامة "طويوطا" و"سيتروان"، ووجد المصفون صعوبة في تسويق عدد هام منها، لافتقادها لوثائق تثبت بشكل واضح ملكية البنوك المصفاة لها، أو لها ملكيات مزيفة مسجلة بأسماء أشخاص وهيئات ومؤسسات عمومية، ومنها ما بقي مسجلا بأسماء وكلاء السيارات التي اشتراها منها، لأن المسيرين لم يكملوا سداد كل المستحقات المترتبة على شراء هذه السيارات، كما حول المصفون ملفات سيارات عديدة أخرى إلى الدرك الوطني لإثبات ملكيتها لها وكشف الملكيات المزيفة.
كما باع مصفي فرع الخليفة للبناء عددا آخرا مهما من الشاحنات وآليات الأشغال العمومية، اقتناها شهورا قليلة فقط قبل انهياره لإنجاز صفقات هامة للأشغال العمومية رست عليه. و هناك ممتلكات أخرى بيعت كانت في حوزة الخليفة للإعلام الآلي، الخليفة لكراء السيارات، وأخيرا الخليفة للمواد الصيدلانية والنسيج، وكان لكل فرع منها مصف خاص به يشرف على العملية.
وباع مصفو البنوك الثلاثة آلاف القطع من الأثاث المكتبي والمنزلي الفاخر وأجهزة كهرومنزلية من مختلف الأنواع ووصولا إلى آلات العد الآلي للأوراق المالية وخزائن حديدية، كما عرفت المكيفات الهوائية رواجا كبيرا في صالات البيع بالمزايدة، وفي العام الأول لوحده من مسار التصفية وصلت مبيعات مصفي الخليفة من الممتلكات المنقولة خاصة أجهزة الإعلام الآلي والسيارات والتجهيزات المكتبية، 30 مليار سنتيم.
فيلات وعقارات في المزادات العلنية
بعد الانتهاء من بيع الأملاك المنقولة توجه المصفون لبيع الأملاك العقارية، بعد أن جردوها ووجدوا أنها ليست بالشيء الكبير، ولا يزيد عددها مجتمعة لدى البنوك الثلاثة عن 16 عقارا مبنيا، موزعا عبر التراب الوطني، لأن البنوك المصفاة كانت تؤجر أغلب المباني والمقرات التي كانت تشغلها، وفي العاصمة لوحدها كان الخليفة يؤجر 54 فيلا كاملة لأغراض تجارية وسكنية مختلفة. ويؤكد المصفون أنهم فضلوا تأجيل بيع تلك العقارات القليلة التي بحوزتهم إلى غاية الانطلاق في تعويض الدائنين، حتى ترتفع قيمتها المالية أكبر في السوق وأيضا خوفا من أن يحجز بعض الدائنين على حسابات التصفية.
فبالنسبة للشركة التجارية للبنك، باع المصفي حتى الآن لصالح مؤسسة عمومية، عقارا واحدا من بين 5 عقارات مملوكة للبنك كليا أو جزئيا، هو مبنى وكالة البنك سابقا في زرالدة، وبدأ التحضير لعرض مقري وكالتي البنك سابقا في قلب مدينتي سطيف وغرداية، للبيع بعد رفع الحجز عنهما، إضافة إلى عقارين آخرين كانت تشغلهما وكالة للبنك بوسط العاصمة وأخرى في جيجل يملكهما البنك مناصفة مع المساهم الرئيسي فيه، الأول قام باستئجاره لصالح البنك الوطني الجزائري، والثاني لا زال كما هو.
وباع مصفي الخليفة فندقا سياحيا هاما في مرتفعات مدينة بجاية للولاية، وفي العاصمة تحصي سجلاته المقر السابق لوكالة بنك الخليفة في قلب مدينة حسين داي بشارع طرابلس الرئيسي، حيث كان يوجد الصندوق الثاني لبنك الخليفة، وهي في الأصل مساحة تجارية كبرى اشتراها الخليفة من الأروقة الجزائرية قبل سنوات، وفيلا كبيرة واسعة في منطقة ڤرواو على بعد 5 كلم من بوفاريك محاطة بمستودعات ضخمة وعالية ومبنية على قطعة أرض كبيرة تتربع على مساحة في حدود 3000 متر مربع، ويعتقد أن مجمع الخليفة يملك أيضا عقارات في حي الموز بالدار البيضاء، حيث يوجد حاليا المقر الاجتماعي لمصفي الخليفة للطيران، كما توجد عقارات أخرى في بعض الولايات البعيدة عن العاصمة.
