فيصل جلول: النموذج التركي ينفع لحكم الإسلاميين في تونس
الغرب يتخوف من إنتقال الدول العربيّة من التبعية للشراكة
بوعلام غبشي
يتحدث الكاتب والباحث فيصل جلول عن "التعايش السياسي" الذي من المفروض على الإسلاميين في تونس القبول به، ولا ينفي في الوقت نفسه أن راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي "الأكثر إدراكاً وإلتقاطاً للمتغيرات والعمل في ضوئها". كما يدعو جلول الأحزاب بكل ألوانها أن تتكيف مع المرحلة وأن تتحدث للشباب بلغته.
باريس: يتحدث الكاتب والباحث فيصل جلول لـ"إيلاف" عن ما أسماه "بالتعايش السياسي" الذي من المفروض على الإسلاميين في تونس القبول به، ولا ينفي في الوقت نفسه أن راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي "الأكثر إدراكاً وإلتقاطاً للمتغيرات والعمل في ضوئها". كما يدعو جلول الأحزاب بكل ألوانها أن تتكيف مع المرحلة وأن تتحدث للشباب بلغته. وهنا نص الحوار.
- لماذا كل هذا التخوف الغربي برأيك من وصول الإسلاميين إلى الحكم في البلدان العربية؟
• هناك أسباب عديدة، أهمها أن الإسلاميين يحملون أجندة مناهضة للغرب كثقافة وسياسة وحضارة وعلاقات دولية، ثم بوصفه حامياً لإسرائيل. وإذا ما أخدنا بعين الإعتبار كذلك أن الإسلام السياسي في بعض وجوهه إنتقل من النظري إلى التطبيقي وبالتالي شاهدنا ظواهر مثل بن لادن وغيره. نلاحظ أن هذا الأمر يخيف الغربيين. يجب أن أضيف نقطة تاريخية هي أن الغرب لا يزال يخاف في أدبياته وموروثه الثقافي من ظاهرة الحشاشين، وهذه الظاهرة لا تزال تصنع الخيال الغربي حتى الآن، حتى كلمة "أسسان"، أي القتلة، أصلها من الحشاشين. ففي الحروب الصليبية وما بعدها كان الحشاشون يثيرون الرعب لدى الغربيين، وهذا الأمر يضاف لسابقه ما يصنع اليوم هذه التخوفات لدى الغرب من الإسلاميين.
- هل يعني ذلك أن وصول الإسلاميين للحكم في أي دولة عربية تجسيد ضمني لنظرية اصطدام الحضارات وليس التعايش فيما بينها؟
• نعم، لكن هذا موقف الغرب، نحن هنا نقوم بتوصيف للحالة.
- لكن برأيك إلى أي حد يصح هذا التخوف من الإسلاميين؟
• أعتقد أنه لا يصح لأن الغرب له الأدوات اللازمة للدفاع عن نفسه، وهذا التخوف مبالغ فيه، وربما أن التخوف الحقيقي، كأي طرف مسيطر، هو انتقال البلدان العربية من موقع التبعية إلى موقع الشراكة، والغرب لا يرغب في ذلك، فهو يرغب في التبعية.
- لكن ليس الغرب لوحده يرفض وصول الإسلاميين إلى الحكم، فعلمانيون مسلمون يرفضون ذلك، بدعوى أن هؤلاء يشكلون تهديدا حقيقيا على أي ديمقراطية ممكنه في العالم العربي...
• هذا ينطوي على بعض التعميم، لأنه إذا أخدنا التجربة التركية نلاحظ أن الإسلام السياسي لا يعني رفض العلمانية وما شابه ذلك، وإذا أخدنا مثلا حزب العدالة التركي رخص في الفترة الأخيرة لفتح علب ليلية خاصة بالمثليين جنسياً. فهو يتعايش مع بعض الظواهر الموجودة في عصرنا الحديث دون أن يتخلى عن إسلامه. صحيح أن العلمانيين يخشون في بلداننا العنف والأسلمة بالقوة.
