تتغاضى عن حلفائها القدامى والإحتجاجات القائمة ضدهم
واشنطن تتمنى سقوط "حجر" إيران في "دومينو" الثورات
عبد الاله مجيد
تظاهرات المعارضة في إيران أمس
لا تخفي الولايات المتحدة الأميركية أمنيتها بأن يكون سقوط النظام الإيراني هو التالي في سلسلة الثورات التي تجتاح العالم العربي ودول الشرق الأوسط وصولاً الى إيران. ويلفت المراقبون إلى أن واشنطن لا تبدي الإهتمام نفسه لما يجري في بلدان أخرى تشهد تحديات متصاعدة لحلفاء قدماء مثل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والحكم الذي يستند الى دعم الجيش في الجزائر والنظام في البحرين.
لا تزال التداعيات التي أطلقها سقوط الرئيس حسني مبارك تتواصل ليس في مصر وحدها بل في عموم الشرق الأوسط وصولاً الى إيران. وأفادت تقارير أن عشرات الآلاف تظاهروا في شوارع طهران امس مطالبين بالديمقراطية.
وهذا على وجه التحديد ما ركزت عليه واشنطن حيث تمنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للمعارضة والمتظاهرين "الشجعان في شوارع المدن الإيرانية الفرص نفسها التي شاهدوا نظراءهم المصريين يغتنمونها".
ولاحظ مراقبون أن الإدارة الأميركية شددت على قضية الديمقراطية في إيران منذ ودعت حليف الولايات المتحدة مبارك يوم الجمعة الماضي، دون أن تبدي القدر نفسه من الإهتمام بما يجري في بلدان أخرى تشهد تحديات متصاعدة لحلفاء قدماء مثل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والحكم الذي يستند الى دعم الجيش في الجزائر والنظام الملكي في البحرين، بحسب هؤلاء المراقبين.
في هذا الإطار أشار طوني كارون في الطبعة الإلكترونية لمجلة تايم إلى ان إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تأمل في أن تكون إيران قطعة الدومينو التالية المرشحة للسقوط تحت ضربات الحركة الديمقراطية، في حين يفضل النظام الإيراني ان يكون هذا مآل البحرين التي تستضيف الأسطوال الخامس الأميركي. وكان آلاف المحتجين البحرينيين إشتبكوا مع قوات الشرطة في مناطق متفرقة من البحرين يوم الإثنين وتعهد ناشطو المعارضة العودة إلى الشارع في "يوم غضب" آخر.
وفي حين ان مطلب الإصلاح يواجه حكومات المنطقة عموما فإن أحداث مصر وإيران تنطوي أيضا على مؤشرات إلى أن قضايا الخبز والهموم اليومية للمواطن يمكن أن تقوم بدور حاسم في تقرير المصير السياسي للبلدين. واستوحت حركة المعارضة الخضراء في إيران الإنتفاضات الديمقراطية في البلدان المجاورة لتؤكد وجودها مجدداً في الحياة العامة بعد عام نجح خلاله نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد في إبعاد خصومه عن الشارع بأساليب القمع والبطش.
وأعلن ناشطون في المعارضة الإيرانية على فايسبوك أن الهدف من إحتجاجات يوم الإثنين كان الإعلان بأن الحركة الخضراء ما زالت حية وللتعبير عن تحالفهم مع شعبي مصر وتونس في رفض الدكتاتورية. وإلى جانب التعبير عن تضامن صادق ضد أنظمة سلطوية فإن هذه اللغة كانت شكلا من أشكال الدفاع السياسي عن النفس أيضا لأن النظام الإيراني نفسه حيّا الإنتفاضتين التونسية والمصرية اللتين أطاحتا حلفاء للولايات المتحدة.
كما اعتمدت المعارضة الايرانية في مدونتها على فايسبوك إجراءات محددة لمواجهة تكتيكات استخدمتها قوات الشرطة سابقا ضد المحتجين. وبدلا من دعوة الانصار الى التجمع في ميدان أو شارع واحد يمكن ان تسيطر عليه السلطات لمنع التحشد فإن بيان المعارضة يوصي بتجمعات عفوية في أنحاء متفرقة من المدينة تبدأ صغيرة وتتحرك في الشوارع الجانبية الى ان تجمع حشداً كافياً للسيطرة على شوارع أو ساحات عامة.
