باراك يطلب الدعم من الولايات المتحدة بعد تنسيق مع نتانياهو
20 مليار دولار لحماية اسرائيل من تداعيات الثورات في الدول العربية
محمد نعيم من القاهرة
ضاعفت موجة الثورات المناهضة للأنظمة العربية الهاجس الامني لدى تل ابيب، وأضحى الرهان على المساعدات الاميركية ورقة رابحة لوّح بها وزير الدفاع الاسرائيلي، إذ يعتزم على مطالبة واشنطن بـ 20 مليار دولار، لدعم مؤسسته العسكرية، الا انه يرى ضرورة التمهيد للطلب بخطوات بناء الثقة على مسار القضية الفلسطينية.
باتت الدوائر السياسية والامنية في تل ابيب على قناعة بوقوف الدولة العبرية على اعتاب تغيرات محورية في منطقة الشرق الاوسط، قادتها ثورات شعبية ضد الانظمة الحاكمة، خصوصًا تلك التي كانت حليفًا في الماضي، الامر الذي صعّد من نظرية الهاجس الامني، وانطلاقًا من هذا الهاجس اجرت الدوائر السياسية والعسكرية في تل ابيب مباحثات خلال الاونة الاخيرة، رأت فيها ضرورة تقديم ما وصفته بالتنازلات الاسرائيلية على المسار الفلسطيني، في محاولة لجذب انتباه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الى ايجابية القرار الاسرائيلي في المرحلة الراهنة، التي تسبق "الزلزال المرتقب في المنطقة"، بحسب تعبير رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنانياهو.
مجابهة التحولات
واحتل التوجه الاسرائيلي الجديد معظم جلسات التشاور التي جرت أخيرًا بين نتانياهو ووزير دفاعه ايهود باراك، وبحسب تقرير نشره موقع "NFC" العبري اتفق رئيس الحكومة الليكودية مع رئيس حزب "الاستقلال" الجديد، وزير الدفاع الاسرائيلي على حتمية مجابهة التحولات السياسية في المنطقة بزيادة ميزانية وزارة الدفاع، وحتى لا تندرج هذه الزيادة على حساب ميزانية الوزارات الاسرائيلية الاخرى، رأى باراك انه ينبغي مطالبة الولايات المتحدة بمساعدات عسكرية جديدة، معتقدًا أن الظروف الراهنة التي تمر بها بلاده وسط التحولات الاقليمية، تقتضي الحصول على تلك المساعدة.
وكانت الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الاسرائيلية في المرحلة المقبلة، ترجمة حية للحوار الذي اجراه وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، إذ اعرب فيه عن ثقته في ان التحولات السياسية التي تمر بها الجارة الجنوبية مصر، لا تشكل خطرًا آنيًّا على الدولة العبرية، سواء على الصعيد السياسي او العسكري، الا انه اعرب عن قلقه مما وصفه بآثار "الزلزال الكارثي" المرتقب في المنطقة، واضاف: "ان المساعدات العسكرية التي تعتزم اسرائيل مطالبة الولايات المتحدة بها، والتي تقدر بـ 20 مليار دولار، اضحت ضرورية للغاية، ولكن ذلك لن يتأتى الا إذا اقبلت حكومة نتانياهو على خطوات شجاعة، خاصة فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني الاسرائيلي".
ووفقًا لوصف الصحيفة الاميركية، يبحث وزير الدفاع الاسرائيلي على ايجاد آليات جديدة، يمكن من خلالها تمويل زيادة ميزانية وزير الدفاع، غير ان الرجل العسكري المخضرم والسياسي المحنك باراك، يدرك ان البيت الابيض لن يستجيب للطلب الاسرائيلي، الا إذا اقدمت حكومة تل ابيب على خطوات جديدة لبناء الثقة، بما يساهم في خلق اجواء من الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، الامر الذي سيساهم في هذا التوقيت بالغ الحساسية على توفير الأمن لاسرائيل.