- أي ما يمكن أن نسميه بالوصاية الدينية على المجتمع وهو ما يرفضه الكثيرون؟
• نعم، هذا ما يمكن نسميه، وإن كان بالنسبة للإسلاميين رأي آخر إذ يعتبرونه جزء من ثقافتهم، وفي المقابل نحن أمام نوعين من التطرف، التطرف الإستئصالي العلماني، الذي يرفض الآخر مطلقاً ويرفض الإسلام رفضاً نهائياً، والتطرف الأصولي الذي يريد أن يكون جميع الناس في قالب واحد، في نسخة واحدة، وبقراءة وحيدة للعقيدة، وهذا التطرف بنوعيه غير مفيد للعالم العربي.
- هناك من يقدم النموذج التركي على أنه السبيل الأمثل لإندماج الإسلاميين في السلطة وبكل سلاسة في بلداننا العربية؟
• لم يعد هناك خيار أمام الإسلاميين إلا إعتماد نموذج التعايش مع الجزء الآخر من المجتمعات العربية الذي لم ينشأ وفق تربية إسلامية متشددة. وما حصل في الجزائر بيّن أنه من المستحيل أن ينتصر نموذج قراءة إسلامية متشددة في هذه المجتمعات، وحتى إن حصل ذلك، فهذا يؤدي إلى حرب أهلية. وهذا النوع من الحروب لا يخرج لا الإسلامي ولا العلماني منتصراً. وتبين من خلال تجربة حزب الله في لبنان أن التعايش السياسي ممكن بين حساسيات سياسية مختلفة. فحزب الله مثلا متحالف مع ميشال عون ومع الشيوعيين واليساريين، وهذا الإسلام السياسي في لبنان يبين كما في تركيا أنه بإمكان التعايش مع فئات المجتمع الأخرى التي تؤمن بعقيدة الإسلام السياسي المتشدد.
- هل يمكن أن يكون للإسلاميين في تونس، بعد ثورة الياسمين، مستقبلاً سياسياً مزدهراً، علماً أن المجمتع التونسي عرف بحداثته؟
• أعتقد أن راشد الغنوشي إستفاد كثيراً من حياة الغربة في بريطانيا، ومن القراءات التي أجراها على الفكر العلماني وفلسفة الأنوار وغيره، وهو يدرك التعديلات التي طرأت على المجتمع التونسي منذ بورقيبة وحتى بن علي، وبالتالي لا يمكن أن يمحو هذه التعديلات، وبدعوته إلى الاقتداء بالنموذج التركي، ربما أخد بعين الإعتبار هذه التعديلات، وهو كما يبدو لي من خلال هذه الدعوة أنه يحبذ فكرة التعايش مع الحساسيات الأخرى، ليس من موقع المهيمن وإنما من موقع الشريك، وإن تم ذلك قد يقال أن ذلك مناهض للشريعة الإسلامية كما قيل لأردوغان، لكن الرد سيكون جاهزاً على أن الإسلام ليس بنسخة واحدة، ويمكن أن يتكيف مع الظروف، وقد صنعنا بالإسلام في الأندلس حضارة جميلة وعريقة.
- يعني سيكون على حزب النهضة كأول قوة سياسية إسلامية في تونس، أن يقوم بمقاربة مرنة للقضايا المجتمعية التي قطع فيها البلد أشواطا مهمة، إن أراد فعلا أن تكون له كلمة في المشهد السياسي التونسي مستقبلا؟
• هذا هو المنطقي، لأنه سيكون خاضعاً لمعادلة جديدة، وهي أن الوصول إلى السلطة يمر عبر صناديق الإقتراع وإقناع الناخبين بالوسائل الديمقراطية، بمقارعة الفكرة بالفكرة بدون جبر أو إكراه، ولا أعلم كيف للنهضة أو غيرها أصلاً أن تفرض على التونسيين شيئا آخر غير ما يقتنعون به وغير الحالة الإجتماعية التي وصلوا إليها.
- هل برأيك من المفروض الترخيص لحزب النهضة أو غيره من التنظيمات الإسلامية للمشاركة في الحياة السياسية التونسية؟
• شرط الديمقراطية هو أن لا تفرض النهضة أفكارها على الآخرين، ولا يفرض الآخرون أفكارهم على النهضة، ولو لم يقبل الغنوشي بذلك لما عاد إلى تونس. وأعتقد أن هذا الأخير تكونت لديه خبرة التي يمكن أن تمكنه من قيادة تجربة تعايش سياسي ناجحة في تونس، يبقى له أن يقنع الشعب التونسي على أن الأفضل له أن يكون على الطريقة التركية محكوما بحزب النهضة التونسي، وهذا من حقه لأن اللعبة السياسية الجديدة صارت مختلفة عن سابقتها.