وبالنسبة لبنك "بيسيا" لم تتقدم الأمور حتى الآن بشكل كبير، وجرى إحصاء العديد من الممتلكات التابعة للأشخاص المحكوم عليهم بتعويض البنك الخارجي الجزائري، تحسبا لحجزها تنفيذا لقرار العدالة، بحسب تقرير الخبرة الذي يوضح الحصة الواجب دفعها من قبل كل متهم من المتهمين الثمانية والأربعين من بينهم تسعة في حالة فرار، لتعويض البنك الخارجي الجزائري عن الضرر المقدر بـ 13 مليار دج، إضافة لمبلغ 01 مليار دج كتعويض عن الضرر المعنوي الذي لحق بالبنك.
75 بالمائة من إيرادات التصفية من استرداد القروض والهبات غير قانونية
بعد سنوات عديدة من إعلان إفلاس وتصفية بنك الخليفة والشركة الجزائرية للبنك والبنك التجاري والصناعي، قاربت عملية تصفيتها من نهايتها، ويؤكد المصفون أن مهمتهم كانت محاطة بالعديد من الإشكالات القانونية. ويتبين من الحصيلة التي حققها كل منهم، أن الجزء الأهم والأكبر من مداخيل التصفية يأتي من استرداد الأموال والقروض التي منحتها البنوك لأشخص وهيئات ومؤسسات مختلفة، وكذا الخدمات التي استفاد منها آخرون ولم يدفعوا حقوقها، ويشكل هذا المصدر أزيد من ثلاثة أرباع المنتوج المالي للتصفية، في حين يأتي الربع الأخير فقط من بيع الممتلكات المنقولة والعقارية. ولم يوفر بيع الأملاك العقارية والمنقولة سوى 7 ٪ فقط من ديون البنوك الثلاثة مجتمعة، ويلاحظ مصفي الشركة الجزائرية للبنك أن "المستفيدين من تلك القروض هم تقريبا أنفسهم لدى البنوك الثلاثة الخاضعة للتصفية".
يقول المصفون "نفضل الطرق الودية لاسترجاع الأموال، وإذا لم تنفع هذه الطريقة نلجأ للعدالة" والقانون ينص على أن مدة القرض تنتهي يوم قرار التصفية لكل الزبائن، ومنها يلتزمون بدفع القيمة الإجمالية للقرض الممنوح، وأمام تهرب الكثيرين أو عجزهم عن إرجاع ما أخذوه يلجأ المصفون إلى القضاء لاستصدار أحكام بالحجز على أملاكهم، لكن ذلك لم يشمل الممتلكات الشخصية للمتهمين المدانين، أو عائلاتهم، وتشمل فقط العقارات والممتلكات التي يثبت للقضاء أنه تم شراؤها بأموال البنك الخليفة، وهذا من الصعب إثباته.
مصفي الشركة الجزائرية للبنك: تسبيقات أولى بنسبة 20 بالمائة
الشركة الجزائرية للبنك هي البنك الوحيد من بين الثلاثة التي تقرر حلها وتصفيتها رغما عن أصحابها، بدأ مصفيها فعلا في دفع لتعويضات المالية، منذ نحو ثلاثة أشهر، ويقول إنه قرر منح الدائنين تسبيقا بقيمة 20 بالمائة على حساب مبلغ الدين، بالاقتطاع من الأموال المتوفرة التي تم جمعها حتى الآن.
ووزع المصفي الدائنين المعنيين بالتعويضات على أربع فئات، وأنهى دفع التسبيق المالي الذي قرره، للفئة الأولى ممثلة في أصحاب حسابات الودائع ودفاتر الادخار والحسابات الجارية وحسابات الصكوك وحسابات العملة الصعبة، ممن تزيد قيمة ودائعهم عن 60 مليون سنتيم، مع حذف التعويضات التي استلموها من قبل، من شركة ضمان الودائع البنكية، كما أنهى المصفي دفع التسبيق المالي الذي قرره لصالح الفئة الثانية من الدائنين، تضم أصحاب سندات الصندوق والصكوك المصرفية.
