ضغوطهن أدت إلى ظهور أميركا في موقف متناقض من الثورات العربية
سيدات الإدارة الأميركية دفعن بقوة في اتجاه إقرار التدخل العسكري في ليبيا
أظهرت موجة الاحتجاجات الثورية التي تفشت في بلدان الشرق الأوسط تناقضًا حادًّا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، بدايةً من موقفها من الثورة التونسية وتحولها في ساعات من جانب إلى آخر خلال الثورة المصرية، ووصولاً إلى التردد الواضح في اتخاذ قرار التدخل العسكري في ليبيا. وكانت كلينتون شككت سابقًا مع الرئيس أوباما في ضرورة القيام بعمل عسكري ضد ليبيا، ولكن في الليلة نفسها التي صدر عنها هذا التشكيك، عززت قوات العقيد معمر القذافي هجومها على الثوار، فعادت كلينتون وغيّرت رأيها وتحالفت على الأرجح مع مجموعة من مساعدي الإدارة الأميركية البارزين الذين كانوا يناقشون مسألة التدخل العسكري في ليبيا من قبل، وفي غضون ساعات تمكنت كلينتون ومساعدوها من إقناع الرئيس الأميركي أوباما بضرورة تدخل الولايات المتحدة عسكريًّا في ليبيا.
وعقب اقتناع أوباما قام رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولين بعرض خطة التدخل في اليوم التالي مباشرةً عليه البيت الأبيض، ووقع أوباما يوم الخميس خلال اجتماع استغرق قرابة ساعة ونصف الساعة بالموافقة على السماح للطيارين الأميركيين بالانضمام إلى الطيارين الأوروبيين والعرب لتوجيه ضربات عسكرية ضد قوات الحكومة الليبية.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض: "إنه على الرغم من موافقة الرئيس أوباما، فإنه حذر من أن التدخل العسكري الأميركي في ليبيا يجب أن يكون محدودًا ومن ون قوات برية، ويجب أن يكون هذا التدخل يكون في غضون أيام وليس أسابيع".
هذا الانتقال في موقف الولايات المتحدة من الكلمات القوية ضد ليبيا إلى التدخل العسكري فيها، كان مدفوعًا بدرجة كبيرة من الأحداث الخارجة عن إرداة البيت الأبيض، فانهيار الانتفاضة إذا حدث قد يسمح للقذافي بالبقاء في السلطة وقتل الآلاف من أبناء الشعب الليبي، حسبما قال الرئيس أوباما يوم الجمعة الماضي.
ويأتي هذا التغيير بعد أن انضمت إلى السيدة كلينتون المساعدة البارزة في مجلس الأمن القومي سامانثا باور، وسفيرة أوباما لدى الأمم المتحدة سوزان رايس التي كانت تضغط من أجل القيام بعمل عسكري، وفقًا لتصريحات مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية قبلوا الحديث عن الموضوع مع صحيفة نيويورك تايمز شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
وكانت باور صحفية سابقة ومدافعة عن حقوق الإنسان، أما رايس فقد كانت مستشارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون لشؤون إفريقيا، ونظرًا لخبراتهما السابقة فإن هذا يجعل التدخل العسكري الأميركي حتميًّا لوقف الكارثة الإنسانية التى تلوح في الأفق في ليبيا، وكانت الولايات المتحدة قد مرت بتجربة مريرة عندما فشلت في التدخل لوقف المذابح والإبادات الجماعية التي كانت تحدث في رواندا، وأعرب الرئيس كلينتون عن أسفه وندمه الشديد على حدوث هذه المذابح.
ووصف السيناتور جون كيري أحد المدافعين الأوائل عن التدخل العسكري في ليبيا الجدل داخل الإدارة الأميركية حول هذا التدخل بـ"المفيد"، وأضاف: "إن ذاكرة المذابح في رواندا، إلى جانب حرب العراق في العام 1991 جعلا الأمر واضحًا في ضرورة تدخل الولايات المتحدة عسكريًّا، ولكنها تحتاج الدعم الدولي".
