[center] [b]ترام القاهرة)..العصر الترامي غير وجه العاصمة المصرية قبل 114 عاما[/b][b]
-
القاهرة (رويترز) - يرصد كتاب نادر صدرت طبعته الاولى قبل أكثر من أربعين عاما كيف أحدث ظهور الترام في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر "ثورة هائلة" في المجتمع المصري.
ويقول محمد سيد كيلاني في كتابه (ترام القاهرة.. دراسة تاريخية اجتماعية أدبية) ان يوم 12 أغسطس اب 1896 حين شقت قطارات الترام شوارع العاصمة المصرية يعد "حدا فاصلا في تاريخ المجتمع القاهري" الذي انتقل من البداوة الى الحضارة.
فيسجل أن ساكن حي العباسية شرقي القاهرة لم يكن يفكر في الذهاب الى حي مصر القديمة الا لامر مهم "وقلما يفعل ذلك" وكان التلميذ الذي لا يجد مدرسة في الحي الذي يقيم فيه "ينصرف في الغالب عن الدراسة" الى أن ظهر الترام فأمكن التلميذ الذي لا يجد مدرسة في حيه أن يلتحق بمدرسة في حي اخر.
ويضيف أن وجود الترام سهل انتقال أهالي القاهرة واختلاطهم "ومن ثم بدأ الرأي العام يتكون ويصبح خطرا على الجهات الحاكمة" كما كثر عدد المسارح والجمعيات الخيرية والمدارس والاندية الثقافية والرياضية والصحف والمجلات اضافة الى بروز دور الحركة العمالية واتساع دائرة الحركة الوطنية.
ويقول ان الترام أظهر حاجة الناس الى الراحة والبهجة "وأصبح اسم حديقة الازبكية مرادفا في الاذهان للنزهة والبهجة" وكذلك الحال فيما يخص الخروج الى النيل عند منطقة روض الفرج حتى ان شركة الترام اضطرت لجعل كل قطار مؤلفا من عربتين.
ويقع الكتاب في 144 صفحة متوسطة القطع تمثل حجم الكتاب في طبعته الاولى عام 1968 وأضيفت اليه مقدمتان للشاعرين أسامة عفيفي وطارق هاشم رئيس ومدير تحرير سلسلة (ذاكرة الوطن) المعنية بنشر كتب مختارة تعبر عن تاريخ مصر الثقافي والاجتماعي وتصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة التي طرحت هذا الاسبوع طبعته الثانية.
ولكن كيلاني مؤلف الكتاب لم يقارن بين ردود فعل الناس على تسيير قطارات الترام في القاهرة وانشاء شبكة السكك الحديدية التي ربطت بين كثير من المدن المصرية الحيوية منذ منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر.
وكان كيلاني محققا بارزا ومعنيا بالكتابة في الادب والتاريخ اذ حقق كتبا منها (المفردات في غريب القرآن) و(الملل والنحل) و(ديوان البوصيري) ومن مؤلفاته (أثر التشيع في الادب العربي) و(الادب القبطي.. تاريخه وأعلامه) و(طه حسين الشاعر الكاتب) و(حسين كامل.. فترة مظلمة في تاريخ مصر) عن السلطان حسين كامل الذي وضعه الاحتلال البريطاني على العرش بعد خلع الخديو عباس حلمي الثاني واعلان الحماية البريطانية على مصر يوم 18 ديسمبر كانون الاول 1914.
ويقول كيلاني في كتاب (ترام القاهرة) ان مجلس النظار (الوزراء) صادق عام 1894 على منح امتياز لشركة بلجيكية بانشاء ثمانية خطوط للترام في القاهرة تبدأ كلها من ميدان العتبة الخضراء بوسط القاهرة وفي العاشرة من صباح أول أغسطس اب 1896 أجرت الشركة "حفلة تجريبية" لتسيير أول قطار واصطف الالوف على الجانبين "ليشاهدوا أول مركبة سارت في العاصمة بقوة الكهرباء والاولاد يركضون وراءها مئات وهم يصرخون.. العفريت. العفريت" أما الاحتفال الرسمي بتسيير الترام فجرى يوم 12 أغسطس اذ أقامت الشركة زينة باهرة في ميدان العتبة وامتدت موائد الطعام والمرطبات.
وينقل عن صحيفة المقطم في اليوم التالي للافتتاح الرسمي تسجيلها لحضور أهل العاصمة " مشهدا قلما شهد مثله أهالي المشرق... أن تجري مركبات كبيرة تقل المئات من الناس.. بقوة تتولد على شواطئ (نهر) النيل من احتراق الفحم وادارة الحديد أمام المغناطيس ثم تجري على أسلاك منصوبة في الهواء والقضبان ممدودة في الارض فتدير عجلات المركبات... هذا هو الترامواي الكهربائي" الذي كانت أجرة ركوبه ستة مليمات للدرجة الاولى وأربعة مليمات للدرجة الثانية.
