قضية يتيمة تنتظر التفاتة جادة في الجزائر
لجنة الدفاع عن معتقلي المراكز الأمنية تطالب بردّ الاعتبار لهم
كامل الشيرازي من الجزائر
شددت "اللجنة الجزائرية للدفاع عن معتقلي المراكز الأمنية" على مطلب الآلاف من الجزائريين بمطلب رد الاعتبار، ويتعلق الأمر بقرابة 18 ألف شخص جرى إحتجازهم في الجنوب الجزائري بين سنتي 1992 و1995 للاشتباه في تهديدهم أمن البلاد مع إنفجار شرارة العنف الدموي.
نور الدين بلموهوب متحدثاً لمراسل إيلاف
الجزائر: يؤكد نور الدين بلموهوب المتحدث باسم "اللجنة الجزائرية للدفاع عن معتقلي المراكز الأمنية"، تشبث الآلاف من الجزائريين بمطلب رد الاعتبار، ويتعلق الأمر بقرابة 18 ألف شخص جرى احتجازهم في محتشدات في الجنوب الجزائري بين سنتي 1992 و1995 للاشتباه في تهديدهم أمن البلاد غداة انفجار شرارة العنف الدموي.
وفي حديث خاص بـ"إيلاف"، يفنّد بلموهوب صحة المبرر الذي تذرعت به السلطات آنذاك، حيث يشدّد على أنّ 60 بالمئة من معتقلي الصحراء السابقين لم تكن لهم أي صلة بالسياسة، مبرزا استمرار معاناة هؤلاء للعام التاسع عشر على التوالي، وسط تسويف رسمي وتجاهل حزبي. وهنا الحوار:
- تضاربت الأنباء في السنوات الأخيرة بشأن حقيقة ومؤدى معتقلي المراكز الأمنية في الصحراء الجزائرية خلال تسعينات القرن الماضي، هل لكم أن تشرحوا لنا وضعكم الراهن بعد ستة عشر عاما عن غلق تلك المحتشدات؟
• قضية معتقلي الصحراء أعتبرها قضية يتيمة في الجزائر، لأنّ من قام بالإعتقال هم بنظر القانون اليوم أبرياء بموجب ما نصّ عليه ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، كما أنّ الدولة الجزائرية برئاسة عبد العزيز بوتفليقة لا تولي أي أهمية لهذا الملف، خلافا لقضايا أخرى ذات الصلة بالأزمة الأمنية كقضيتي المفقودين وضحايا الإرهاب اللتين جرى أخذهما في الاعتبار. وأؤكد لكم أنّه إلى الآن، لا يزال معتقلو الصحراء خارج أي تغطية، حيث لم تتناولهم لا الصحافة الجزائرية ولا الأحزاب ولا الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إنّه صمت رهيب في الحقيقة.
- وكيف تفسرون هذا الصمت على حد تعبيركم؟
• أعتقد أنّ ذلك راجع لتخوف الدولة الجزائرية من أن يكون الخوض في ملف معتقلي الصحراء سببا للكشف عن المسكوت عنه في قضية استخدام الصحراء الجزائرية كمسرح لثلاث عشرة تجربة نووية وكيميائية وبكتيرية نفذتها فرنسا هناك بعد سنوات من استقلال الجزائر.
- كم هو عدد معتقلي الصحراء إجمالا، أرقام كثيرة أعطيت وهي تتباين بشكل مثير للجدل؟
• أؤكد لكم أنّ عدد المعتقلين السابقين في الصحراء يتراوح بين 18 و24 ألف شخص، بينما السلطات بلسان مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان (هيئة حكومية)، تحصر عدد المعتقلين في 17 ألفا فحسب.
- لكن لماذا لا تعطون رقما محددا بالمعتقلين، هل لذلك علاقة باستمرار احتجاز البعض في فترة ما بعد سنة 1995؟
• بالفعل، هناك من جرى الاستمرار في احتجازهم بعد ذلك لمدة ست سنوات، ولم يغادر هؤلاء المحتشدات إلاّ في سنة 2001، والغريب أنّ الإفراج عن معتقلي الصحراء تمّ من دون توجيه أي تهم لهم ومن دون محاكمتهم كذلك.
