البلاغات تتوالى للنائب العام ضد مسؤولين وسط حصار قانوني وسياسي
مصر.. مطالب استرداد الثروات تنتعش ومنظمات دولية تدخل على الخط
بمجرد سقوط نظام حكم الرئيس حسني مبارك في مصر توالت بلاغات المواطنين (محامين وناشطين سياسيين وإعلاميين) إلى النيابة العامة ضد رموز نظام الرئيس السابق، وإخضاعهم للتحقيق.. بدأت البلاغات ضد عدد من الوزراء ونواب بمجلس الشعب.
ووصلت الآن إلى مبارك شخصيا وعائلته، فيما دخل المجتمع الدولي على خط محاولة استرداد الأموال المنهوبة من شعب مصر.. إذ تستعد منظمة الشفافية الدولية التي أصدرت خلال السنوات الماضية العديد من التقارير حول الشفافية الحكومية والاقتصاد المصري.. تستعد حاليا لإرسال وفد منها إلى مصر لدعم القوى الوطنية في جهودها لاسترداد الأموال والثروات المنهوبة.
أبناء مبارك
وبالتوازي مع بلاغات عديدة للمواطنين (محامين وسياسيين) حاولت بعض الشركات استباق الأحداث وتبرئة نفسها بإعلان مساهمات عائلة مبارك بها، إذ أعلنت المجموعة المالية (هيرميس) أن علاقتها بجمال مبارك نجل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك تنحصر في ملكيته 18% من إحدى الشركات التابعة لها.
وأوضحت هيرميس في بيان لها أن الشركة التابعة هي (المجموعة المالية للاستثمار المباشر)، وحرصت "هيرمس" على تأكيد أن نسبة إيرادات هذه الشركة إلى إيرادات المجموعة لا تمثل أكثر من 7 %، وقالت إنها تدير صناديق للاستثمار قيمتها 919 مليون دولار لعملاء الغالبية الكبرى بالخليج، وأن جمال مبارك لا يملك أية أموال مستثمرة في أي من تلك الصناديق.
ومن الطريف أن عائلة السادات التي كانت محل مساءلات واسعة تتعلق بالفساد السياسي والاجتماعي خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات (1970 ـ 1981) الذي لقي مصرعه على أيدي ضباط من الجيش المصري خلال عرض عسكري أقيم عام 1981، بمناسبة الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر المجيدة، (حادث المنصة الشهير).. تقدم أحد أفرادها هو (أنور عصمت السادات) وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية تحت التأسيس ببلاغ إلى المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمستشار عبد المجيد محمود النائب العام للمطالبة بسرعة التحفظ على جمال مبارك المتواجد بمدينة شرم الشيخ ومنعه من السفر، لاتهامه بإفساد الحياة السياسية والاقتصادية، والتسبب المباشر في قتل مئات الشباب المتظاهرين ضمن أحداث ثورة 25 يناير.
وأضاف السادات في بلاغه أنه يقوم حاليا بإعداد المستندات والوثائق الصريحة التي تؤكد مشاركة جمال مبارك مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي في وضع خطة لإجهاض وقتل المتظاهرين، فضلاً عن وثائق أخرى متعلقة بصناديق الاستثمار المالية خارج مصر التي كان يشارك فيها العادلي مع مبارك الابن والكثير من أصدقائه المعروفة أسماؤهم، بهدف الاستيلاء على أموال الشعب، وأشار إلى أنه سيقدم عقودا ومستندات موثقة في هذا الشأن.
كما تقدم سيد البحيري المحامي بالنقض، ببلاغ للنائب العام ضد كل من الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق والدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي وطارق كامل وزير الاتصالات اتهمهم بإهدار أموال الشعب، موضحا في بلاغه الذي يحمل رقم 182 أنه خلال عام 2011 سهل الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي لكل من أحمد نظيف وطارق كامل وآخرين من مؤسسي جامعة النيل الخاصة المسدد أموالها من الشعب عن طريق وزارة الاتصالات عملية تحويل الجامعة من خاصة إلى جامعة أهلية.