وإستوحت المعارضة الإيرانية ايضا اساليب احتجاجية من الناشطين التونسيين مثل استخدام القمصان الرياضية ذات القلنسوة وعصير الليمون في مواجهة الغاز المسيل للدموع والخوذ وأغطية الأواني المنزلية ضد الحجارة والطلقات المطاطية والدهان لتعتيم زجاج سيارات الشرطة والواقيات الشفافة التي يرتديها أفرادها.
لكن حركة المعارضة الايرانية تبقى حبيسة حدودها الاستراتيجية التي رسمتها لنفسها. فإن تظاهراتها الجماهيرية المسالمة كانت ذات تأثير محدود على نظام مستعد لاستخدام القوة في إخمادها وتجاهل انتقادات المجتمع الدولي.
كما تواجه المعارضة مشكلة في تحديد أهدافها نظرا الى أن زعماء معارضين مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي ينتمون إلى النخبة السياسية للجمهورية الإسلامية ويريدون إصلاح النظام لا تغييره. وهو هدف قد يكون شعبيا لكنه ليس هدفا يخاطر كثير من المعارضة بحياتهم في سبيله ولا سيما ان غالبيتهم من أبناء الطبقات الوسطى الذين يتطلعون إلى إلغاء النظام. من جهة أخرى ستؤدي مطالبة المعارضة بإنهاء ولاية الفقيه وإقامة جمهورية ديمقراطية إلى انقسامها وتقديم خدمة للرئيس احمدي نجاد.
ويرى المعلق طوني كارون في مجلة تايم ان ما يمكن ان يغير ديناميكة الوضع في ايران هو التحرك المطلبي للطبقة العاملة وإحساسها بالظلم الإقتصادي، ولا سيما بعد رفع الدعم عن أسعار المحروقات تحت ضغط العقوبات الدولية. وإذا دفعت وطأة الأحوال المعيشية عمال إيران الى الشوارع لتحدي النظام فإن هذا يمكن أن يقلب موازين السياسة الإيرانية برمتها، كما حدث في مصر حيث أعطت موجة من الإضرابات العمالية الواسعة حركة الإحتجاج الزخم الذي كانت تحتاجه لإجبار مبارك على التنحي.
مشهد سياسي يتشكل من جديد
في هذه الأثناء تظاهر طلاب في اليمن يوم الاثنين مطالبين باستقالة الرئيس علي عبد الله صالح الذي تعهد قبل أسبوعين عدم الترشح لولاية أخرى في عام 2013. وتركزت تظاهرة يوم الإثنين على المطالبة بالافراج عن سبعة طلاب اعتقلتهم السلطات خلال احتجاج مماثل يوم الأحد.
وشارك في التظاهرة نحو 4000 شخص بينهم محامون وناشطون آخرون حثوا صالح على الإقتداء بمثال مبارك. وسار المتظاهرون إلى ميدان التحرير في صنعاء على أمل تكرار النجاح الذي تحقق في نظيره المصري. لكنهم وجدوا ان زهاء 1000 من أنصار صالح تجمعوا في الميدان هاتفين بحياته. وأُصيب عدد من الأشخاص في الاشتباكات التي إندلعت بين الجانبين. ويشير استعداد الشرطة الى استخدام القوة لتفريق المتظاهرين واستعداد مؤيدي صالح للمواجهة مع خصومهم، الى ان اليمن لن يكرر مثال مصر في وقت قريب.
لكن من وجهة نظر واشنطن وطهران والقاهرة فإن شتاء الغضب في الشرق الأوسط أعاد تشكيل المشهد السياسي للمنطقة بطرق ستدفع جميع الأطراف ذات العلاقة الى اعادة النظر في فرضياتها السابقة. وكما قال الرئيس أوباما يوم الجمعة فإن هناك لحظات نادرة في حياتنا يتوفر لنا فيها إمتياز ان نكون شهودا على صنع التاريخ. لكن صنع التاريخ يمكن ان يأتي بمفاجآت غير سارة لأصحاب السلطة.