هل هي رد على أوضاع مستجدة؟ أم محفّزة بعوامل جيوسياسية؟
تساؤلات عن دوافع ساركوزي وراء تدخلات فرنسا في الخارج
عبد الاله مجيد من لندن
تدور تساؤلات حول دوافع تدخلات الجيش الفرنسي العسكرية، خصوصاً في الآونة الأخيرة، في ليبيا وساحل العاج. وما إذا كانت تلك الدوافع محصلة خطة مدروسة أو ردًا على أوضاع نشأت، وما إذا كانت مدفوعة بعوامل جيوسياسية أو اعتبارات سياسية داخلية.
اثارت مشاركة الجيش الفرنسي في ثلاثة حروب مختلفة للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة تساؤلات في الداخل والخارج عن دوافع الرئيس نيكولا ساركوزي وراء حملاته العسكرية في مناطق مختلفة من العالم.
وإزاء تمركز 4 آلاف جندي فرنسي في افغانستان حتى الآن، واطلاق اول صواريخ التدخل الغربي في ليبيا من طائرت حربية فرنسية وهدير الدبابات الفرنسية في شوارع ابيدجان مع اقتراب حرب ساحل العاج من ذروتها، يؤكد مراقبون ان هذه التدخلات كلها ترسي علاقة فرنسا مع بقية العالم على سكة جديدة سمّتها صعود القوة الفرنسية.
ما هو ليس بهذا القدر من الوضوح بواعث هذه الاندفاعة التدخلية وما إذا كانت محصلة خطة مدروسة أو ردًا على اوضاع نشأت، وما إذا كانت مدفوعة بعوامل جيوسياسية أو اعتبارات سياسية داخلية.
في هذا الشأن قال المحلل في مجلس العلاقات الخارجية الاوروبي دانيل كورسكي ان الوجود الفرنسي في افغانستان ينبغي ان يُدرس على حدة. ونقلت صحيفة الغارديان عن كورسكي ان فرنسا لم تشعر بحرب افغانستان منذ زمن طويل، وبالتحديد منذ مقتل 10 جنود فرنسيين في كمين نصبه مقاتلو طالبان في عام 2008.
وفي حين ان فرنسا تنظر الى دورها في افغانستان على انه التزام في اطار حلف شمالي الأطلسي، فان ساركوزي اخذ زمام المبادرة في ليبيا، وامر بتوجيه ضربات جوية احادية ضد قوات العقيد معمّر القذافي قبل التشاور مع حلفائه، وظل يرفض تولي الأطلسي قيادة العملية اطول فترة ممكنة.
واكد ساركوزي ان التدخل لحماية بنغازي مدفوع بالحرص على درء وقوع مجزرة، وحتى الآن صدقه جمهوره الفرنسي في ما يقول. وقال المحلل كورسكي ان ساركوزي كان وزيرًا في حكومة ادور بالادور، وشهد نتائج التقاعس عن التحرك في البوسنة ورواندا.
واضاف انه بعد تدخل فرنسا في ليبيا لم يعد من الممكن ألا تتدخل في ساحل العاج نظرا إلى وجود قاسم مشترك بينهما هو خطر تعرض المدنيين الى مجازر في بلد لفرنسا مصالح وتاريخ فيه. وشعر الاليزيه انه لا يمكن ان يقف مكتوف الأيدي.
لكن مراقبين لاحظوا ان مشهد الدبابات الفرنسية في شوارع عاصمة افريقية أحيا ذكريات التدخل الفرنسي في المستعمرات السابقة الذي طبع سياسة الرؤساء السابقين. وتبدو عودة النزعة التدخلية على طرفي نقيض مع تصريحات ساركوزي بتجاوز التركة الاستعمارية شافعًا اقواله بسحب القوات الفرنسية وغلق قواعد عسكرية في مستعمرات فرنسا السابقة في افريقيا.
وفي حين ان تدخل فرنسا في ساحل العاج اثار ردود افعال سلبية في مناطق من افريقيا مثل كاميرون، حيث خرجت تظاهرات ضد الدور الفرنسي، فان ساركوزي تعرض في فرنسا نفسها لاتهامات باستخدام الحرب لغايات داخلية.
وكتب الصحافي الفرنسي ذو الأصل المغربي ان حماسة نيكولا ساركوزي المفاجئة للتدخل العسكري تشير الى ان الرئيس يريد الجميع ان ينسوا اخفاقاته إبان الثورتين التونسية والمصرية، فيما ترتفع اصوات تقول انه يريد ان يستخدم القضايا الدولية لتعويض ما خسره في الداخل.
وقال النائب الاشتراكي جان لو غين ان هناك شيئا من جورج بوش في ساركوزي، مضيفا ان لدى الرئيس عادة استخدام القوة قبل السياسة من دون ان يراعي العواقب السياسية الآنية واللاحقة.
لكن المحلل ريتشارد غوان من مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك قال ان ساركوزي تحرك بحذر في ساحل العاج، ولم يندفع الى الانغمار في نزاع ثالث. واشار غوان الى ان ساركوزي في عام 2008 وقف في وجه وزير الخارجية وقتذاك برنار كوشنير الذي كان يريد ارسال قوات الى شرق الكونغو. ولكنه هذه المرة لم يتمكن من تجاهل اشباح الماضي.
واضاف انه مهما واجه ساركوزي من انتقادات على تدخله فإن عواقب عدم التحرك كانت ستكون أوخم بكثير. وقال المحلل غوان "ان تهمة الاستعمار شيء، وتهمة رواندا ثانية شيء آخر تماما".