بناء الثقة
على الرغم من هذا التوجه الا ان باراك حث رئيس وزرائه بحسب وول ستريت جورنال على عدم الخوف من التغييرات التي تشهدها المنطقة، ولكن في الوقت نفسه هناك حاجة إلى تقديم خطوات بهدف بناء الثقة مع الفلسطينيين، واضاف: "ان ما تمر به المنطقة زلزال تاريخي، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح". وخص باراك في حديثه ما جرى في مصر وتونس، والصراع الدائر في ليبيا، غير انه اعرب عن تقديراته باحتمالات تأثير الجماهير المصرية على صناعة القرار السياسي، سيما فيما يخص اتفاق السلام المبرم بين القاهرة وتل ابيب. وفيما يتعلق بالمساعدة الاميركية المطلوبة لاسرائيل، اكد باراك ان تلك المساعدة باتت ضرورة ولم تعد مجرد دعماً زائداً للمؤسسة العسكرية، ملمحاً الى ان المطلب الاسرائيلي الحالي سيصب في الصالح الاميركي، خاصة ان الـ 20 مليار دولار ستؤهل الجهاز الامني الاسرائيلي للتعاطي مع واقع العصر الجديد.
الشأن الايراني احتل جانباً ليس بالقليل من حديث ايهود باراك مع الصحيفة الاميركية، حيث اشار الى انه من المبكر تحديد ما اذا كانت الدولة الفارسية ستستغل الظروف السياسية التي تشهدها المنطقة حالياً، لتوسيع نطاق نفوذها وتأثيرها. وعاد باراك للحديث عن التحولات السياسية في مصر، منوها الى ان الشكوك لا تثاوره في التزام مصر باتفاق السلام والتعاون الامني مع اسرائيل "حتى الان"، كاشفاً النقاب عن انه اجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري رئيس المجلس العسكري الحاكم حالياً في مصر المشير حسين طنطاوي، لقياس حرارة السلام بين البلدين، وكان فحوى الاتصال ايجابياً، الا انه اضاف: "ابلغتني شخصية قيادية في مصر بأنه اذا لم تقدم اسرائيل على خطوة ايجابية على مسار الملف الفلسطيني الاسرائيلي، فلا ينبغي عليها توقع علاقات وطيدة مع القاهرة، فالانتخابات البرلمانية المصرية ستكون نزيهة، وستستعين الاحزاب المصرية بمستشارين من الولايات المتحدة واوروبا، وسيكشف هؤلاء المستشارين عن اصوات جديدة معادية لواشنطن وتل ابيب، اذا استمرت حالة الجمود طاغية على المشهد السياسي بين الفلسطينيين واسرائيل".
دولة فلسطينية
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة يديعوت احرونوت، تلوح في الافق بوادر المبادرة السياسية التي تعتزم اسرائيل طرحها في القريب العاجل، لجذب الانتباه الايجابي للحكومة الاميركية، والمبادرة على ما يبدو ستتضمن اقامة دولة فلسطينية في اطار حدود موقتة قبل اجراء المفاوضات على القضايا الجوهرية وهي الحدود واللاجئين والقدس والامن.
وتنقسم مساعدات واشنطن لاسرائيل الى عسكرية وسياسية واخرى اقتصادية، فالولايات المتحدة كانت اولى اهم الدول بعد الاتحاد السوفييتي السابق، التي اعترفت بالدولة العبرية، وحرصت على تعزيز اواصر العلاقة معها، وفي خمسينيات القرن الماضي دخلت العلاقة بين الدولتين منعطفًا غير مسبوق، ووصلت تلك العلاقة الى قمة ذروتها بداية السبعينيات، ليرتفع معها معدل المساعدات العسكرية والاقتصادية.
وبشكل اكثر تفصيلاً يعتبر عام 1970 البداية الفعلية لحصول اسرائيل على المعونات الاميركية، وخلال حرب تشرين الاول/اكتوبر "الغفران" العام 73، وصل لاسرائيل جسر المساعدات العسكرية الاميركية، واستمرارًا لهذا الدعم قامت واشنطن بدور الوساطة بين اسرائيل ومصر، وكانت الولايات المتحدة من اهم الدوائر التي نجحت في التأثير على الطرفين لتوقيع اتفاقية السلام العام 1978، كما تحملت الولايات المتحدة نفقة نقل قاعدة سلاح الجو الاسرائيلية من سيناء الى الداخل الاسرائيلي، بالاضافة الى زيادة المنحة الاقتصادية المخصصة لتل ابيب، وفي العام 1985 منحت الولايات المتحدة اسرائيل مساعدات ثابتة بقيمة 2.5 مليار دولار سنوياً. وفي اعقاب اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر العام 2001، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل تحولاً مثيرًا، إذ تبنت واشنطن سياسة مساندة على طول الخط للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، وباتت واشنطن درعًا فولاذيًّا لصد الهجمات السياسية التي قد تتعرض لها اسرائيل، خصوصًا تلك القادمة من الرباعية الدولية والمجتمع الدولي بشكل عام.