إنتقادات لغياب الإستقلال السياسي والخبرة النسائية ومحدوية التعديلات
حقوقيون: لجنة الدستور تحالف بين بقايا النظام السابق والإخوان
صبري حسنين من القاهرة
رغم أنها أوشكت على الإنتهاء من أعمالها المكلفة بها من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنّ لجنة تعديل الدستور المصري مازالت تتعرّض لانتقادات واسعة، سواء ما خصّ المستوى السياسي أو الحقوقي.
انتقادات جمة لتعديل الدستور في مصر
القاهرة: رغم أنها أوشكت على الإنتهاء من أعمالها المكلفة بها من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنّ لجنة تعديل الدستور المصري مازالت تتعرّض لانتقادات واسعة، سواء ما خصّ المستوى السياسي أو الحقوقي.
فقد انتقدت 91 منظمة حقوقية اللجنة، وتنصبّ الإنتقادات على أمور عدة، منها: الإكتفاء بتعديل خمس مواد وإلغاء مادة فقط، وليس وضع دستور جديد، لاسيما أن الثورة أسقطت النظام الحاكم وأسقطت الدستور القائم. إضافة إلى إنضمام خبراء ذوي توجهات أيديولوجية سياسية إليها، وغياب العنصر النسائي عنها، كما إن التشكيل لا يعكس التنوع السياسي في البلاد، إلى جانب وجود رموز قانونية من النظام السابق بها.
ووفقاً لقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن اللجنة تضم سبعة خبراء، على رأسهم المستشار طارق البشري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة السابق، والدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة، والمستشار حاتم بجاتو رئيس هيئة مفوضي المحكمة الدستورية ومساعد وزير العدل السابق، وحسنين عبد العال مساعد رئيس مجلس الشعب للشؤون القانونية، والمستشار محمد الشناوي رئيس محكمة سابق، وصبحي صالح نائب في مجلس الشعب سابقاً عن جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى حسين بدراوي مساعد وزير العدل لإدارة التشريع.
هذا وأعربت 31 منظمة حقوقية مصرية، على رأسها المركز العربي لإستقلال القضاء والمحاماة، عن قلقها من أن اللجنة تضم مسؤولين حكوميين سابقين، ومساعدي مسؤولين في النظام السابق، وخلّوها من أية خبرات نسائية في المجال الدستوري أو الحقوقي.
وقال البيان، الذي أصدرته المنظمات الحادية والثلاثين، وتلقت "إيلاف" نسخة منه، إن بعض أعضاء اللجنة شاركوا في إعداد التشريعات والتعديلات الدستورية التي وصفها البيان بـ"المشبوهة" التي شهدها العامين 2005 و2007. وأضاف أن تشكيل اللجنة "قد افتقر إلى وجود فقهاء القانون الدستوري المستقلين، الذين يجمع عليهم المجتمع، ولا ينتسبون إلى أي تيار سياسي كان أو غير سياسي، ومنهم على سبيل المثال: الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور إبراهيم درويش، والدكتور يسري العصار، والدكتور يحيي الجمل، والدكتور محمد بدران، والدكتور جابر نصار، والمستشارة تهاني الجبالي. ووصفت المنظمات تشكيل اللجنة بأنه "يشبه تحالف بين متنفذين في النظام السابق وممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين".
فيما إنتقد تحالف آخر، يضم 15 منظمة حقوقية لأقباط وعلمانيين، تشكيل اللجنة، التي يرون أنه يغلب عليها الطابع الإسلامي، وانصبت الإنتقادات على المستشار طارق البشري رئيس اللجنة، ويضم التحالف منظمات منها: "مركز القاهرة لحقوق الإنسان"، و"مصريون ضد التمييز الديني"، و"منتدى الشرق الأوسط للحريات"، و"منظمة أقباط المملكة المتحد"، "مركز الكلمة لحقوق الإنسان"، و"المركز المصري لحقوق الإنسان"، و"حركة أقباط من أجل مصر".
وأوضح التحالف في تقرير له حول أعمال اللجنة حصلت "إيلاف" على نسخة منه "جاء تعيين المستشار طارق البشري رئيسًا للجنة تعديل الدستور التي تشكلت بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة صادمًا الكثير من جماهير الثورة التي ثارت من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة". وأضاف التقرير "لم تكن الصدمة نتيجة للشك في كفاءة أو نزاهة المستشار طارق البشري، فتاريخ الرجل المهني وإسهاماته الفكرية تجعله محل تقدير الجميع".