ويؤكد مصفي الشركة الجزائرية للبنك أنه يعتزم "خلال الأيام القادمة مباشرة دفع تسبيق 20 بالمائة على ديونهم للفئتين المتبقيتين، الثالثة والرابعة"، تمثل إحداهما دائني التجارة الخارجية والأخرى الدائنين الآخرين من موردي السلع والخدمات، ويشكل دائنو التجارة الخارجية الجزء الأكبر من حجم المستحقات، ومنهم مؤسسات مالية أجنبية وموردون من جنسيات مختلفة.
وخير المصفي المستفيدين من تسبيقاته، ما بين استلام صك مباشر يدا ليد بالمبلغ المذكور أو طلب تحويله إلى حساب آخر لهم "وقبل ذلك بدأنا بتسوية مستحقات إجبارية ذات أولوية وهي حقوق الخزينة والضرائب وغيرها من المستحقات العمومية، ودفعنا الأجور المتخلفة لصالح عمال البنك التي لم يتقاضوها قبل إعلان تصفيته".
ويعترف المصفي أنه لا يمكن تعويض الدائنين على كل أموالهم، التي بلغت مجتمعة نحو 400 مليار سنتيم، لكنه يؤكد أنه سيدفع في الأشهر القادمة، تسبيقا آخر، لا يحدد نسبته، بعد استرجاع مزيد من القروض غير المسددة وبيع ما تبقى من أملاك البنك العقارية.
مصفي الخليفة رصد 650 مليار سنتيم لتعويض كبار المودعين
لأول مرة منذ بداية مهمته قبل 8 سنوات، وضع مصفي بنك الخليفة خطة لمباشرة دفع تعويضات مالية لمجموع دائني البنك والمودعين الكبار، تضاف إلى مبلغ 60 مليون سنتيم الذي حصلوا عليه من شركة ضمان الودائع.
وبدأ ضحايا البنك، في تلقي مراسلات شخصية مكتوبة من المصفي تدعوهم للتقرب من مصالحه لاستلام شيكات بالتعويضات المقررة لصالحهم، بداية من نهاية الشهر المنقضي، وتعكس خطوة المصفي حالة تخبط وارتباك من طرف القائمين على تسوية ملف تعويضات ضحايا الخليفة، لأن المبادرة الجديدة تتجاهل تماما، كأنه لم يكن، عرضا سابقا، قدمه المصفي بنفسه قبل أشهر تعهد فيه بأن يدفع لدائني البنك "تسبيقا من منتوج التصفية"، حرص على وضع سقف له لا يتجاوز 50 مليون سنتيم لكل دائن مهما كان مبلغ الودائع التي خسرها. وبرر بادسي ذلك بقلة ما حصله خلال أربع سنوات من كل عمليات بيع أملاك مجمع الخليفة المنقولة والعقارية العائدة إلى مختلف فروعه. وقال إن "عجز الأصول الناجم عن نتائج التصفية لا يسمح بالتفكير في تسبيق تصفية أكبر" من المبلغ المذكور.
ورصد المصفي في الصندوق الخاص للتصفية مبلغا قدره 650 مليار سنتيم، لإتمام العملية التي أعلنها، لصالح 10 آلاف مودع كبير لا زالوا ينتظرون أموالهم. ومصفي الخليفة هو الوحيد الذي وجد في حسابات البنك لحظة إعلان تصفيته مبلغا لا يتجاوز 100 مليار سنتيم..
الضرائب والخزينة أخذوا حقوقهم كاملة
الضرائب والمصالح الجبائية إضافة إلى خزينة الدولة كانوا أول من أخذ حقوقه كاملة من منتوج التصفية، كما سوى المصفون الأجور المتأخرة لنحو 8500 عامل كانوا يشتغلون لدى البنوك الثلاثة قبل تسريحهم في أعقاب إعلان حلها، وأبقى كل واحد من المصفين الثلاثة فريق عمل محدود من الموظفين والعمال السابقين، لأجل مساعدته في متابعة الحسابات والإجراءات القانونية وفي صيانة وحراسة المقرات والمستودعات التي تحوي الأملاك المنقولة قيد البيع والتصفية.