المطلقة
قصة قصيرة
عادل سالم
أديب عربي مقيم في الولايات المتحدة
رئيس تحرير ديوان العرب
أعجبته من أول نظرة، فأحبها، وتوجه إلى أهلها ليخطبها وبعد أن وافقوا عقد قرانه عليها وحدد ليلة الزفاف.
فوجئ في تلك الليلة أنها لم تكن عذراء، فأصيب بحالة هستيرية. سألها: من فعل ذلك؟
فقالت: «لا أحد».
لم ينفع إنكارها فهددها إن لم تعترف بقتلها، خافت من تهديده ووعيده، واعترفت له أن خالها قد اغتصبها قبل عشر سنوات عندما كان عمرها (١٢) سنة، وأنه هددها إن اعترفت بالقتل.
طلبت منه أن يسامحها، ويكتم سرها، ويغفر لها، لأنها كانت طفلة تعرضت للاغتصاب، لكنه لم يشفق لحالها، ونظر لها نظرة العاهرة التي خدعته.
في اليوم التالي، ذهب إلى أهلها وحكى لإخوتها وأبيها القصة، فثاروا عليه لكنه بعد أن أسمعهم شريطا مسجلا بصوتها صمتوا ولم ينبسوا بكلمة.
أعادها إلى بيت والدها بعد أن طلقها، وأعادوا له كل ما دفعه من مهر وذهب وملابس. عادت حزينة إلى بيت والدها، والدموع تسيل على خدودها من كل جانب.
وبعد مشاورات اتفق الإخوة على قتل خالهم خفية، وفي اليوم التالي قتلوه ليلا وهو نائم في فراشه.
ثار أهل القتيل، وبعد أيام عرفوا بطريق الصدفة أن القتلة أولاد أختهم فأعلنوا حالة الاستنفار، وطالبوا بدم ابنهم. وفي أول اشتباك بينهم، سقط أكثر من عشرين جريحا نقلوا إلى المستشفى، وذهبت الأم إلى بيت أهلها.
شعرت البنت أن المسألة لن تقف عن هذا الحد وأنها السبب، فالتقت بأخيها الكبير سرا واعترفت له بسر جديد. ذهل أخوها أحمد فهجم عليها يضربها: وقال لها:
- قتلنا خالك بسببك والآن تقولين أنه ليس خالك، من يضمن لنا أن ما تقولينه كله صحيحا؟ من يدر ربما هناك عشيق آخر.
وقفت أمامه تبكي، قالت له:
- أحمد لقد ضربني وهددني حتى قبل زواجي أن لا أتحدث عنه لاي أحد. قال لي (قولي أي شيء إلا اسمي) فقلت خالي، لم أكن أعرف أنها ستصل حد القتل، لكنها الحقيقة.
- هل مستعدة لمواجهته؟
- هل ستحميني منه؟
- سأحميك، لكن من يحميك من دم خالك؟
- أنا بريئة والله، هو السبب.
ثار أحمد، واحمر وجهه، رفع قبضته إلى الأعلى وصرخ:
- كل هذا من تحت رأسك...؟
عندما واجهها به أمام إخوته، أنكر وهجم عليها، لكنها قالت له بوجهه:
- أنت الذي هجمت علي في البيت عندما كنت الوحيدة معك، أنت الذي هددتني بالسكين، أنت الذي قلت لي بأنك أبي وبأن الأب يجوز له مالا يجوز لغيره. أنت الذي قلت لي: لا تخافي لن تتألمي كثيرا... أنسيت عندما هددتني قبل حفلة الزفاف بيوم، وطلبت مني أن لا أذكر اسمك؟
رفع يده ليهوى عليها، لكنه تراجع، وضع يديه على وجهه، وصار يبكي. قال لهم:
- لعن الله الشيطان.
فقال له ابنه الأوسط:
- الشيطان؟ كل ما ارتكب أحدنا جريمة قال الشيطان؟
الأخ الأصغر، نظر إلى أبيه، بصق عليه وغادر البيت، قال كبير الإخوة لأبيه:
- اسمع الآن نحن أمام مشكلة كبيرة. أهل خالي يطالبوننا بدمه، وهم لن يتنازلوا حتى يأخذون بثأره، لقد قتلنا خالنا بسببك وتهديدك لها أن لا تذكر اسمك. إما أن تحدث مجزرة بسبب عار حملناه من تحت رأسك او أن توقف أنت شلال الدم وتعاقب نفسك.
سأله الأب:
- وما تقترح؟
- أنت تفهم تماما ماذا أقترح. عليك إيقاف شلال الدم.
- وهل ستقولون أنني الذي …..
- لماذا تحسب حساب ما جنته يداك؟ ألم تفكر قبل جريمتك البشعة؟ ابنتك؟ أي أب أنت؟ وما ذنب خالي المسكين أن تظل التهمة لاصقة به؟
توجه أبو أحمد وأبلغ رجال الإصلاح استعدادهم تقديم الفدية التي يرونها، فقالوا له:
- إنهم يطالبون برأسك.
- أنا جاهز لوقف شلال الدم بين الأقارب.
اجتمع رجال العائلتين، وبعد أن تحدث كبير رجال الإصلاح ودعا إلى حقن الدماء وقف أبو أحمد وقال لهم:
يا أهلنا ويا أحبائنا أريد أن أوقف شلال الدم بين العائلتين، لا أريد أن أحملكم دمي فلا تشهروا خناجركم، سأريحكم من دمي حتى لا يثأر لي أحد من أبنائي أو أقاربي، وكي أوفر على أبنائكم السجن.
ثم أخرج المسدس من جيبه ووضعه على رأسه وأطلق طلقة واحدة أردته قتيلا.
صاح أهل خال أحمد:
- الله أكبر، ظهر الحق.
أما أهل أبو أحمد فهاجوا وماجوا على فقده.
تدخلت الشرطة بعد أن عرفت بالحادث لكنها لم تستطيع إدانة أحد فالقاتل انتحر أمام الجميع. توقف شلال الدم لكن العلاقة بينهما ظلت مقطوعة، فقد تلطخت بدم يصعب محوه