وقالت الصحيفة أيضا ان الشركة عينت 400 عامل مصري في المشروع الجديد كما نشرت الصحف اعلانات تغري بشراء قطع أراض "على مسافة أمتار من خط الترامواي" الذي رفع أسعار الاراضي والمنازل.
ويقول كيلاني إن مجتمع القاهرة قبل تسيير الترام كان يعتمد في الانتقال على استخدام الحمير والخيل وكان الناس يعانون كثيرا من المشقة بسبب الشوارع المملوءة بالحفر والاحجار وأكوام الفضلات اضافة الى " استبداد أصحاب الحمير والعربات وتحكمهم في الناس وما يوجهونه للجمهور من ألفاظ سافلة وعبارات نابية حتى أصبحت كلمة حمار (بتشديد الميم) أو حوذي (عربجي) تعني سوء الادب وانحطاط الاخلاق."
ويضيف أن الحمير كانت لها مواقف محددة منها موقف عند فندق شبرد القديم بالقرب من حديقة الازبكية "الغرض منه خدمة السياح الاجانب. أما عربات الركوب التي تجرها الخيل فكانت للاغنياء وقليل منها للتأجير لمتوسطي الحال" وكان الانتقال يتم نهارا لان العربات كانت خالية من المصابيح وكانت اضاءة الشوارع ضعيفة.
ويسجل أن سكان كل حي بالعاصمة كانوا في شبه عزلة عن الاحياء الاخرى وخصوصا البعيدة فلما شق الترام الشوارع "حدثت ثورة هائلة في جميع نواحي الحياة القاهرية" اذ طاب للشبان السهر في الملاهي والمراقص وانتشر التدخين بين تلاميذ المدارس وتفككت الروابط الاسرية وضعفت رقابة الاباء على الابناء الذين نشأوا "على غير مذهب ابائهم" وفي المقابل اتسعت حركة العمران ونشطت الحركة التجارية ونشأت المحلات التجارية الكبرى في ميدان العتبة الخضراء وما حولها.
ومن وجوه التغير الاجتماعي التي يسجلها الكتاب أن المرأة "استطاعت" ركوب الترام وحدها في غياب زوجها الى حيث تريد.
ولكنه يقول ان بعض الرجال من "السفالة.. يركبون القطار ذهابا وجيئة وليس لهم أرب سوى التهكم وابداء سفالتهم لكل امرأة يجدونها في القطار وحدها ولا رجل معها... ومما ساعد على انتشار موجة الفساد أن خطباء المساجد أخذوا منذ بدء العصر الترامي يحذرون الناس وينذرونهم باقتراب موعد القيامة فعكف كثيرون على الشهوات ليمتعوا أنفسهم قبل أن يدركهم الموت."
واستشهد على ما هذا الاستنتاج بصحيفتي (المنار) عام 1898 و(اللواء) عام 1904 اذ نشرت الاولى أن الالحاح على أن الترام من علامات الساعة سهل "ارتكاب الفواحش" ونشرت الثانية أن تركيز خطباء المساجد على الجنة والنار قطع الامل على النفوس "حتى ماتت... وخشيت الحرمان في دنياها مما قنطت به في اخرتها فاسترسلت في شهواتها خوف الغبن في الصفقتين."
ويقول المؤلف ان الشركة اتفقت مع الحكومة المصرية على لائحة خاصة بتنظيم تسيير الترام " وأهم بنودها أن كل من يحدث غوغاء أو سكران أو مصاب بعاهة تشمئز منها النفس يمنع من ركوب الترام" وعدم السماح بتسلق الاعمدة الكهربائية أو تعليق أغراض عليها أو السير أمام القطارات "أو المسير خلفها."
ويعلق قائلا ان الامام محمد عبده اقترح اضافة كلمتي "بين الشريطين" عقب عبارة "أو المسير خلفها" واستحسن اقتراحه.
ويقول كيلاني انه على الرغم من ظهور السيارات الخاصة فيما بعد فان الترام ظل "سيد الموقف كوسيلة للانتقال" شعبية ورخيصة منذ السادسة صباحا الى ما بعد منتصف الليل بساعة ونصف الساعة وبخاصة خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) حين "كادت السيارات تختفي من الشوارع" في العاصمة المصرية.
ويسجل أيضا أن ظهور الترام أحدث ثورة عمرانية وغير نظرة الناس للمنازل فبعد أن كانوا يألفون سكنى الازقة والحواري تاقوا للسكنى في شوارع واسعة وفضلوا الاقامة بالقرب من الميادين وترتب على هذا التطور شروع شركة بلجيكية عام 1905 في انشاء حي جديد "بواحات عين شمس أو هليوبوليس" ولكن الناس أطلقوا على هذا الحي اسم (مصر الجديدة) لان الاسم كان ثقيلا على الالسن[/b]
ة
[/center]