- كيف هو الوضع الحالي للمعتقلين، هل جرى إدماجهم اجتماعيا؟
• ضائعون، هذه الكلمة التي أراها مناسبة لحالهم، إذ يعيشون ظروفا مرّة جراء احتجازهم لسنوات عديدة لأسباب لا يعلمونها، بالأمس أتاني بعض من هؤلاء يقطنون بمنطقة "سيق" الغربية، وقاموا بتسليمي 33 ملفاً، بينها ستة عشر ملفاً لمعتقلين سابقين رحلوا عن هذه الدنيا وباتت عائلاتهم في أوضاع مزرية للغاية، إلى درجة اضطرت أرملة أحد المتوفين وهو مهندس سابق إلى العمل داخل حمّام لسد رمق فلذات أكبادها.
- هل صحيح ما أثير آنذاك أنّ كل من جرى احتجازهم في المحتشدات، كانوا مناضلين في الحزب الإسلامي المحظور "جبهة الإنقاذ"؟
• هذه المزاعم غير صحيحة البتة، ويكفي أن أستدل بـ22 شخصا كانوا يشتغلون في معمل للخمر، وتحت مفعول السكر تلفظوا بأشياء لم تعجب عناصر نظامية، فأوتي بهم إلى المعتقل، فهل هؤلاء ناشطون في تشكيلة الإنقاذ؟ أشدّد على أنّ 60 بالمئة من معتقلي الصحراء السابقين لا علاقة لهم بالسياسة مطلقا، فما بالكم بجبهة الإنقاذ، وأشير إلى أنّ من جرى احتجازهم، كانوا من صفوة المجتمع، في صورة قدماء مجاهدي ثورة التحرير الجزائرية (1954 – 1962) مثل الفقيد الحاج الحضري، وكوكبة من النخب على غرار الجرّاح الجزائري الشهير أوزيالة المتواجد في باريس حاليا، وسليم قلالة دكتور العلوم السياسية، إلى جانب الإعلامي الراحل فحاصي وغيرهم، فضلا عن النجم الدولي الجزائري السابق صالح عصاد قاهر الألمان في مونديال إسبانيا (1982)، حيث مكث هناك 44 شهراً.
- ما مدى صحة الذي تردد عن وفاة الكثير من هؤلاء جرّاء أمراض لها صلة بآثار التجارب النووية التي نفذتها فرنسا في المنطقة التي جرى احتجازكم داخلها؟
• نعم ذاك صحيح، والأدلة موجودة، وأستظهر هنا شهادة طبية تثبت إصابتي بسرطان الجلد، واستنادا إلى المعطيات التي بحوزتنا، نحصي ما لا يقلّ عن ستين شخصا من المعتقلين السابقين الذين ماتوا على مدار الفترة القليلة المنقضية جرّاء أمراض لها صلة باحتجازهم في أماكن خطرة بإشعاعاتها السامة.
- بالنسبة إلى لجنة الدفاع عن معتقلي الصحراء هل هي معتمدة وتنشط بشكل قانوني؟
• لجنتنا ليست معتمدة، وقد عانينا الأمرّين في سبيل إنشائها سنة 2009، وحتى أكون صريحا معكم أقول: هل الأشخاص الذين قاموا باعتقالنا قبل تسعة عشر عاما كانوا مُعتمدين؟ أنا شخصيا جرى إيقافي في ولاية سطيف (300 كلم شرقي الجزائر) في العاشر من شباط- فبراير 1992، لا لشيء سوى لكوني كنت مُلتحيا، ولست أبالغ إذ أؤكد أنّه كان بوسعي وقتذاك الحيلولة دون اعتقالي لو أني استظهرت بطاقتي كناشط في رابطة حقوق الإنسان، لكني أحجمت عن ذلك لرغبتي الشديدة في معرفة سبب أخذ آلاف الجزائريين إلى محتشدات الصحراء، مصائرهم وما الذي سيحدث لهم هناك. وجرى اقتيادي إلى أحد المحتشدات في مدينة ورقلة الجنوبية قبل نقلي لاحقا إلى مُعتقل "عين امقل" بأقصى الصحراء وسط حرارة جهنمية، إلى حين إطلاق سراحي في أيار- مايو 1992، وتمّ فرض الإقامة الجبرية عليّ في مقر سكني وسط الجزائر العاصمة.