واتهم البلاغ نظيف وطارق كامل باستغلال سلطة وظيفتهما في الحكومة للموافقة على تحويل أموال الشعب إلى مؤسسي جامعة النيل مما يعد إهدارا للمال العام وسلبا لحقوق المواطنين، وطالب المحامي بالتحقيق معهم حول تلك الوقائع لاسترداد الأموال التي أهدرت من الشعب.
لجنة الشفافية
وأكد الدكتور محمود أبو النجا الخبير الاقتصادي أنه خلال الأيام القليلة القادمة سيصل أعضاء من لجنة الشفافية الدولية إلى مصر للتواصل مع القوى الوطنية المصرية من أجل التحقيق فيما يتعلق بكيفية استرداد أموال مصر المنهوبة، والتي خرجت عبر طرق التربّح غير المشروعة ومحاولة إرجاعها، موضحا أن التقديرات المبدئية تؤكد هروب مئات الملايين خارج مصر، الأمر الذي يتطلب تكثيف الجهود مع الجهات الدولية والحكومية الأوروبية من أجل تجميد تلك الأموال، سواء كانت تعود لأسرة الرئيس السابق أو من حوله من شخصيات فاسدة.
وتابع قائلاً: "إنه علي الصعيد الداخلي تتنوع تلك الأموال ما بين استيلاء على أراضي وعمولات مشبوهة وهي مسؤولية القضاء والجهات النيابية في التحقيق فيها ومحاولة استردادها.
أما الدكتور شريف قاسم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات فيقول إن التسريبات الدولية تؤكد أن الأموال المهربة من مصر تزيد على 57 مليار دولار خلال الفترة من عام 2000 إلي 2008 فقط، أي معدل 7 مليارات سنوياً خلال تلك السنوات الثمانية وهي أموال جاءت نتيجة سوء التوزيع والاحتكار واستخدام الطاقة المدعومة في إنتاج صناعي يتم تحديد أسعار منتجاته وفقا لمصالح المحتكرين.
وأضاف أن فتح هذا الملف له مكاسب أمنية وهي منع أي محاولات لإعادة التربح غير المشروع ومكاسب أخرى متوسطة الأجل وهي محاولة استعادة تلك الأموال حيث إن المطالبة باستعادتها تأخذ طريقاً طويلا بعض الشيء يبدأ بمطالبة الإنتربول الدولي والمؤسسات العالمية الخاصة بمكافحة الأموال المهربة، وكذلك مطالبة البنوك الدولية بمتابعة هذه الأموال وتجميدها لحين اتخاذ الإجراءات القانونية المتعارف عليها وهي أولاً: إثبات أن تلك الأموال جاءت نتيجة أعمال غير مشروعة ثم محاسبة أصحابها قضائياً سواء كان دوليا أو محلياً وبعد ذلك استردادها بناء على تلك الأحكام.
أشار قاسم إلى أن الحديث عن هروب الاستثمارات المحلية من مصر نتيجة الأحداث الأخيرة هو حديث عار من الصحة تماما، حيث إن مصر لم تكن من الأصل دولة جاذبة لذلك الاستثمار الذي أولى آلياته الاستقرار القائم على إلغاء الاحتكار وتغيير القوانين وفرض العمولات والشروط المتغيرة للموافقة على تسعير الطاقة وتسهيل الخدمات في المحليات وهو يعد مناخ غير صحي للاستثمار.
وتابع قائلاً: إن مصر سوف تكون خلال فترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات قادمة في مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا بعد تأكيد مطالب الثورة التي تقوم علي الحوكمة والشفافية والقيم التي كان النظام السابق يتشدق بها ولا توجد على أرض الواقع.
واختتم قائلاً: "إن مصر ستكون جاذبة للاستثمار الأجنبي والمحلي وخاصة مع اكتشاف عنصر الشباب الذي سوف يغذي سوق العمل المصري بمهاراته وسلوكياته المتحضرة.