وإنما جاء الاعتراض على خلفية أنه أحد أقطاب ما يعرف بـ"تيار الإسلام السياسي"، بل ويعتبر من خلال كتبه ومحاضراته من أهم المنظرين لأيديولوجية هذا التيار، التي تقوم على توظيف الدين سياسيًا، وهو ما يتناقض جذريًا مع مفهوم الدولة المدنية التي قامت الثورة من أجل إنشائها".
وتابع "كما إن التشكيل قد اقتصر على أشخاص ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، إضافة إلى حكوميين مساعدين في النظام السابق، وافتقر إلى وجود فقهاء القانون الدستوري المستقلين، الذين لا يتنسبون إلى أي تيار سياسي. وحذر من أن "هذا التشكيل يلقي بظلال من الشك على موضوعية وحياد كل ما تتوصل إليه من قرارات، مما قد يزيد التوتر في الشارع المصري، ويستعيد ألوانًا من الاحتقان رأيناها تختفي في وهج ثورة 25 يناير العظيمة.
وأعرب تحالف ثالث يضم 61 منظمة، غالبيتها منظمات نسائية، على رأسها المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة عن قلقه على ما وصفه بـ"مستقبل الدولة الديمقراطية في مصر"، وأشار التحالف في تقرير له حول أعمال اللجنة إلى "أن خلو لجنة تعديل الدستور من وجود أى مشاركة لخبيرات قانونيات، يعدّ إقصاء غير مقبول لنصف المجتمع، الأمر الذى يضع ظلالاً من الشك حول مستقبل التحول الديمقراطي في مصر بعد الثورة، ويثير تساؤلاً حول مستقبل المشاركة، حيث كانت الثورة تسعى إلى تحرير المجتمع كاملاً، وليس فئات محددة.
وأضاف "إن المصريات شاركن بقوة فى الثورة والشهادة، ولاتزال منهن مفقودات ومعتقلات، ولذلك من حقهن المشاركة فى بناء الدولة المصرية الحديثة على أسس المواطنة. من جهته، انتقد الدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة ما وصفه بـ"محدودية التعديلات الدستورية التي تقوم بها اللجنة".
وقال لـ"إيلاف" إن التعديلات التي سيتم إدخالها على الدستور هي التعديلات نفسها التي وافق عليها الرئيس مبارك قبل رحليه، وتشمل خمس مواد، تتعلق بفترات رئاسة الجمهورية وشروط الترشيح والإشراف القضائي على الإنتخابات، وإلغاء المادة التي تسمح للرئيس بإعلان حالة الطوارئ أو إحالة مدنيين للمحاكمة العسكرية.
مشيراً إلى أنها تعديلات محدودة القيمة، ولايمكن أن تؤدي إلى نظام ديمقراطي، لاسيما أن ثورة 25 يناير أسقطت الدستور وتجاوزته، مما يستدعي إعلان دستور جديد. وتابع "إن تعديل الدستور لم يكن يستدعي تعطيل العمل به، هذا إن كان الأمر قد تم في الأحوال العادية، ولكن بعد إنتصار الثورة، كان من الضروري إلغاء الدستور تماماً، ووضع دستور جديد يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة".
وأوضح نصار أن أكبر عيب في الدستور هو أنه يمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة، ويجعله يهيمن على كل السلطات الأخرى، فمن حقه حلّ البرلمان، وهو يترأس المجالس العليا "للقضاء" و"القوات المسلحة" "والشرطة" ويعيّن رؤساءها، ويعيّن ثلث أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء في مجلس الشعب.
كما إن الدستور لا يفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية، وينال من إستقلال القضاء. ويتصور نصار أن التعديلات الحالية غير كافية، ولا تلبّي تطلعات الشعب المصري، الذي قام بثورة أشاد بها زعماء العالم ودعوا إلى تدريسها في مدارسهم. ولذلك من حقه أن يحصل على دستور جديد يؤسس لدولة ديمقراطية.
وأشار إلى أن الدستور البرلماني هو الأقرب إلى روح الشعب المصري، بحيث يكون لدينا رئيس جمهورية له سلطات محدودة ورئيس حكومة منتخب، وبرلمان قوي يراقب أداءها، ويستطيع سحب الثقة منها، متى أخطأت أو قصّرت في إلتزاماتها أو واجباتها نحو الشعب.