وأوضّح أنّ المحتشدات التي جرى الزج بآلاف الجزائريين داخلها، كانت بحدود العشرة وتوزعت على المناطق التالية: ورقلة - رقان – عين امقل – عين صالح – وادي الناموس – تاغيت – ترقابين – برج الحمر وغيرها، لكنها تناقصت مع الوقت وصارت ثلاثة فقط: رقان وعين امقل ووادي الناموس، بيد أني أركّز على أنّ وضع المعتقلين في تلك المحتشدات كان بشعا للغاية، خصوصا مع ما تعرضوا له أثناء احتجازهم وعملية نقلهم بشكل مستمر بين المحتشدات الثلاثة المذكورة. وعليه، أصيب الكثيرون بإشعاعات بما فيهم الجنود الذين كانوا يتولون حراستنا، تبعا لتواجد الجميع في قلب المناطق التي كانت عُرضة للتجارب الفرنسية في ستينات القرن الماضي، فمنطقة رقان كانت ولا تزال تحت رحمة السموم النووية، فيما طالت نظيراتها الكيمائية والبكتيرية منطقتي عين امقل ووادي الناموس، بحكم ما ترتّب عن فشل خمس تجارب فرنسية في الفترة ما بين 1962 و1966، وجميع ما أقوله موثّق لديّ، وهو مدعوم بدراسات ميدانية أفادت أنّ المكوث في رقان أو عين امقل أو وادي الناموس لفترة عشر دقائق فقط تكفي لإصابة الشخص الموجود بالإشعاعات السامة وما يترتب عليها من أمراض سرطانية.
- لم يتضمن قانون الوئام المدني (1999) شأنه في ذلك ميثاق السلم (2005)، تدابير خاصة بمعتقلي الصحراء رغم أنّهم يشكلون شريحة هامة من ضحايا المأساة الوطنية، هل سعيتم مع السلطات لتجاوز هذا النقص؟ وإلى أين وصلت مساعيكم على صعيد افتكاك تعويضات ومطلب رد الاعتبار؟
• ليس هناك أي شيئ، رغم مراسلتنا القاضي الأول في البلاد عشرات المرات، واتصالاتنا المكثفة مع نواب البرلمان بغرفتيه وكذا الكتل النيابية، وهنا أتساءل:هل نحن جزائريون بالفعل؟، خصوصا أننا ما زلنا محرومين من استصدار جوازات سفر. وقد وصلتني قبل فترة رسالة غريبة من وزارة العدل الجزائرية، تبلغني فيها أنّه يتعين عليّ جلب مجموعة من الوثائق لـ"اكتساب الجنسية الجزائرية"، كما لو أنني لست جزائريا وأتحداهم أن يثبتوا عكس ذلك، فهل بتّ أجنبيا في بلدي الذي ضحيت لأجله تماما مثل شقيقي الذي استشهد في التاسعة عشر من عمره، إضافة إلى والدي وهو أحد ضحايا المجازر الفرنسية في الثامن أيار -مايو 1945.