وفي الاجتماع الذي ضم نخبة من الساسة الأميركيين البارزين أمثال رايس وباور ووزير الدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي توماس دونيلون، ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب جون برينان، طالبت كلينتون بضرورة توخي الحذر، فليبيا لم تكن حيوية لاهتمامات الأمن القومي الأميركي، لكن السيد برينان حذر من أن المتمردين الليبيين غير معروفين للإدارة الأميركية ويمكن أن تكون لهم علاقات مع تنظيم القاعدة.
لكن تحول الإدارة الأميركية أصبح ممكنًا بعدما فازت الولايات المتحدة، ليس فقط بدعم من الدول العربية ولكن مع مشاركتها الفعالة أيضًا في العمليات العسكرية ضد دولة عربية أخرى.
ويقول خبير الأمن القومي في معهد التقدم الأميركي برايان كاتوليس، الذي يتمتع بصلات قوية مع الإدارة الأميركية، "هيلاري وسوزان رايس كانتا المحور الرئيسي لهذه القصة، لأن هيلاري تمكنت من إدخال العرب في العملية العسكرية، وعملت سوزان من أجل الحصول على 5 أصوات في الأمم المتحدة من عشرة أصوات، وهو ليس بالأمر الهين"، هذا بالفعل وضع الولايات المتحدة في موقف أقوى لأنها حصلت على الدعم الدولي الذي يجعل الأمر مشابهًا لما حدث في حرب الخليج العام 1991، وعكس ما حدث في حرب العراق العام 2003.
ومنذ بدء الاحتجاجات الثورية في المنطقة قبل ثلاثة أشهر تكافح إدارة أوباما لتحقيق التوازن بين مصالح الأمن القومي الأميركي ودعم مبادئ الديمقراطية، وهو الصراع الذي جعل الرئيس أوباما يخضع لانتقادات من جميع الأطياف السياسية، وباتخاذ نهج كل حالة على حدة، من احتضان المتظاهرين بسرعة في تونس، وتأييد قضية المتظاهرين بالكامل في مصر في الجزء الأخير من ثورتهم، ثم دعم الحكام في البحرين والسعودية واليمن، حيث بدت مواقف الإدارة الأميركية وسياستها في بعض الأحيان غير متناسقة ومتناقضة، وفي حين كانت الإدارة الأميركية تدعو للإطاحة بالعقيد القذافي، أشار مسؤولون أميركيون إلى أن أوباما كان أكثر اهتمامًا بتطور الأحداث في اليمن والبحرين ومصر عن الإطاحة بالزعيم الليبي.
وكانت هناك دراما عالية، وصلت إلى مفاجأة تصويت مجلس الأمن الخميس، عندما أكد مندوب جنوب إفريقيا ضرورة الحصول على 9 أصوات لتمرير قرار مجلس الأمن الذي يسمح بالتدخل العسكري في ليبيا، الأمر الذي يحد من التصويت النهائي على القرار.
وفي البداية رفضت جنوب إفريقيا ونيجيريا مع البرازيل والهند استخدام القوة ضد ليبيا، ولكن يعتقد مسؤولون في الإدارة الأميركية أنه تم احتواء موقف ممثلي الدول الإفريقية في المجلس، وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن الرئيس أوباما اتصل هاتفيًّا برئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما لدعم القرار، وصوَّت بعدها ممثل جنوب إفريقيا بنعم، وكذلك فعل ممثل نيجيريا، وهو ما أعطى الولايات المتحدة صوتًا واحدًا أكثر من المطلوب، وفي المقابل، انضمت البرازيل والهند إلى روسيا والصين وألمانيا في الامتناع عن التصويت.
وجاء هذا القرار المحوري لأوباما يوم الثلاثاء بعدما اتصلت كلينتون من باريس حاملةً أنباء عن أن الحكومات العربية قادرة على الاستعداد للمشاركة في عمل عسكري، وكان هذا أحد اهتمامات وزير الدفاع غيتس، حيث لم يرد أن تبدو الولايات المتحدة في الشارع العربي وكأنها تدخل في حرب ضد دولة مسلمة مرة أخرى.