- هناك محللون غربيون يطرحون اليوم السيناريو الجزائري عندما فازت جبهة الإنقاذ في الإنتخابات، حالة فوز الإسلاميين في تونس. ما تعليقك على ذلك؟
• أعتقد أن الغنوشي وقيادة النهضة في تونس وغيرهم من الإسلاميين استخلصوا الدروس من التجربة الجزائرية. وبحسب إطلاعي على أدبيات الإسلاميين التونسيين، لا أعتقد أنهم سيكررون التجربة الجزائرية. دعني أشير إلى مسألة مهمة، فبعد يومين من إعلان نتائج الإنتخابات الجزائرية التي أعطت فوز جبهة الإنقاذ، كنت قد التقيت المستشرق الراحل جاك بيرك، وسألته كيف يرى وصول الإسلاميين إلى السلطة في الجزائر، قال لي يجب أن يصلوا إلى السلطة، ويجب أن يدركوا بعدها أنهم سيكونون غير قادرين على دفع أجور عمال البريد بعد ثلاثة أشهر، لأن الغرب سيرفض ممارسة التجارة والتعامل معهم إذا إنطلقوا من النظرة العدائية للغرب، وإذا ما حاولوا أسلمة المجتمع بالطريقة التي يريدون. والأمر غير مقتصر على جاك بير والمحللين الغربيين فقط، حتى المثقفين من التيار الإسلامي ذاته يعرفون هذه الحقيقة، ويعرفون أن الخطاب الإسلامي السياسي الذي عرف في الجزائر ليس له حظ كبير في النجاح، وبالتالي يجب اعتماد خطاب آخر، وهذا ما اعتمده الإخوان المسلمون في مصر على ما اعتقد، وربما أن الغنوشي قد يكون من الإسلاميين الأكثر إدراكا والتقاطاً للمتغيرات والعمل في ضوئها.
- هل الجيش التونسي قادر على البقاء في موقع الحياد الإيجابي في حالة نجاح حزب النهضة في الإنتخابات التونسية مستقبلاً، على خلاف ما حدث في الجزائر؟
• الجيش التونسي ليس معروف عنه أنه عاشق سلطة ومتدخل في السلطة التونسية كما هو حال الجيش الجزائري الذي ورث ثورة إنتصرت على الإستعمار وبنيت الدولة الجزائرية على الجيش أصلا. لذلك فالجيش التونسي أقرب إلى الحياد من نظيره الجزائري. وعلى العموم الجيش الجزائري قبل الإسلاميين، فحركة حماس توجد ضمن الإئتلاف الحكومي في الجزائر. وعندما يتكيف الإسلام السياسي مع بعض المعطيات القاهرة في المجتمعات العربية يمكن أن يكونوا شركاء في العملية السياسية.
- ما الذي تقرأه في تصريح راشد الغنوشي عندما أعلن أنه لن يترشح للرئاسة. هل فيه رسالة لجهات معينة؟
• بطبيعة الحال. كما أعلن الإخوان المسلمون في مصر أنهم لن يزاحموا على الإنتخابات الرئاسية، وأنهم سيكتفون بعشرين أو ثلاثين من المقاعد في البرلمان. والرسالة هي مؤكدة لمن يحكمون هذا العالم، لماذا لا يريد الغنوشي ترشيح نفسه، فكل من يعمل في السياسية يجب ترشيح نفسه وإلا لماذا يعمل في السياسة. فالغنوشي كان ملزما ربما بتقديم تعهدات غير مكتوبة أو بقراءة للواقع تفيد أن الإسلام السياسي له دور كشريك وليس كمهيمن.
- غياب الشعارات الدينية في الثورة التونسية وحتى المصرية ورفع شعارات ذات أبعاد كونية من حرية وديمقراطية وغيرها. هل يعني هذا أن الشباب العربي المسلم تجاوز اليوم مطالب الإسلاميين الدينية نحومطالب إنسانية تتغذى من القيم والمبادئ الكونية؟
• من المدهش أن هذه اللعبة أو الثورة أو الانتفاضة، شارك فيها العلماني والإسلامي والاشتراكي والقومي حتى المتطرفين كانوا شركاء فيها، لكن كل هؤلاء تجنبوا رفع شعارات معادية للغرب، في مصر لم ترفع حتى شعارات معادية لإسرائيل، ولم يتم مهاجمة السفارة الإسرئيلية، وساركوزي انتبه إلى ذلك أمام المؤسسة اليهودية "كريف"، واعترف بذلك داعياً لتأييدها.
