رغم دوي أصوات المصريين بإسقاط النظام
زعماء الغرب دعموا مبارك وفي النهاية خسروه كطاغيتهم المُفضَّل
أشرف أبو جلالة من القاهرة
تمسك زعماء الدول الغربية بالرئيس المصري حسني مبارك وبعلاقاتهم معه حتى اللحظات الأخيرة له في الحكم، رغم ارتفاع الأصوات من قبل المصريين الثائرين في ميدان التحرير، وغيره من الأماكن معلنة رغبة الشعب الحثيثة في إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، وتأكيدهم اعتزامهم عدم مغادرة أماكنهم حتى يرحل هو.
مبارك كان نائباً للرئيس السادات
في الوقت الذي أصرّ فيه المصريون الثائرون في ميدان التحرير، وغيره من الأماكن التي احتشدوا فيها، على رغبتهم الحثيثة في إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، وتأكيدهم اعتزامهم عدم مغادرة أماكنهم حتى يرحل هو، إلتزمت دول الغرب موقفاً مغايراً وظلت إلى جوار الرئيس المخلوع حتى النهاية تقريباً، رغم الحقيقة التي تُبَيِّن أنه قام بتحويل بلاده إلى دولة بوليسية وقام في الوقت ذاته أيضاً بنهب اقتصادها.
في هذا السياق رأت مجلة "دير شبيغل" الألمانية أن القرار الذي اتخذه الرئيس مبارك بالتخلي عن منصبه كرئيس للجمهورية، وأعلنه نائبه عمر سليمان، يعد انتصاراً لقوى المعارضة في البلاد، ولاسيما أن التظاهرات التي تواصلت وتزايدت على مدار أسابيع زادت من الضغوط الملقاة على كاهل مبارك، الذي تحدث إلى شعبه منذ بداية الإحتجاجات ثلاث مرات، ولم يعلن في أي منها أنه سيتنحى عن السلطة.
في هذا السياق مع رفض المتظاهرين التخلي عن مطلبهم الرئيس برحيل مبارك، قالت المجلة إن القادة الغربيين، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكذلك بعض القادة الأوروبيين، الذين لطالما وقفوا إلى جوار مبارك، بدأوا يتخلون عنه. وقالوا إن الوقت قد حان بالنسبة إلى الرئيس المصري كي يفسح المجال أمام بداية جديدة لبلاده.
وأوضحت المجلة بعدها أن شركاء مبارك في الغرب ظلوا واقفين إلى جواره على مدار 30 عاماً، حيث ظل يحكم مصر بقبضة من حديد. ثم تحدثت عن بدايات الرئيس المخلوع في الحكم، فقالت إنه سرعان ما أصبح قائداً قوياً بعد أن تعرض سلفه، الرئيس محمد أنور السادات، للاغتيال في تشرين الأول- أكتوبر عام 1981. ثم أضحى شريكاً يمكن الوثوق فيه من جانب الغرب، واستمر في حكمه للبلاد بقوة ونفاذ.
مبارك ملتقياً الرئيس الأميركي جيمي كارتر عام 1979
كما دلّلت المجلة على ما كان يحظى به مبارك من نفوذ في البلاد طوال سنوات حكمه، بقولها إن صورته الشخصية كانت تُعَلَّق في كل مكاتب المسؤولين، كما كان يُمتَدح بإخلاص في جميع الخطابات. ولم يعرف الشباب المصري، الذي يُشكِّل أكثر من نصف السكان، رئيساً غيره للبلاد. وأضحى يُجسِّد بالنسبة لهم كل ما هو خاطئ في البلاد: حيث قلة الفرص الاقتصادية، وتراجع مستوى الحريات، وعدم منحهم الحق في الإنتقاد.
ومع هذا، أكدت المجلة أن مبارك كان محبباً وذا قيمة بالنسبة إلى الغرب. فلم يسبق له أن تردد مطلقاً في تأييد اتفاق السلام مع إسرائيل ولعب دوراً كبيراً في الشرق الأوسط. وأضحى شخصية لا غنى عنها بفضل ما كان يحظى به من نفوذ كبير في العالم العربي. ويكفي أن الرؤساء الأميركيين والفرنسيين ورؤساء الوزراء البريطانيين، الذين تعاقبوا عليه خلال فترة حكمه، ظلوا محافظين على علاقاتهم الوثيقة به.
كما كان ضيفاً مرحباً به في ألمانيا، والتقى جميع كبار الساسة تقريباً في برلين. وقد أثيرت تكهنات خلال الفترة الماضية حول احتمال توجه الرئيس مبارك إلى ألمانيا، كي يهرب من وطأة الضغوط الشعبية التي طالبته بالتنحي. ثم أشارت المجلة إلى عمق أواصر الصلة التي تربط مبارك بالجانب الألماني، وهو ما بدا واضحاً من خلال الحفاوة الكبيرة التي أبداها الرئيس المصري تجاه وزير الخارجية الألماني الأسبق هانز ديتريش غينشر، أثناء زيارته القاهرة عام 1982. وفي الإطار نفسه، منحت جامعة شتوتغارت الألمانية جائزتها الخاصة بـ"المواطنة الفخرية" لزوجة الرئيس سوزان مبارك، بسبب التزامها الجماعي وتفانيها من أجل حقوق الأطفال والنساء. وخلال خضوع الرئيس في العام نفسه لعملية جراحية في الظهر في أحد مستشفيات ميونخ، زاره عدد من الساسة البارزين، من بينهم حاكم ولاية بافاريا ادموند شتويبر، ووزير الخارجية يوشكا فيشر، والمستشار غيرهارد شرودر.
ومضت المجلة تقول إن تقدير مهارات مبارك على الصعيد الدبلوماسي ظل قائماً بشكل كبير حتى وقت قريب للغاية. فقد استقبلته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في آذار- مارس عام 2010 في برلين، قبيل إجرائه جراحة في المرارة في مستشفى هايدلبيرغ. ومع ذلك، واصلت الحكومة الألمانية طرح موضوع حقوق الإنسان في محادثاتها مع الرئيس مبارك. لكن تلك المحادثات لم تخرج عن نطاق الحوار الحذر، ولم يسبق لبرلين على الإطلاق أن تقدمت لمصر بطلبات حقيقية من أجل الإصلاح.
وبدلاً من ذلك، اُعتُبِر الرئيس مبارك متراساً في النضال ضد الإسلام الراديكالي. ولفتت المجلة في الختام إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، كانت تعتبر نظام الحكم المتشدد في مصر مفيداً في مواجهة الإرهابيين المشتبه فيهم وكذلك مؤيديهم.