- ألا يشكّل تعهّد مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان (هيئة حكومية)، ببعث ملف معتقلي الصحراء واستفادتكم من تدابير تكميلية لخطة المصالحة، خطوة باتجاه إنهاء معاناتكم المزمنة؟
• بصراحة لست أعتقد بصدقية ذلك، وأرى أنّ قسنطيني يلعب على عامل الوقت، بدليل رفضه الاستجابة للكثير من طلباتنا لعقد لقاء معه، ولا يمكنه إنكار ذلك لأننا نمتلك إيصالات استلامه تلك الطلبات، في وقت لا يزال مكتفيا باستقبال معتقلين سابقين اختصروا القضية برمتها في حكاية تعويضات فحسب، مع أنّها أكبر من ذلك لا سيما وأنّ اعتقالنا لم يتم بشكل قانوني ودون إذن من القضاء أو استظهار لأي مذكرة إحضار. أتساءل كيف لقسنطيني أن يتحرك وهو يفتقد الملفات والحيثيات المتوفرة لديّ، وامتنع هو عن استقبالي لإطلاعه عليها.
- يعاني عديد الموظفين المفصولين في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي من تبعات عدم إدماجهم مجددا في وظائفهم السابقة، هل الأمر طال أيضا معتقلي الصحراء؟
• لم يستفد معتقلو الصحراء من أي إدماج، وغالبيتهم يعيشون ظروفا صعبة، ويكفي أنّ أحد المعتقلين كان مديرا سابقا لشركة محلية، وجرى إعادة إدماجه قبل فترة كعون إداري، بينما لم يستفد آخرون من الإدماج رغم كثرة المطالبات بذلك. لسنا نطالب بالاستفادة من امتيازات شخصية، نريد إلتفاتة تجاه أرامل ويتامى المعتقلين، مثلما ندعو إلى ردّ الاعتبار إلى جميع معتقلي الصحراء، لأننا ظُلمنا ولدينا الحجج الدامغة على هذا الظلم، فقد كان جديرا بمن احتجزونا أن يحيلوننا على القضاء، وهذا الأخير هو من يتولى النظر في أمرنا، بدل رمينا في الصحراء دون وازع قانوني أو أخلاقي.
- هل تعاطت الأحزاب والجمعيات بالإيجاب مع مشكلاتكم؟
• لم نحظ بأي تجاوب، رغم اتصالاتنا بكل الأحزاب الجزائرية، وحتى من ترشحوا للانتخابات الرئاسية الماضية اتصلنا بهم أيضا، ولا أحد من هؤلاء تكلّم وأخذ قضيتنا بعين الاعتبار.
- في ظلّ الاحتباس الحاصل، ما الذي تنوون فعله؟
• قمت بتحريك دعوى قضائية في العاشر من حزيران -يونيو الماضي على مستوى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف.
- (مقاطعاً) لكنّ هذا تدويل خطير لقضيتكم، هل استنفذتم كل السبل القانونية المتاحة في الداخل؟
• نعم استنفذنا، وإلاّ فكيف تفسرون بقاء الدعوى التي رفعتها بمجلس قضاء الجزائر سنة 2001 رهينة الأدراج، رغم إلحاحنا ومراسلاتنا للمسؤولين في الموضوع. أشير بالمناسبة إلى قرب صدور كتابي "التحدي" الذي أروي فيه فصولا عن معاناتي الشخصية وجوانب مما حصل لمعتقلي الصحراء.
- ما مدى تقاطعكم مع دعوات التغيير التي انتشرت بكثرة في الجزائر خلال الآونة الأخيرة؟
• نحن نستغل الفضاء الذي وفره لنا ما يسمى "التحالف الوطني من أجل التغيير" لإيصال صوتنا، ونواصل نضالنا ليس فقط دفاعا عن معتقلي الصحراء، بل أيضا للدفاع عن الجزائريين الذين يجري طردهم من مساكنهم، وكذا لحماية الأطفال من ظاهرتي الاختطاف والمتاجرة بالأعضاء، ناهيك عن تضامننا مع ضحايا الأخطاء الطبية.
- هل التغيير سيحدث في الجزائر؟ وما مدى جدوى "العفو الشامل" الذي يتم التلويح به؟
• لست أعتقد بذلك، وأرى أنّ هذا التغيير لن يكون، مثلما لم يكن قبل عشريتين، التغيير المأمول هو تغيير العمق والذهنيات السائدة