- تريد أن تقول إن الشعارات التي رفعت كانت مدروسة؟
• في كل الحالات، القنوات الفضائية التي نقلت هذه الإنتفاضات لم تركز على هذا النوع من الشعارات المعادية للغرب إن وجدت، وكانت حريصة على أن تمر الانتفاضة نحو الهدف الأساسي لها وهو إقالة الحاكم. هناك من التواطؤ الإيجابي أو الموضوعي أو الضمني بين الغربيين وبين المنتفضين، تواطؤ ربما قد يكون موضوعياً ويمكن أن نسميه إيجابيا، بعدم إثارة هذا الأمر لهدف واحد هو الخلاص من هذا الحاكم أو ذاك. فهل هذا دليل على أن القوى السياسية في العالم العربي ليست مناهضة للغرب؟ ليست مناهضة لإسرائيل؟ هذا ليس دليلاً. ربما كان نوع من التكتيك للنجاح في الوصول إلى الهدف الأصلي في إقالة الحاكم سواء في حالة تونس أو مصر. ويجب أن لا ننسى أن الغرب ما بعد بوش لم يعد قادرا على تحمل أنظمة مطلقة كالنظامين السابقين التونسي والمصري. وكلمة تواطؤ قد تكون ظالمة، يمكن أن يكون هناك نوع من التوافق غير الموقع عليه وغير المعلن.
- الملاحظ أنك أجملت هذه الانتفاضات بما أسميته "بتوافق المنتفضين مع الغرب" في إسقاط رؤوس أنظمة فقط. لكن الثورتين بيّنتا أن من حركهما في الأصل شباب يتطلع إلى الحرية والديمقراطية. أليس كذلك؟
• طبعا، هذا حسب البلد. أنا استمعت إلى تحليل إيمانويل طود وهو عالم ديمغرافي قال بوضوح أن في تونس ومصر حصل نوع من التعديل الإجتماعي الجذري والأساسي، وخف التزاوج بين أولاد العم، وحصلت المرأة على الكثير من حقوقها، وتكونت "فردية" لدى الأشخاص ساعدت على صناعة رأي عام شبابي، فرد زائد فرد، وليس عصبية زائد عصبية، وكلما كان هناك مجتمع الفرد، كان هناك رأي عام شبابي وفردي ضاغط ناجم عن الفرد وليس عن الجماعة. وأنا أوافقه الرأي. وفي مصر هذه الحالة موجودة، وفي تونس موجودة بشكل أكبر. والصوت الشبابي الذي تحدث عنه في هذين البلدين هو صوت مشروع ولديه قدرة على إيصال مطالبه، لكن يجب أن لا ننسى أن الصوت الشبابي ليس لديه تمثيل سياسي وغير منخرط في أحزاب. وسنرى كيف ستتطور هذه الأطر وفي أي اتجاه.
- الأحزاب التي تتحدث عنها كانت أحزاباً نظامية تداهن النظام، وهذه المرحلة يمكن لها أن تأتي بأحزاب حقيقية ذات إمتداد شعبي.
• من الظلم أن نصف الأحزاب التي كانت قائمة أنها كانت كلها متملقة للأنظمة، فجزء منها كان كذلك.
- أتحدث عن الأحزاب التي كانت تشارك في اللعبة السياسية.
• نعم، هذا صحيح، في تونس كانت الأحزاب في الداخل مجبرة على التملق، لكن كتيارات إيدلوجية، في مصر التيار الناصري والتيار القومي والتيار الإسلامي لم يكونوا مشاركين وكانوا مناهضين. والأحزاب التي كانت من قبل ربما قد تتجاوز إيديولوجيتها الماضوية وتبذل جهودا لمواكبة المستجدات، عليها أن تتكيف مع الجيل الشاب وتخاطبه بلغته. وهذه الإيديولوجيات الماضوية قد لا تكون كافية لتأطير الشباب، إذن سيكون عليها بدورها بذل جهود أكبر. وسيكون على هذا الجيل الشاب أن يبدع الإطارات السياسية التي تتيح له التعبير السياسي عن ذاته.